التقيت منذ زمن غير بعيد بشخص يعرف من قريب القيادة السياسية في اسرائيل واقترح قائلا: "تعال ننظر في قائمة رؤساء الوزارات في العشرين سنة الاخيرة ولنرَ كيف كانت علاقتهم بأرباب المال". قلت: هذا سهل. في 1992 انتخب اسحق رابين. فقال: "صحيح. كان رابين شديد التعلق بأصحاب المال. فقد قضى اوقاتا في حفلاتهم وأصغى الى نصائحهم وشرب الخمر بصحبتهم. ومنحوه من خيرهم، وحينما ضغطوا عليه كي لا يفرض ضريبة على البورصة تفهمهم. فلم تُفرض الضريبة في ولايته". وسأل: "من جاء بعد رابين؟". قلت: "شمعون بيرس". فرنا إلي بنظرة انتصار. "أبيرس؟"، قال. "لا يوجد شيء ما كان مستعدا للحصول عليه من أرباب المال: التبرع لحزبه والتبرع لحملاته الانتخابية ولمشروعاته، بل كان مستعدا للحصول على ساعة يد من بعضهم". فهمت، قلت. وبعد بيرس جاء نتنياهو. أمرني قائلا: "لنترك نتنياهو الآن جانبا. من الذي جاء بعده؟". قلت: باراك. فضحك بصوت عال وقال: "ليس باراك صديق كبار أرباب المال في البلاد وفي العالم فحسب بل هو نفسه من أرباب المال. ولولا حماية مراقب الدولة له لما علم أحد الى أين كانت تؤدي التحقيقات معه". قلت: ثم انتُخب شارون. قال ساخرا: "هل تقصد والد الجزيرة اليونانية؟. عرف شارون كيف يُقدر المال وعرف كيف يُقدر الملك. من جاء بعد شارون". قلت: اولمرت. (صاح قائلا: "أوه. لم يوجد رئيس وزراء كان أشد اتصالا بكبار عالم الاعمال من اهود اولمرت، فقد كان وما يزال واحدا منهم يعيش مثلهم ويطير مثلهم ويسلك سلوكهم، وكان الجميع اصدقاءه". قلت: تعديت نتنياهو مرتين. قال: "لم يكن التعدي بالصدفة. ان الاختلاف هو في المحيط الاجتماعي، فكل رؤساء الوزارات منذ كان رابين كانوا متصلين بأرباب المال الاسرائيليين. ونتنياهو هو الوحيد الذي لم يتصل بهم، فهو لا يقضي اوقاته معهم ولا يستمع الى نصائحهم وهو غير مدين لهم بشيء وهم غير مدينين له بشيء. "ان نتنياهو متصل بأرباب مال آخرين امريكيين، فاصدقاؤه أصحاب مليارات من هناك لا أصحاب ملايين من هنا. وهو لا يلقي بالا للاسرائيليين". ما أفضلُ من هذا، سألت. قال: "قل أنت". قلت ان نتنياهو أفضل بمعنى من المعاني. فقراراته الاقتصادية محررة من ضغوط الاصدقاء، فمسائل التركيزية في الاقتصاد لا تعني وكلاءه في امريكا ولا اسعار السكن ايضا. وذاك خطير بمعنى آخر لأن وكلاءه الامريكيين مشاركون الى أقصى حد في قرارات حكومة اسرائيل السياسية. فنتنياهو يستطيع رفض ما يشاء أرباب مالنا ولا يستطيع ان يُخيب أرباب ماله. وقلت: اذا سألتني فانني أُفضل أرباب مالنا، فهم أقل خطرا وهم يعيشون هنا ويموتون هنا. ولن يقامروا على مصير اسرائيل من لاس فيغاس. قال: "ان استنتاجي مختلف. فحيثما نظرت فان كل من كان أو سيكون هنا من رؤساء الوزارة متصل بالاغنياء وبعضهم متصل برب مال محلي وآخر برب مال روسي وثالث بصاحب مليارات امريكي. وكلهم مُثرٍ جديد وشره ومستغل. هذا هو الموجود". فماذا ينبغي ان يكون، سألت. "يجب النظر اليهم في تناسب. فلا أحد منهم صدّيق، لأن الصدّيقين لا يصبحون رؤساء وزراء. ويجب وضع حدود لهم، ومن اجل هذا يوجد مراقب دولة ومحاكم. "خُذ مثلا الحكم على اولمرت. ان حقيقة انه بُريء من أكثر اتهاماته لم تجعله صدّيقا، ومن زعم ذلك فقد انساق مع التيار. ومن جهة اخرى فان انقضاض آخرين على الحكم يدل على افراط في أحسن الحالات وعلى نفاق في اسوئها. فالرياء صفة معيبة، فهو لا يريد العدل بل محكمة تفتيش". قلت: عندي لك قصة. في ذروة التحقيقات مع نتنياهو، في أواخر ولايته الاولى، سألت صحفيا زميلا عن سبب الضجيج كله. لا يُعزل رئيس وزراء لأنه أوجب على الدولة دفع شحن الأثاث، قلت، فخالفني في ذلك وحسب على مسامعي ثمن الشحن وزاد عليه ضرائب من هنا وهناك فكان الحاصل مبلغا كبيرا. قلت: أوكي، ان نتنياهو مستغل. فقال الزميل: لا، أنت مخطيء، انه مخالف للقانون جنائي وعندي أدلة. قال محادثي الآن: "أوكي. ما النقطة؟". النقطة هي ان ذلك الصحفي يعمل الآن عند وكيل نتنياهو، قلت. تبدلت الصحيفة وتبدل مخالف القانون وسلاما يا طهران.