خبر : انها شريان حياة في ظل الحصار..مراسلة "نيويورك تايمز"تروى تفاصيل رحلتها عبر نفق من مصر لغزة

الأربعاء 30 مايو 2012 08:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
انها شريان حياة في ظل الحصار..مراسلة "نيويورك تايمز"تروى تفاصيل رحلتها عبر نفق من مصر لغزة



غزة / سما / شرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الاربعاء تقريراً عن الانفاق ما بين مصر وقطاع غزة واصفة اياها بانها "شريان حياة" لسكان القطاع الذين يعانون من الحصار الاسرائيلي ومن استمرار تقييد حركة الناس والتجارة عبر معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع. وهنا نص التقرير الذي كتبته رقية عز الدين التي عبرت الى القطاع عبر احد تلك الانفاق قبل ان تعود من خلاله الى مصر: "وقفا خارج بوابة معبر رفح على الجانب المصري من الحدود مع غزة. انهما بدويان غير ملفتين للنظر ينتظران منع اناس من العبور. وعندما تراجع المسافرون الخائبو الامل، همس البدويان من وراء البوابة "تريدون الدخول عبر الانفاق؟ خمسون دولاراً". وتركزت نظراتهم على رجال شرطة الحدود المصرية الذين يتعامون عن البدو ما داموا لا يذكرون الانفاق على مسمع منهم. من الناحية التقنية تعتبر الانفاق غير شرعية في مصر، لكنها مع ذلك تعتبر قلب التجارة والحياة هنا. هذا مع أن حدود غزة أعيد فتحها رسميا للمسافرين العام الماضي، لكنها ما تزال تعتمد على الانفاق في توفير معظم المواد الاساسية مثل الطعام ومواد البناء والملابس، فضلا عن الكماليات، مثل الإلكترونيات والسيارات وحتى أثواب الزفاف. الممرات تحت الارض تختفي في ما يسمى "قرية الانفاق" التي خرجت للعثور عليها. وكان ذلك صعبا للغاية: فعلى الطريق المؤدي إلى معبر رفح، عليك ان تنعطف يسارا عند معرّش النباتات الأرجواني. ويمر هذا الطريق عبر قرية ذات أبواب مغلقة ومتاجر قليلة. والهواء مثقل بالغبار الرملي الناتج عن مئات الحفريات، ويذوب كل شيء وسط السحاب البني، وهكذا فمن الصعب أن يرى الإنسان امامه لمسافة 6 امتار. المسارات الحجرية تؤدي إلى مجموعات من البيوت مغلقة من جهة الشارع بستارات ثقيلة. وفي حينه تفاوضت على كيفية شق طريقي داخل نفق ضيق مسنود بخشب ثقيل، وكان مدخله مغطى بقماش من المستخدم في تظليل الحدائق. وعندما سرت فوق ثلاث من قطع الطوب المهتزة الموصلة إلى داخل النفق كان أول ما سمعته هو "انتبهي لرأسك". وهذه العبارة ربما يكررونها مرات عديدة خلال مسيرة الـ 330 مترا داخل الجانب الغزي. وبعد التحذير العاشر صرخت في اتجاه أعلى النفق: "أنا قلقة من إمكانية قصف النفق أكثر بكثير من قطع رأسي!". دليلي، الذي مثل الكثيرين الذين تحدثت معهم، رفض إعطاء اسمه خوفا من السلطات، قهقه ضاحكا. واستغرقه الأمر نصف دقيقة لتجاوز "سخافة" قلقي. كان هناك أربعة عمال آخرون داخل مدخل النفق. واثناء زحفهم على الارض المتداخلة مع نظام النقل، حمل العمال حصى الحجارة المكسورة التي يمكن استخدامها لصنع الطوب للبناء في غزة. وهي عملية مرهقة. وتصل الحجارة بالأطنان ثم يجري تحميلها يدويا داخل الأنفاق، حيث توضع في سلال بلاستيكية ضخمة زرقاء اللون يتم وصلها لتكون قطارا طويلا. وتصدر كل سلة فارغة أزيزا وهي تمر بمحاذاتنا، ثم يتم وقفها عند مدخل النفق. قال أحد العمال :"هذه حياتنا". وكان وجهه مكسوا بطبقة من الغبار الابيض. وأضاف: "الحياة باهظة التكاليف، والاسعار في رفح أغلى من القاهرة. ولذلك نحن مضطرون للعمل والحياة تحت الأرض". مشينا حوالي 100 متر، وعند نقطة معينة كان عرض النفق يتسع إلى حد يكفي لمرور سيارة. ولكن في الجزء الأكبر منه كنا مضطرين للانحناء إلى منتصف قاماتنا، ورفض دليلي مواصلة السير إلى ان يصبح راسي بمستوى السقف، وهو ما يوفر الأمان من خطر اصطدامه (على الاقل بأعلى النفق). ويتم حفر النفق على عمق نحو مترين تحت السطح ، ويستمر بهذا العمق بشكل مستقيم تقريبا. وعلى الرغم من المظهر المتواضع للأنفاق- فهي- وخصوصا الأحدث منها- مقامة بمهارة ودقة. والروابط الخشبية متطابقة والمصابيح توضع في أماكن استراتيجية لتوفير ضوء كاف من دون تبديد الكثير من الكهرباء. وبعد التجول لمسافة 300 متر، رأيت اخيرا الضوء في نهاية النفق. وطلب مني الدليل الانتظار بينما كان يتحدث مع مالك النفق. وقال لي الدليل: "عليك أن تحصلي على إذن من حكومة غزة من اجل العبور. وإذا لم تحصلي على الإذن فسوف تغرّمك حكومة حماس 1,500 دولار". وخلال انتظاري لتأكد صاحب النفق بانه لا وجود للسلطات حولنا، ظهرت امرأتان عند مدخل النفق. سارتا على اطراف اصابع أرجلهما وهمست إحداهما: "لست متأكدة من ذلك" ثم اختفتا داخل النفق الذي لا تبدو له نهاية، وكانتا ترفعان نقابيهما لاستنشاق المزيد من الهواء بحرية. دعيت للخروج من النفق وقابلت صاحبه، وهو فلسطيني. ارتسمت ابتسامة دائمة على وجهه المغبر الملفوح بالشمس وهو يشرح كيف يتم العبور الى غزة. قال مالك النفق: "اذا اراد اي احد العبور من مصر، عبر نفقي، عليه ان يتصل بي هاتفياً قبل اسبوع، وعليه ان يطلب إذناً من حماس. ومن وجهة نظر حكومة غزة، يحتاج المرء الى إذن سواء دخل عبر الحدود او عن طريق نفق". يعتقد مصريون كثيرون ان مخيم رفح يجب ان يفتح، بعد اطاحة الثورة بالحكومة، للتجارة والسفر بحرية تامة، ما سينهي الحصار الاقتصادي على غزة. وقد اعتبر الغزيون الانفاق دائماً ممراً مشروعاً للتجارة والمسافرين، ووسيلة ضرورية للبقاء بالنظر الى الحصار. وتنظر الحكومة الاسرائيلية الى الانفاق كممر تهريب غير قانوني وتستهدفها بضربات جوية تقتل عادةً عاملين فيها او تحصرهم. وبالرغم من غارات جوية متكررة، وبالرغم ايضاً من عمليات غمر بالمياه وكهربتها في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فان عاملي الانفاق غير مهتمين – او ربما فقدوا الحساسية – تجاه احتمال انهيار الانفاق. وعندما خرجت لوقت قصير في قطاع غزة، ضحك مالك النفق عندما قال له مرشدي انني كنت قلقة من (احتمال وقوع) غارة جوية. وما كادت تمر لحظة حتى ارعدت طائرة "اف-16" فوق رؤوسنا، ونظر مالك النفق الى الطائرة وعلى وجهه ابتسامة عريضة ودعا ساخرا طياريها الى ان يقصفوا المكان الذي كنت واقفة فيه. واشار الي وصرخ متوجهاً نحو السماء: "انها هنا!". قهقه الجميع بالضحك، وعدت انا وانحنيت لاسير في النفق عائدةً الى مصر، بينما صرخ مالك النفق "انتبهي لرأسك!".