رسالة السلام التي أرسلها – لم يرسلها محمد مرسي، الرئيس المصري الاسلامي، الى الرئيس شمعون بيرس، إن لم تكن تلفيقا تاما، فانها تشير الى امكانية انه يحتمل سلام حقيقي مستقبلي بيننا وبين الاخوان المسلمين والأمة الاسلامية بأسرها. يروون لنا بأن الاسلام بصفته هذه هو الجهاد، وان القرآن مليء بأقوال الكراهية والتحقير لليهود وأنه لا يحتمل سلام حقيقي ومصالحة بين المؤمنين بموسى والمؤمنين بمحمد. غير ان هذه الاقوال تقوم على أساس الكذب والتحريض، الجهل وسوء الفهم. يحتمل بالتأكيد سلام عظيم بيننا وبين القرآن وبيننا وبين الاسلام شريطة ان نفهم، وشريطة ان نعرف. د. محمد مرسي، كما ينبغي الأمل، يفهم ويعرف. المرة تلو الاخرى شرحت ماذا يرد حقا في القرآن (عندي إياه في ثلاث ترجمات) بالنسبة لشعب اسرائيل وبلاد اسرائيل، وكم هو – خلافا لكل التشهيرات التي تستند الى عدم معرفة ما يُقرأ وعدم فهم ما يُقرأ – النبي محمد في القرآن نفسه، بقدر ما قد تبدو الامور مذهلة، يعترف تماما بالاختيار الالهي لشعب اسرائيل كشعب الله المختار، بل ويعترف تماما ببلاد اسرائيل بأنها البلاد المقدسة التي خصصها الله لشعب اسرائيل. د. محمد مرسي يعرف بلا شك كل المقدمات التي سأعرضها لاحقا من القرآن المقدس نفسه، وإن كانت غُلفت بأغطية التزييف. ها هي في البداية تمجيدات محمد في القرآن على لسان الله لشعب اسرائيل: "بنو اسرائيل! تذكروا الخير الذي أعطيتكم إذ اخترتكم من بين كل الشعوب" (القرآن، "سورة البقرة"، الآية 36، ترجمة: د. اهارون بن شيمش، اصدار كرني). وفي مكان آخر يقول الله في القرآن على لسان محمد لشعب اسرائيل: "يا شعبي، لا تنسوا خير الله لكم إذ انشأ أنبياء وملوك من بينكم ما لم يُمنح لشعب آخر من كل الشعوب، وأمركم: سيروا في طريقكم الى البلاد المقدسة التي وعدكم بها". حسب محمد، القرآن ليس إلا توراة موسى للعرب: "قبله (قبل القرآن) أُعطي كتاب توراة لموسى كارشاد ورحمة، وهذا الكتاب (القرآن) يؤكده باللغة العربية" (القرآن، السورة 44، الآية 11). صحيح انه يوجد للقرآن ولمحمد حساب عسير مع اليهود الكفار، ولكن معهم فقط. لأنبياء اسرائيل في التوراة ايضا يوجد حساب عسير مع الخطائين. غير ان المحرضين والمستبعِدين من اوساط الشعبين والأمتين يزورون الكتب الأصلية لبث الكراهية والضغينة. ربما لأنهم بأنفسهم لا يفهمون. فها هي مثلا المقدمة الدقيقة من القرآن، والتي يُزعم ان محمد يعتبر اليهود فيها أبناء القردة والخنازير. لا أساس لذلك!. نية آيات محمد مختلفة تماما. هيا نقرأ الآيات الأصلية من القرآن نفسه وليس من تزويرات الجهلة: "يا أهل شعب الكتاب! هل تنتقمون منا لأننا نؤمن بالله وما أنزله لنا وما أنزله لكم من قبل؟ أم لأن معظمكم مخطئون؟ أأبشركم بما ينتظركم من عقاب هو أشد من انتقامكم، وهو عقاب اولئك الذين لعنة الله عليهم وهم كالقردة والخنازير؟". أفهمتم؟ هذا لا يقول ان اليهود هم "أبناء القردة والخنازير"، بل ان مصير اليهود الكفرة، وهم وحدهم، سيكون كمصير "القردة والخنازير" (بمعنى، قد يكونوا أعمياء الوعي وأفظاظ القلب كالقردة والخنازير. مثلا، اولئك الذين يؤمنون بأن أصل الانسان من القرد، اذا ما ترجمنا الامور الى الواقع الروحي في عهدنا). هذا شيء آخر تماما، طاهر من كل تحريض. محمد يُحذرنا ايضا من كل استغلال للعرب ("لا تتسببوا بسلبهم بيوتهم"، في سورة البقرة، الآية 78)، مثلما نفعل بالفعل، مثلا، تجاه عرب جنوب جبل الخليل، ولكن فضلا عن ذلك كل ما هو مطلوب منا في واقع الامر حسب القرآن هو ان نحترم تماما معتقد العرب والايمان بقدسية القرآن والفهم بأن "الله هو ربنا وربكم ولكن لنا نظامنا لعمله ولكم نظامكم لعمله". بمعنى، كل واحد منا يعبد الله بطريقته، ولكن الله واحد والايمان به وبكتبه المقدسة واحد. كل ما تبقى هو تحريضات الشيوخ العرب والحاخامين اليهود. السلام ممكن بيننا وبين محمد وبيننا وبين الدكتور محمد مرسي.