خبر : اجتياز نقطة اللاعودة / بقلم:عاموس هرئيل / هآرتس 29/7/2012

الأحد 29 يوليو 2012 02:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
اجتياز نقطة اللاعودة / بقلم:عاموس هرئيل / هآرتس 29/7/2012



"أنا في حرج كبير، لأنه لاول مرة في كل سنوات عملي في هذا المجال، يُخيل لي بأني أفهم بقدر أكبر ما هي الاعتبارات التي توجه خطى العدو أكثر مما أفهم اعتباراتنا". الناطق هو رجل استخبارات قديم، قضى سنوات طويلة في الدوائر الأعلى التي تتخذ فيها القرارات في جهاز الامن الاسرائيلي. فقد قال الرجل هذا الاسبوع ان الواقع في الشرق الاوسط اجتاز تغييرات متطرفة في السنتين الاخيرتين.ويُخيل انه لاول مرة منذ سنين لا يمكن لاسرائيل حقا ان تعمل كي تحبط بعضا من التطورات الخطيرة بالنسبة لها، من صعود الاخوان المسلمين في مصر وحتى الآثار المقلقة في بعضها المتعلقة بالانهيار المتوقع لنظام الاسد في سوريا. ولكن في مكان واحد، لا يزال يمكن ان يكون للعمل الاسرائيلي فيه معان دراماتيكية على نحو خاص، تؤثر على سير الامور في المنطقة بأسرها: ألا وهو ايران. في "الجبهة الشرقية"، العمود الاسبوعي الجديد لآري شبيط في ملحق "هآرتس" يبحث شبيط ومن يجري اللقاءات معهم، ومعظمهم من المسؤولين السابقين في القيادة السياسية والامنية، في الاعتبارات المؤيدة والمعارضة لقصف اسرائيلي للمواقع النووية في ايران. وهذا خليط من نزعة الآخرة ووجبة الصباح. وفي الوقت الذي يعيش فيه المواطنون بسكينة حولهم، يرسم محادثي شبيط سيناريوهاتهم المتشائمة حول ما هو متوقع، سواء اذا هاجمت اسرائيل ايران أم امتنعت عن الهجوم. الآراء منقسمة، ولكن التوقع موحد: فلن تكون الأجواء لطيفة هنا قريبا. في الاسابيع الاخيرة تحدثت مع خمسة آخرين من المسؤولين الكبار، من خريجي جهاز الامن. ومعا، أدوا تقريبا كل مهمة مركزية يمكن التفكير فيها في الجيش الاسرائيلي. وجرت المحادثات على انفراد (بعض الناس يمقتون جدا الواحد الآخر، على خلفية شقاقات بعيدة عن ان تكون استراتيجية). ما كان مفاجئا في هذه اللقاءات هو النبرة التي توحدهم جميعا. كل الخمسة قلقون جدا مما يُشخصونه كتصميم متعاظم لدى رئيس الوزراء ووزير الدفاع للهجوم على ايران. هؤلاء الاشخاص، الذين لم يخرج أي منهم بعد علنا وعلى نحو قاطع ضد القصف، لا يتفقون بالضرورة الواحد مع الآخر.كما ان معظمهم لا يتفقون مع الاقوال القاطعة لرئيس الموساد السابق، مئير دغان وصديقه رئيس المخابرات السابق يوفال ديسكن، اللذين يعارضان القصف بكل حزم (دغان) ويتهمان الثنائي نتنياهو – باراك بالمسيحانية في المسألة الايرانية (ديسكن). المشترك بينهم هو التحفظ على التوقيت. الهجوم في الاشهر القريبة القادمة، يقولون، دون شرعية دولية وفي ظل الدخول شبه المؤكد في مواجهة سياسية جبهوية مع الولايات المتحدة، سيضر بالقضية الاسرائيلية أكثر مما ينفعها. في نهاية 2011 أدخل اهود باراك في ساحة البحث العالمي في النووي الايراني مفهوم "مجال الحصانة". هذا فهم تبلور بداية في شعبة الاستخبارات في هيئة الاركان وجاء ليصف تطلع حكم آيات الله الى جمع العناصر الحيوية للمشروع في مواقع محصنة، تبدو ظاهرا آمنة من ضربة عسكرية من الخارج. "نقطة اللاعودة" تُركت (وربما اجتيزت) منذ زمن. المجال، وهو تعبير أكثر مطاطية، على حد قول واضعيه، بُسط على مدى فترة زمنية أوسع، ولكن في نهايتها سيكون للايرانيين ما يكفي من عناصر الانتاج الحرجة والمعرفة حصينة من الضربة، بشكل يوفر للبرنامج النووي نوعا من بوليصة التأمين. تحدث باراك بتعابير الأرباع، ثلاثة حتى اربعة. مع نهاية العام 2012، كما فُهم من حديثه، سيكتمل دخول ايران الى مجال الحصانة. الحصانة من الهجوم الاسرائيلي ستتحقق بسرعة نسبية. لسلاح الجو الامريكي، بقدراته الأحسن، ستبقى عدة شهور اخرى للعمل بعدنا. في خطابه في الاستقبال الاحتفالي الذي تعقده وزارة الدفاع بمناسبة يوم الاستقلال، في نهاية نيسان من هذا العام، تحدث باراك بتوسع عن مجال الحصانة. ومنذ ذلك الحين، دُحر المفهوم بالتدريج جانبا في تصريحاته العلنية. في خطاب الوزير الذي يتسم بتصميم نسبي أول أمس، في كلية الامن الوطني، لم يكن له ذكر. هناك أناس يؤمنون بأن سبب ذلك هو ان مجال الحصانة لم يعد ذا صلة، لأن ايران توجد منذ بضعة اشهر في مكان آمن داخل هذا المجال. فقد جمع الايرانيون ما يكفي من اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في موقع تحت ارضي بُني في بوردو، قرب مدينة قُم المقدسة، لتعطيل كل هجوم جوي ضده. ما تبقى عمله برأي اسرائيل، اذا ما قررت مع ذلك العمل، سيكون بقدر أكبر مثابة عرض غاية ردعية أكثر منه خطوة حقيقية لتأجيل القنبلة النووية الايرانية. لا ينبغي الاستخفاف بالعقول اللامعة التي تقف خلف التخطيط العملياتي في اسرائيل. اذا نظرنا الى خطوات سابقة تُعزى لاسرائيل في المنطقة، معقول ان تكون قادرة على ان تنتج هذه المرة ايضا نجاحا عملياتيا مثيرا للانطباع. ولكن نتائجه الاستراتيجية الايجابية كفيلة بأن تكون محدودة. الى جانبها، تكمن مخاطر كثيرة، من الشرخ مع واشنطن وحتى، في ظروف متطرفة، الحرب الاقليمية. سيقول المتهكمون ان مفهوم مجال الحصانة يخدم بشكل عام هدفا آخر: التهديد الايراني هو مجال حصانة اهود باراك، المجال الذي يضمن بقاءه السياسي كرجل السر الأقرب لنتنياهو (في الايام الاخيرة طرحت تقديرات بأن باراك يعيد النظر في موقفه المؤيد للهجوم في ايران، ولكن في حالته على نحو خاص من الصعب معرفة ما هي نيته الحقيقية). الصفقة التي فشلت في منتصف الاسبوع عصفت الساحة السياسية حول ما وصف كصفقة "دوان – ايران" – مساعي رئيس الوزراء لان يجتذب الى الائتلاف مرة اخرى نوابا من كتلة كديما (بينهم النائب آفي دوان) وأن يضم الى حكومته والى الثمانية النائب السابق تساحي هنغبي. قصة هذا العمل عرضت في بعض من وسائل الاعلام بخيوط غليظة بعض الشي: نتنياهو، كما زعم، أعلن بداية عن انتخابات مبكرة وبعد ذلك ضم على نحو مفاجيء كديما الى الائتلاف في ايار، فقط كي يسوغ هجوما على ايران. رئيس كديما، شاؤول موفاز، فسر انسحابه في منتصف تموز بسبب تحفظه على القصف (أكثر مما بسبب الازمة حول تجنيد الاصوليين للجيش الاسرائيلي). هنغبي سيأتي بدلا منه الى الائتلاف كي يضمن ذات الظهر الواسع الذي امتنع موفاز عن توفيره. توجد الكثير من الامور التي لا تنسجم مع الشكل الذي تعرض فيه: موفاز قيد نفسه علنا كمعارض حازم لعملية اسرائيلية غير منسقة. فلماذا على الاطلاق يعول عليه نتنياهو مسبقا كمؤيد محتمل؟ التفسير الاستراتيجي يتجاهل تماما ايضا العنصر القوي المتعلق بالبقاء السياسي في اعتبارات رئيس الوزراء وبالتأكيد في اعتبارات موفاز، في قرارهما التوقيع على الاتفاق الائتلافي بين الحزبين. ليس مفهوما أيضا ما هي القيمة العامة، ناهيك عن القيمة الاخلاقية، لدخول هنغبي الى الحكومة. ولا يزال هناك شيء ما مقنع جدا في الشكل الذي يتحدث فيه في الايام الاخيرة رئيس كديما عن الانسحاب وعن المحاولة لتهريب النواب الى الحكومة، حين يكون في الخلفية الجدال الاستراتيجي. موفاز، أب لضابطين في الخدمة الدائمة في وحدات مختارة، بدا هذه الايام قلقا حقا. هذه المرة، هذا لا يشم كخدعة اخرى او ذبذبة سياسية على نمط "الانسان لا يترك بيته" او "نتنياهو كذاب". كل هذا النقاش سيكون هذا صلة اكثر من أي وقت مضى اذا ما فشلت جولة المباحثات الاخيرة بين القوى العظمى الستة وايران حول النووي في الايام القادمة. في الشهر القادم، القيادة الاسرائيلية يمكنها أن تعرض نفسها كمن أعطت على مدى ما يكفي من الوقت الفرصة للدبلوماسية، التي فشلت في النهاية في وقف النووي الايراني. وعندها، فان الزمن المتبقي حتى المناورة الواسعة للدفاع في وجه الصواريخ والذي في اطارها سيصل الى البلاد اكثر من الف جندي امريكي في منتصف تشرين الاول تتبقى "نافذة" ليست ضيقة جدا للهجوم، قبل الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني. ضرر كيماوي حين يكون في الخلفية الجدال المتواصل حول ايران، اشتدت هذا الاسبوع المشكلة الاكثر اشتعالا – سوريا. نتنياهو، باراك ووزير الخارجية، افيغدور ليبرمان، اوضحوا جميعا بان نقل السلاح الكيماوي من سوريا الى حزب الله سيكون خطا أحمر سيتعين على اسرائيل العمل ضده. واختار الثلاثة التشديد على التهديد الكيماوي. عمليا، تقلق اسرائيل ايضا الامكانية التي تبدو الان معقولة اكثر، بنقل صواريخ مضادة للطائرات، صواريخ شاطيء – بحر متطورة وصواريخ بالستية متوسطة الى حزب الله. رئيس الاركان بيني غانتس، كشف بعضا من الاعتبارات امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست. حاليا، قال غانتس للنواب يوم الثلاثاء، تأخذ الاستخبارات الاسرائيلية بالذات الانطباع بان نظام الاسد يفرض رقابة معقولة على مواقع السلاح الكيماوي. ولكن على الجيش الاسرائيلي أن يستعد ايضا لسيناريو خروج قافلة تنقل السلاح الكيماوي الى لبنان وكذا لامكانية أن يكون مطالبا بقصف المخزونات نفسها في الاراضي السورية. في الحالة الثانية، كما ألمح، قد يكون المعنى هو حرب. ومع ان غانتس ضن في الحديث، الا ان النواب كان بوسعهم ان يأخذوا الانطباع بان الجيش يفضل هجوما مركزا على هجوم واسع. ولما كان الكثيرون في الساحة السياسية يتعاطون مع القضية السورية، التي قفزت الى رأس جدول الاعمال الامني بعد اغتيال اربعة كبار مسؤولي نظام الاسد في دمشق الاسبوع الماضي،كسابقة على القضية الايرانية، من السهل توجيه اللاعبين الى الادوار التي اعدت لهم مسبقا: الجيش معتدل، الوزراء متحمسون. الحذر من الحرب. وكالمعتاد، فان القصة اكثر تعقيدا. في القضية السورية، الجيش الاسرائيلي ايضا قلق من المخاطر ولكن غانتس الذي يعرف بان كل شيء يتسرب من المحفل الواسع للجنة الخارجية والامن (خلافا للجنة الفرعية) اختار التحليل الموجز عن قصد. مشكوك أن يكون كل النواب، المنشغلين الان بالمعارك السياسية المضرجة بالدماء، يدركون بما يكفي مختلف الاطياف كي يشخصوا موقف رئيس الاركان. المشكلة هي ان القناتين، ايران وسوريا، مرتبطتان ارتباطا وثيقا الواحدة بالاخرى وحزب الله يربط بينهما. لا ريب أن السقوط المتوقع لنظام الاسد سيضر بالمصالح الايرانية في المنطقة. قدرة طهران على تهديد اسرائيل من خلال سوريا ستقل والقناة البسيطة لتوريد الدعم والذخيرة، الى بيروت عبر دمشق، ستصبح أكثر خطورة بكثير. بالمقابل، معالجة اسرائيلية للتهديد بنقل السلاح الاستراتيجي من سوريا الى لبنان قد تنطوي على كشف مسبق للقدرات، التي يفترض أن تبقى في الاولوية العليا، النووي الايراني. واكثر من ذلك، اذا هاجمت اسرائيل قافلة سورية الى حزب الله وحزب الله اختار أن يرد، فقد تنشأ هنا جبهة عنف في الشمال. في مثل هذه الحالة، سيجد الجيش الاسرائيلي نفسه يستهلك بعضا من قدرته الهجومية اما الجبهة الاسرائيلية الداخلية فستستنزف في جولة القتال مع حزب الله، دون أن تكون اسرائيل عالجت ايران. يحتمل بالطبع أن التصعيد في الشمال في الذات سيؤدي في النهاية الى قصف المواقع النووية الايرانية، ولكن عندها سيضيع تماما ايضا القليل الذي تبقى من عنصر المفاجأة حيال ايران. بالمقابل، تفترض اسرائيل بان ايران تفحص بسبع عيون سلوكها في قضية السلاح الكيماوي. اذا تجلدت اسرائيل على نقل السلاح الى لبنان، رغم التزاماتها العلنية، فما هي قيمة تهديداتها بالنسبة للنووي الايراني. في هذه الاثناء تكتفي القدس الرسمية بالتصريحات الرسمية لنتنياهو، باراك وليبرمان. غانتس أيضا سافر هذا الاسبوع الى الشمال، الى الفرقة 91 على الحدود اللبنانية، ولكن بحكم اختار الا ينضم الى جوقة التهديدات. واكتفى الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي بنشر صورة غانتس، قائد المنطقة الشمالية يئير غولان وقائد الفرقة العميد هيرتسي هليفي، يراقبون بالمناظير المنطقة اللبنانية. في داخل هذه التعقيدات لا ينبغي تجاهل التهديد بعمليات اضافية ضد مواقع اسرائيلية ويهودية في الخارج، بعد النجاح النسبي لحزب الله وايران الاسبوع الماضي، في العملية التي قتل فيها ستة اشخاص في بورغاس في بلغاريا. نقطة الانطلاق بعد العملية كانت انه من المتوقع عمليات اضافية، ولا سيما بعد انكشاف خطة لحزب الله للقيام بعملية مشابهة في قبرص. ومع ذلك، التقرير في "الصاندي تايمز" اللندنية عن الخوف من عملية لايران – حزب الله ضد رياضيين اسرائيليين في الالعاب الاولمبية في لندن بدا مدحوضا تماما. هذا فقط ينقص الايرانيين الان، ان ينكشفوا بكامل اجرامهم بالذات على المنصة رقم 1 في العالم، بينما تبحث الاسرة الدولية في تشديد العقوبات ضدهم بسبب المشروع النووي. في التقارير عن حالات الظهور الاخيرة لغانتس يبرز التهديد الايراني والسوري، ولكن من المشوق التوقف ايضا عند تشخيصات اخرى لرئيس الاركان. غانتس يعتقد انه في ضوء الهزة في العالم العربي، قل جدا الخطر في أن تهاجم اسرائيل بخطوة عسكرية تقليدية من جانب احدى الدول المجاورة. بالمقابل، فانه قلق من ان تدفع حادثة موضعية الى التدهور نحو تصعيد متعدد الجبهات. بتعبير آخر، حتى اذا لم تهاجم اسرائيل ايران أو سوريا، فان المحفز للقتال قد يأتي في صيغة اخرى. ويقصد رئيس الاركان أولا وقبل كل شيء قطاع غزة، حيث التحسين المتواصل لمدى صواريخ حماس، الى جانب الثقة المبالغ فيها التي جمعها بعض من قادة المنظمة الفلسطينية، يمكنها أن تساهم في التصعيد.