موضوع تسرب السلاح الكيماوي والبيولوجي الى منظمات الارهاب اصبح فجأة مركزيا. في الماضي أيضا جرى الحديث عن مثل هذه الامكانية، ولكن الحوار لم ينتقل الى حجوم الصخب الاعلامي الهائل الذي نشهده هذه الايام. رؤساء القيادة الاسرائيلية هم الذين رفعوا هذا الموضوع الى رأس جدول الاعمال في البلاد وفي العالم. تسرب السلاح الكيماوي السوري أصبح التهديد الاكبر على الدولة. صُبح مساء نسمع بانه اذا تلقى حزب الله هذا السلاح، فسينشأ وضع لن تتمكن فيه اسرائيل من ان تتعايش معه بأي حال. فضلا عن ذلك، فان امكانية الحرب مع سوريا طرحت على جدول الاعمال ايضا. تصريحات رئيس الاركان في المؤتمر الصحفي، عفوا، في لجنة الخارجية والامن، عن عملية موضعية أو واسعة دفعت الى السطح بسلسلة من التحليلات: هل من الافضل مهاجمة القوافل التي تنقل السلاح الكيماوي من سوريا الى لبنان او الى العراق أم ربما من الافضل مهاجمة مخازن ومنشآت السلاح الكيماوي والبيولوجي في سوريا، قبل أن تسقط في يد حزب الله او منظمات اسلامية متطرفة اخرى، والمخاطر بذلك بحرب شاملة مع سوريا؟ وعلى الفور طرحت أيضا المعضلة: اذا ما هاجمنا سوريا فان قدرتنا على مهاجمة ايران ستتضرر. أنا لا استخف على الاطلاق بخطر تسرب السلاح الكيماوي الى اياد تكره اسرائيل بصفتها هذه. هذا خطر واضح كالشمس انه يجب متابعته استخباريا. ولكن توجد هنا مبالغة منفلتة العقال للغاية بالنسبة لحجمه، والحديث الان عن حرب تنشأ بسببه يقترب، برأيي، من السخافة. أولا، هذا خطر واحد ضمن مخاطر كثيرة ينطوي عليها تفتت الدولة السورية وحكمها المركزي القوي، وميزته أولا وقبل كل شيء في المجال النفسي، إذ أنه يثير المخاوف في قلب كل انسان. فأنا، مثلا، أرى خطرا ملموسا أكثر بكثير في امكانية أن تسيطر منظمات تتماثل مع القاعدة على هضبة الجولان وتجعلها قاعدة للارهاب. وعليه، فان تسرب السلاح الكيماوي هو في جوهره موضوع تكتيكي، هو جزء من المشكلة الاستراتيجية الشاملة لاسرائيل، وهي مسألة السياسة التي ينبغي اتخاذها تجاه المسيرة المحتملة لتفتت الدولة السورية. برأيي، ستكون هناك المزيد من التقلبات العديدة في سوريا، والفريضة العليا التي يجب أن توجه خطانا هي عدم التدخل المطلق، الا في المواضيع الانسانية الصرفة. في هذا الاطار ينبغي ان يجرى تفكير مرتب، هاديء، دون أي مداولات من النوع الذي يتسرب باستمرار من لجنة الخارجية والامن، عن ملاءمة السياسة الاسرائيلية مع المسألة السورية في ضوء التطورات الملموسة على الارض. منذ وقت غير بعيد "احتفلنا" بمرور 30 سنة على حرب لبنان الاولى. هناك ايضا تدخلنا في الدولة التي كانت في ذروة التفتت، دون حكم مركزي. اذا كان هناك درس واحد من الحرب اياها، فهو أنه لا يجب التدخل. فما بالك في سوريا، حيث تتدخل منذ الان في ما يجري دول عديدة. ثانيا، بتقديري الامر الاخير الذي يريده حزب الله هو أن يتسلم التفاحة المتلظية التي تسمى سلاحا كيماويا. مثل هذا السلاح بيد حزب الله سيجعله ويجعل لبنان كله ليس فقط هدفا شرعيا لهجوم شديد من اسرائيل بل وايضا هدفا شرعيا للولايات المتحدة، ودون أن يتمكن نصرالله من الاعتماد على حماية روسيا أو الصين. فالسلاح الكيماوي سيصفي دفعة واحدة كل جهد لحزب الله لان يتخذ صورة المنظمة السياسية المحمية، التي تشكل جزء من النظام اللبناني وتعمل في الاعمال الخيرية. برأيي، منظومة السلاح المضادة للطائرات المتطورة او صواريخ شاطيء – بحر المتطورة الموجودة لدى سوريا وتنتقل الى حزب الله تشكل خطرا أكبر بكثير بالنسبة لاسرائيل. ثالثا، بعض التاريخ. كان لصدام حسين صواريخ كيماوية في حرب الخليج الاولى في 1991، وهو لم يطلقها على اسرائيل. عندما تفتت الاتحاد السوفييتي، انشغل الجميع بالامكانية المؤكدة المزعومة بان ترسانة السلاح غير التقليدي الروسية المنفلتة، بما في ذلك القنابل النووية الصغيرة، ستتسرب الى منظمات الارهاب. فهل حصل في حينه أي شيء؟