يشتبه جهاز الامن العام "الشباك"- المخابرات والشرطة بأن منظمات الارهاب الفلسطينية تستخدم شبكة تبييض الاموال من خلال المهاجرين من افريقيا ممن يبعثون بالمال لأبناء عائلاتهم. وصادقت أمس اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على مشروع قانون أعدته وزارة العدل يحظر على المهاجرين ممن دخلوا البلاد بغير وجه قانوني ارسال الاموال من اسرائيل. وهدف القانون المعلن هو تقليص الحافز لدى المواطنين الافارقة للوصول الى البلاد، ولكن على حد قول المهاجرين الذين باتوا يوجدون فيها، فان منظمات المساعدة، بل ومسؤولين كبار في المنظومة، فان مشروع القانون سيعظم فقط ظاهرة ارسال الاموال بوسائل غير قانونية. من يتمتع بهذا الوضع هم بالذات منظمات الفلسطينيين في الضفة، الذين يستغلون المهاجرين لتمويل نشاطاتهم. كل اسبوع يبعث المهاجرون بمئات آلاف الشواكل من رواتبهم على نحو غير قانوني الى بلادهم. في أحد الاستطلاعات العادية تمهيدا لبلورة مشروع قانون وزارة العدل، عرض ممثلو المخابرات والوحدة القطرية للتحقيق في الجرائم الدولية الوسائل التي يستخدمها المهاجرون لتحويل الاموال. وحسب النموذج الذي عرضه ممثل مندوب المخابرات في المداولات، واتخذ عنوان "التحويل بوسائل غير رسمية عبر وسطاء بسبل تشكل خطرا أمنيا على اسرائيل"، فان بعضا من الاموال التي يسعى المهاجرون الى ارسالها الى افريقيا تُبيضه المنظمات وينتقل من يد الى يد الى ان تصل الى أهدافها، الى اريتيريا أساسا ولكن الى السودان ايضا. ويتبين من تحقيقات السلطات ان المهاجرين يودعون الاموال لدى وسطاء يُسمون "نشالين" ينقلون الاموال الى وسيط أكبر على اتصال مع فلسطينيين من سكان الضفة أو مع عرب من سكان شرقي القدس. المال الذي ينتقل الى الضفة يبقى هناك ويصل الى حماس ومنظمات اخرى، وهكذا فانهم يتغلبون على مصاعب تحويل الاموال الى الضفة الغربية. مندوبو حماس والمنظمات الاخرى المتواجدون في خارج البلاد – ولا سيما في ايران، لبنان وسوريا – يغطون المبلغ من خلال ارسال المال الى مندوبيهم في دول المقصد في افريقيا وهم من جانبهم ينقلون التحويلات الى عائلات المهاجرين. وتعمل الطريقة بحيث أن المال لا يغادر حدود البلاد ولا تُنفذ تحويلات الكترونية من البلاد الى الخارج ولهذا لا يمكن العثور على هذا النشاط أو معرفة حجمه. يتبين من المعطيات التي عرضها أول أمس على الحكومة سكرتير الحكومة تسفي هاوزر بأنه يجري كل سنة تحويل نحو 600 مليون شيكل من الخارج الى اسرائيل – منها فقط نحو 50 مليون في تحويلات قانونية، أما الباقي فيعتبر "نقص مُقدر". وبتقدير سلطات القانون، فان أجزاء كبيرة من هذه الاموال تشق طريقها الى المنظمات في الضفة الغربية، غزة وسيناء. في سكرتاريا الحكومة وجهوا سلطات الأمن كي تضع التحقيق في القضية "في أولوية عليا". في مداولات جرت قبل بضعة اسابيع أشار مندوب المخابرات الى اعتقال معاون ووسيط في منطقة ترقوميا في شهر حزيران وكذا اعتقال مشبوهين آخرين في شرقي القدس. وتابع محققو المخابرات مسارات تحويل الاموال وفهموا بأن الاموال بالفعل تصل الى منظمات الارهاب. وفي الاعتقالات وضعت اليد على حقائب فيها نحو 50 ألف دولار في كل تحويلة، وتبين من التحقيق بأن التحويلات تتم مرتين في الاسبوع بالمتوسط – بحجم 100 – 400 ألف شيكل للصراف. وتعرف سلطات القانون خمسة صرافين، ولكنها تُقدر بأن الحديث يدور عن 15 بالاجمال. وهكذا تستغل منظمات الارهاب خوف المهاجرين من البيروقراطية الكامنة في التحويلات البنكية أو عبر مقدمي خدمات العملة الصعبة، ويتغلبون على مصاعب ادخال الاموال الى المناطق القائمة ضمن الرقابة الاسرائيلية أو تحويل الاموال من غزة الى الضفة. ويتبين من شهادات مهاجرين افارقة الى البلاد بأن النموذج يعمل في صالح الجميع وانه رغم غياب التوثيق والتسجيل للتحويلات، لم تظهر مشاكل في تحويل الاموال عبر سلسلة الوسطاء حتى أبناء العائلات في افريقيا. وتجدر الاشارة الى أنه أغلب الظن، وهكذا ايضا حسب تقديرات سلطات القانون، فليس للمهاجرين أنفسهم (باستثناء الوسطاء في الدائرة الداخلية الأقرب للوسيط الفلسطيني) أي فكرة حقا الى أين وكيف يتدحرج المال الى ان يصل الى أهاليهم. و. (الاسم الكامل محفوظ لدى أسرة التحرير)، مهاجر من اريتيريا يمكث في تل ابيب منذ سنتين، يتحدث عن النموذج. "مرة في كل بضعة اسابيع أبعث بين ألف الى ألفين دولار الى عائلتي في اريتيريا والى أخي الذي يوجد في سويزلاند. وأنا أُحول هذا الى اريتري هنا في جنوب تل ابيب له اصدقاء وهو يُحول هذا الى افريقي آخر يوجد في البلاد منذ اربع سنوات. وهذا يُحول المال الى عربي في قرية ما ومن هناك يُحول المال الى افريقيا". و. زبون دائم لهذه الطريقة ويشهد انه لم تظهر أبدا أي مشاكل في الامر، وإلا كان سيوقف التحويل ويبحث عن بدائل. "أنا لا أعرف كيف يخرجون المال من البلاد"، أشار، "ولكني أُحول لهم بالدولارات وهم يُحولونها الى العملة المحلية. وهم يعرفون كم هذا بالدولار ويحولون المال حسب قيمته في اريتيريا". وحسب و.، على الصفقة يدفع عمولة ليست أعلى نسبيا من عمولة مقدمي خدمات العملة الصعبة مثل وسترن يونيون ومنيغرام . "الاريتري الذي أعرفه يأخذ 15 شيكل على كل 100 دولار أُرسلها"، يروي. مما يعني نحو 3.8 في المائة أو 300 شيكل لتحويل مبلغ عال نسبيا بمقدار 2000 دولار. ويشرح و. المنطق في استخدام الوسطاء. "اذا ذهبت الى البنك سيقولون لي هات لنا قسيمة راتب، هات عنوانا لك أين تنام وبطاقات هوية. كل من أعرفه يفعل هذا بهذه الطريقة. كل من له مقهى انترنت في تل ابيب يفعل هذا". البادرة الاولى للآلية وللشبهات التي بموجبها تختبيء في تل ابيب خلية ارهابية، أعطاها شاب اريتري ابن 22 يسمى كبري غبريوسس. وكان غبريوسس اعتُقل في حاجز ترقوميا (طريق الخليل – كريات غات) في منتصف حزيران الماضي للاشتباه بنقله أموالا الى منظمة ارهابية، عقد اتصال لتنفيذ جريمة ومخالفة قانون حظر تبييض الاموال. والى جانب غبريوسس اعتقل ايضا عربي اسرائيلي من الرملة وفلسطيني يُقيم في قرية صوريف. ويدور الحديث أغلب الظن عن اعتقال أول لمهاجر افريقي للاشتباه بالمشاركة في الارهاب عن قصد. في بداية الاسبوع الماضي اقتحم محققو الوحدة القطرية للتحقيقات في الجرائم الدولية بالتعاون مع محققي ضريبة الدخل نحو 20 متجرا قانونيا وغير قانوني في تل ابيب. المتاجر التي اقتحمها المحققون كان هدفا لتحقيقات طويلة واشتُبه بها بتقديم خدمات عملة دون ترخيص، مخالفات لقانون حظر تبييض الاموال واخراج اموال من البلاد خلافا للقانون. وفي الاقتحام اعتقل اربعة مهاجرين من اريتيريا ووضعت اليد على نحو مليون شيكل نقدا (بالدولارات وبالشواكل). اضافة الى ذلك، في النيابة العامة للواء القدس يعالجون ملفين لاريتريين اعتقلوا للاشتباه بنقل اموال الى منظمات الارهاب. ولاحظت اوساط الشرطة والمخابرات بأن الجريمة تتركز أساسا على المال الذي وجهته اريتيريا. وما أكد ذلك هو المعطيات التي عُرضت في الجلسات حول الموضوع في سكرتاريا الحكومة. بواسطة بنك البريد أخرج المهاجرون في 2011 نحو 14 مليون شيكل بـ 5.800 عملية، أما في النصف الاول من العام 2012 فأخرجوا 6 ملايين شيكل بـ 2.900 عملية. ويتبين من المعطيات ان معظم المهاجرين يفضلون نقل الاموال أساسا عبر أصحاب الامتياز للتعامل مع منيغرام - موردة خدمات العملة الاجنبية التي يوجد لها خمسة أصحاب امتياز خاصين وبنك ديسكونت. كما يتبين انه في 2008 – 2011 نُقل الى افريقيا نحو 20 مليون دولار (متوسط 20 مليون شيكل في السنة). رغم المعطيات التي تدل على اخراج عشرات الملايين من اسرائيل بطرق تقليدية، فان أساس المشكلة بالنسبة لسلطات القانون يتعلق بالاموال التي يخرجها نحو 30 ألف مواطن اريتري يعيشون في اسرائيل. ويتبين من معطيات حولها بنك البريد انه في العام 2011 بأسره نُفذت نحو 13 تحويلة مالية الى اريتيريا فقط بمبلغ اجمالي 21.500 شيكل. في تلك السنة جرت ايضا 15 تحويلة مالية من جانب اريتريين الى دول اخرى في افريقيا بمبلغ اجمالي 24.000 شيكل فقط. وتمت التحويلات بمبالغ صغيرة بمقدار بضع مئات الشواكل. الفارق الكبير بين المعطيات التي عرضها المهاجرون من دول ليست اريتيريا ومواطني الدكتاتورية في شرقي افريقيا يثير الاشتباه في ان عشرات ملايين الشواكل تخرج من اسرائيل دون أي رقابة وقد تجد طريقها الى منظمات الارهاب. في تعزيز لهذا الادعاء، أشار مندوب وزارة الداخلية في الجلسة الى ان لدى الوزارة كراسا يوثق تحويل الاموال الى اريتيريا بطريقة غير قانونية بحجم مئات آلاف الدولارات. كما طرح مندوب وزارة الداخلية ايضا بأن قسما من الاريتريين يحولون اموالهم عبر المناطق (ج) في السلطة الفلسطينية من خلال وسطاء وصرافين من شرقي القدس. لماذا اريتيريا بالذات؟ من شهادات الاريتريين الذين يعيشون في اسرائيل يتبين ان استخدام الوسائل غير الشرعية لتحويل الاموال الى بلادهم ينبع أساسا من سياسة الحكم الاريتري الذي يجبي ضرائب عالية على الاموال المحولة وان مشروع قانون وزارة العدل سيُعظم الظاهرة فقط. من ناحية المهاجرين تجدهم ملزمين بتحويل الاموال الى عائلاتهم وذلك ايضا لأن ليس لهم مكان آمن يخفونه فيه أو كما أجاد في وصف ذلك أحد المهاجرين حين قال انه "اذا وضعت المال في الشقة فسيسرقوه لي، وفتح حساب بنكي هو أمر معقد جدا، فماذا تريدون، ان أضع المال في ملابسي الداخلية؟". وهكذا من خلال الطريقة العتيقة المسماة "صديق يجلب صديقا" نشأت لها شبكة وساطة مالية تقوم على الثقة. وبزعم المهاجرين، لا يوجد هنا سلوك على نمط المافيا أو تهديدات، وبزعمهم ليست مشكلة حتى في فتح "تجارة منافسة". وقال أحدهم "لا أحد يقول لي شيئا اذا عرفت أنا ايضا اشخاصا ونقلت المال الى افريقيا. سليم جدا عمل هذا". بعض المهاجرين يدعون بأن السياسة الحالية التي تجعل من الصعب عليهم اخراج المال الى بلدانهم تدفعهم الى الجريمة – الامر الذي سيتعاظم اذا ما أُجيز مشروع قانون وزارة العدل الذي يحظر اخراج الاموال من اسرائيل. وبزعم يوهانس بايو، مدير مركز مساعدة اللاجئين الافارقة في اسرائيل (ARDC) فان المهاجرين يضطرون الى العون الذي يقدمه المجرمون "بسبب المنظومة". "لأنه لا توجد سياسة حكومية مرتبة تجدهم يتوجهون الى أناس مشكوك فيهم ويعطونهم أموالهم"، يقول بايو. "نحن لا نؤيد النشاط السلبي، وهذا يجب ان يتوقف، ولكن اذا أُجيز مشروع القانون الجديد، لأسفي لن يكون أمام الناس مفر وسيكونون ملزمين بنقل الاموال بوسائل غير قانونية. ولأنهم لا تُوفر لهم امكانية قانونية فاننا عمليا ندفعهم الى الجريمة". ويروي بايو عن الصعوبة في تحويل الاموال التي تتجاوز حتى جنيه. "نحن نعرف بأنه يوجد غي قليل من الناس ممن يستخدمون وسائل قانونية مثل وسترن يونيون أو منيغرام"، يقول ويتحفظ على الفور، "ولكن هناك ايضا وفي الاماكن القليلة التي يُسمح فيها بفتح حساب بنك يطالبونهم بوثائق كالهويات الامر الذي ليس متوفرا للجميع. كل التوجه الى الوسائل غير القانونية يبدأ بسبب السلطات التي تضع المصاعب أمام الطرق القانونية. وهم يُدفعون نحو الجريمة". مندوبة النيابة العامة في لواء القدس، التي شاركت في المداولات لبلورة مشروع القانون، تتفق مع ادعاءات ممثلي المهاجرين. "مشروع القانون يتشدد ظاهرا فقط وسيشجع الظاهرة الأكثر اشكالية على أي حال"، قالت ممثلة النيابة العامة في احدى المداولات وأضافت "ليس واضحا لي اذا كانت الآلية التي اختيرت هي آلية ناجعة. سطحيا يبدو أن بسهولة شديدة يمكن تجاوز هدف القانون اذا ما نظم المتسللون أنفسهم للاهتمام بالتحويل الدائم لاموالهم الى بلدانهم الأصلية – وهو تنظيم يبدو منذ الآن قائما على هذا المستوى أو ذاك".