استقر رأي الحكومة في سنة 2020 على الغاء التجنيد الالزامي واستعمال جيش محترف بعد فشل محاولة فرض التجنيد المتساوي. وفي سنة 2025 نشبت جولة عنف اخرى بين اسرائيل والدولة الفلسطينية فاستقر رأي الحكومة على الخروج في سلسلة غزوات عسكرية لقواعد عسكرية فلسطينية وعلى أن تترك في بعض الحالات ايضا قوات زمنا طويلا في الميدان الى ان "يتم تطهير أوكار الارهاب". وفي رد على ذلك هاجمت وحدات صاعقة فلسطينية قوات الجيش الاسرائيلي وأوقعت خسائر كثيرة. وقد اعتمد جزء كبير من قتال الجيش الاسرائيلي على سلاح دقيق وتقنية رجال آليين، لكن الحكومة أصرت على اظهار الوجود على الارض. أثار نشاط الجيش الاسرائيلي جدلا سياسيا وأبلغ الجيش سريعا انه يصعب عليه ان يملأ أنصبة التجنيد برغم الحماسة التي سُجلت بين المهاجرين من السودان الذين حصلوا على الجنسية وشباب جيب الخليل (الذي تُرك في قلب الدولة الفلسطينية بعد انشائها) وجماعات اخرى. وأصدرت الحكومة خشية المس بالأنصبة أمرا طارئا فحواه ان تُدفع الى المقاتلين "زيادة مناطق". وكان لذلك تأثير ايجابي في الحال في نسب التجنيد ولا سيما في مراكز البطالة. واستمر الجدل السياسي في الحقيقة، لكن الجيش مُنح مجال تنفس. ليس هذا وضعا مُتخيلا فهو معروف في مجتمعات ألغت التجنيد الالزامي، وهو لن يتعدى المجتمع في اسرائيل اذا أُلغي التجنيد الالزامي. وقد وضع في كفتي الميزان منظومتا تجنيد. الاولى هي مستعملة الآن حيث تقرر الدولة من تُجند وكم من الوقت ومن تعفي من الخدمة على أساس جماعي أو شخصي. وفي المنظومة الثانية تسحب الدولة يدها من الاشتغال بالتجنيد وتغذي القوة البشرية الجيش بحسب قوى العرض والطلب في السوق. وتستعمل أكثر الجيوش في الغرب هذا النموذج ويُسمى الجيش هناك جيشا محترفا/ تطوعيا. ان الفرق بين النموذجين كبير. فالخدمة في الجيش المحترف تجذب في الأساس طوائف ضعيفة من السكان يعرض الجيش عليها معاشا من الشباب القوميين والمهاجرين الذين يأملون ان يمنحهم ذلك بطاقة دخول الى المجتمع. لكن أهم من ذلك ان الجيش المحترف يُقلل شعور الدولة بالمسؤولية عمن يخدمون وعن عائلاتهم. وحينما تفرض الدولة الخدمة العسكرية تتحمل مسؤولية عن الذين أرسلتهم الى المعركة وبخاصة ان نسبة عالية نسبيا من المجندين تنتمي الى الطبقة الوسطى، وهي لاعبة مهمة في الميدان السياسي. ولهذا فانها تجهد ايضا في ان تضمن ان تكون المهمة العسكرية شرعية يوافق عليها أكثر المواطنين. وحينما يكون الحديث عن تجنيد الزامي فهناك احتمال كبير نسبيا انه اذا لم تكن المهمة شرعية بقدر كاف أو اذا فشلت الحكومة والجيش لأن ينشأ احتجاج من الصفوف التي تغذي الجيش. وفي مقابل هذا حينما يكون الحديث عن جيش محترف فان قوى السوق والارادة الحرة للمجند أو المجندة هي التي تقرر في ظاهر الامر. وتستطيع الدولة حتى لو كان نشر الجيش أو أداؤه مختلفا فيهما ان تضمن ألا يتم الاضرار بامداد الصفوف وذلك باستعمال المكافآت المالية واحلال التقنية محل القوة البشرية واشراك شركات اعمال. ويجب ألا نخطيء، فالدولة تستطيع الاستمرار في الابقاء على صراع عنيف بل على احتلال حتى لو تغير النموذج ايضا. لكن اهتمام مجموعات مؤثرة باعمالها وبأعمال الجيش سيقل وحتى لو استيقظ لحظة فان السلطات تستطيع بسهولة كبيرة ان تسقط النقاش من برنامج العمل، وستكون نتيجة ذلك ضعف سيطرة مجتمع المواطنين على الجيش. يحسن ان يؤخذ هذا الرأي في الحسبان في الخطاب الذي يدعو الى الانتقال الى جيش محترف. ومن شبه المؤكد ان الانتقال حتمي في الأمد البعيد لكن ما يزال من الممكن ان يتم إبطاء تحقيقه وألا يتم السير اليه على كل حال في ابتهاج كبير جدا.