القدس المحتلة / سما / قول صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ان الفلسطينيين في قرية بيتيلو يتوجسون خيفة بلا حول ولا قوة بينما يشاهدون اشجارهم وقد دُمرت. جاء ذلك في تقرير اعدته الصحافية عميرة هاس، فيما يلي نصه: توقفت سيارات الهامر والجيب فجأة في الطريق قرب حقل اشجار الزيتون. ونزل منها جنود اتجهوا نحو جهة غير معروفة. ساروا باسلحتهم وتصميمهم عبر الاشواك والحجارة والبراميل الصدئة، متجهين نحو اشخاص تحوم حولهم شكوك. وخلال دقائق تلقى الجنود تعزيزات. وصلت سيارة هامر اخرى، نزل منها جنودها يحملون اسلحتهم وتصميمهم. ليواجهوا مجموعة تتكون من ثلاثين شخصا. صاح احد الجنود متسائلا "ماذا تفعلون هنا؟ من انتم" واضاف "لا تقتربوا منا". اما زملاءه فكانوا في حيرة من امرهم. هل يصوبون بنادفهم؟ أم يتركونها معلقة على اكتافهم؟ هل يستطلعون ما حولهم؟ او ربما كان عليهم ان يوجهوا نظرهم مباشرة نحو المجموعة المريبة التي كانت تقف بين الاشواك والحجارة واشجار الزيتون والتين المدمرة واسلاك السياج الشائكة. بدت المجموعة المثيرة للاستغراب التي وقفت بين اسلاك السياج الشائكة والاشجار المقطعة غريبة، بل وتثير الشعور بالاستعداد للمواجهة. اذ لم يعتد الجنود على رؤية أناس ليسوا من مستوطني "ناشليف" في تلك المنطقة. (وحسب موقع ميت بنياين فان تلك المستوطنة اقيمت في تشرين الاول (اكتوبر) 1984، وتعيش فيها 80 عائلة. وتقع على مقربة من مودعين، وهي مركز لمتدينين يهود). كرر مرتين الرقيب اول يائيل بوكوبزانه سؤاله "ماذا تفعلون هنا؟" ولم يحصل مرتين الا على جواب واحد "نحن صحافيون". اعلن على الهاتف الميداني ان "معظم الاشخاص صحافيون". الا ان الحقيقة لم تكن كذلك. فقد كان هناك الكثير من اصحاب الاراضي والمزارع، من سكان قرية بيتيلو التي تبعد 19 كيلومترا الى الشمال الغربي لمدينة رام الله. ولو انهم بذلوا جهدا افضل، فان الجنود كانوا سيدركون ان جولة الصحافيين جاءت في اعقاب مؤتمر صحفي عقد في رام الله نظمته هيئة "يونيسيف" ومكتب المفوض السامي لحقوق الانسان والبرنامج المسكوني في فلسطين واسرائيل وجمعيتا حقوق الانسان بيتسليم والحق. وكان بامكان الجنود ان يستمعوا الى الخطباء في هذا المؤتمر الصحفي يحذرون من عدم تجاوب السلطات مع تنامي عنف الاستيطان. وقيل لعشرات من الصحافيين الدوليين ان "العنف يساند توسع المستوطنات". وكانوا في طريقهم لمشاهدة الواقع باعينهم. قال احد سكان بيتيلو "شكرا لكم (ايها الصحافيون) فقد امكنني ان اشاهد ارضي على الاقل". قال ذلك موجها كلامه للصحافيين في لهجة اتسمت بالسخرية والالم. اما بالنسبة للصحافيين فان هذه المواجهة كانت تعبيرا مناسبا عما يعانيه اصحاب الاراضي الذين يحاولون الوصول الى ممتلكاتهم. فقد وجدوا انفسهم وجها لوجه مع جنود او مع مستوطنين (ترافقهم الكلاب) وهو الاسوأ الذين يعرقلون مسارهم. وهذا الوضع استمر لسنوات. ومع الزمن وبالتدريج لم يعد ممكنا الوصول الى اراضي الرعي والبساتين بالنسبة لسكان قريتي بيتيلو ودير عمار. وفي اسفل الجبل تحت الاسقف السويسرية في المستوطنة الاسرائيلية، اشجار الزيتون. ولا يسمح لمالكيها بالعمل فها الا اياما قليلة من كل عام. والى الشمال والشرق من مركز المتدينين اليهود تمتد اراض لم تطأها اقدام اصحابها منذ أواخر الثمانينات. وقال احد المزارعين الفلسطينيين الذي يبدو اكبر من سنه الحقيقي "املك 200 شجرة زيتون و500 شجرة تين و300 شجرة عنب. ولكني لا استطيع ان التقط تينة واحدة". قال ذلك بلهجة تخلو من السخرية ولكنها تمتلئ بالالم "انهم لا يقتلونني فحسب، بل يقتلون قلبي". ويقول سكان الوادي الذي يربط بين مستوطنتي ناشليف وتالمان انه يشهد ربيعا مزدهرا. ولم يعد اطفال القرية يعرفون كيف يكون عليه الحال عندما يلعبون داخل المياه. وقبل سنتنين اقتلع شخص ما شجيرات الزيتون التي زرعت في وعاء غرب المزرعة المحظورة. ولم يعبأ احد في البحث عن الفاعل. وظلت الاوعية التي كانت تستخدم لحماية الشجيرات للذكرى. توجهنا غربا في الطريق عند اسفل التلة نحو الجبل الذي اقيمت عليه مساكن قرية بيتيلو. راينا اشجارا قطعت ودمرت، وقد نمت الاشواك. واشار المزارعون الى اوراق عنيدة ونشطة برزت من التربة توحي بان شجرة تين كانت تنمو ذات يوم في هذا المكان. وقبل اسبوعين او ثلاثة اسابيع، اذ يصعب تحديد الزمن بالضبط حيث ان الاهالي كانوا يخشون الاقتراب من منحدرات الجبل، اقيمت اسلاك شائكة هنا. والرسالة كانت واضحة: لا يحق للفلسطينيين ان يحلموا في ان يطأوا الاراضي والمزارع القائمة عل الجانب الاخر من السياج. ويحمل اياد حداد، من العاملين في بيتسيليم، ملفا كبيرا مليئا بالشكاوى التي سطرها سكان بيتيلو. وقال وهو يقرا عدد الشجرات التي دمرها مجهولون : 9، 150، 40، 30، 102، 30، 60. كل ذلك خلال الاشهر الستة الفائتة. قبل وقت قصير من زيارتنا، اكتُشف تدمير 18 شجرة اخرى. وفي كثير من الحالات، تحمل هذه الاعمال التدميرية رسالة للشجعان الفلسطينيين الذين يجرأون بدخول اراضيهم وحراثتها. هل تريد ان تحرث وان تعمل في ارضك؟ ان تقلع الحشائش؟ ردنا الصهيوني المتفاخر هو : اشجار قُلعت. يستخدم هذا الاسلوب هنا وفي اماكن اخرى من الضفة الغربية، لمنع الناس من ممارسة اعمال الحراثة والعناية باراضيهم. وهكذا تكثر الحشائش، وفي موسم الصيف تجف وتكثر الاشواك. وبالامكان ان تشتعل النار بسهولة. سواء كان الحريق يحصل بسبب شعلة صاعقية او بسبب مشعلي الحرائق. وعندها يسهل القول: ان الفلسطينيين لا يعتنون باراضيهم. وهم لا يستحقونها.