خبر : الترامادول "الترامال" في قطاع غزة إلى أين..؟ ...إعداد: د. نمر أبو زرقة

الأربعاء 30 مايو 2012 10:54 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الترامادول "الترامال" في قطاع غزة إلى أين..؟ ...إعداد: د. نمر أبو زرقة



غزة / سما / هل تعاطي الترامال يعتبر ظاهرة تستحق منا هذا الزخم الإعلامي وهذه الحملة الوقائية النشطة لوضع حد لتعاطيه والترويج له؟.صحيح أنه لا توجد حتى الآن دراسات معتمدة تحدد مدى انتشار هذا البلاء في مجتمعنا الفلسطيني لا سيَما في قطاع غزه, لكن حسب التجربة العملية والتواصل المباشر من المعنيين في هذا الأمر من رجال مكافحة المخدرات ومن أطباء وأخصائيين نفسيين يعملون في هذا المجال، فإن انتشار الترامال في مجتمعنا وصل إلى درجة كبيرة من الخطورة تحتاج من الجميع بذل الجهد الكافي لوضع حد لانتشار هذه السموم لتفادي المضاعفات والآثار المدمرة سواء على الفرد أو الأسرة أو المجتمع.وحسب خبرتي العملية كطبيب أخصائي أمراض نفسية ومدير مركز برنامج غزة للصحة النفسية في خان يونس، وأعمل يوماً واحداً من كل أسبوع في سجن خان يونس (أصداء) وأقابل المدمنين من السجناء، فإنني أعتقد أن هذه الظاهرة كبيرة وبحاجة إلى جهود مشتركة من الشرطة والصحة ورجال الدين والوجهاء وأولياء الأمور لمراقبة أبناءهم وإبعادهم عن رفاق السوء لتجنبهم الوقوع في شرك المخدرات ولاسيما الترامال.كذلك ومن خلال تجربتي في السجن فقد كانت الغالبية العظمى من المدمنين في الماضي أي قبل انتشار الترامادول "الترامال" يعانون من إدمان الهيروين والكوكايين، ولكن الآن أكثر من 90% من المدمنين هم من مدمني الترامال، ويبدو أنه حل كبديل عن تلك المخدرات لأسباب كثيرة أهمها:سهولة الحصول عليه وتوفره بصورة أكبر من خلال تجار الشنطة وبعض الصيدليات والذين لا يهمهم سوى ملء الكروش وجلب المال ولو على حساب حياة الآخرين.ثمنه أقل بكثير من الهيروين والكوكايين.العقوبة الجنائية أقل من عقوبة مدمني الأفيون والكوكايين.الحصول من خلاله على الغاية المرجوة حيث أن الترامال مشتق أفيوني ويقال أن به نسبه كبيره من الهيروين.الترامال مشتق أفيوني مصنَع يتكون من مادة اسمها  Tramdol hydrochlorid هو علاج مسكن للآلام المتوسطة والشديدة وله تأثير مخدر ويعمل على خلايا محدده في الدماغ، فيقوم بإحباط عملها ما يتسبب بشعور فقدان الألم والراحة الجسدية والنفسية, لكن بعد الاستعمال المكثف لهذا الدواء تبين أنه يسبب الإدمان خصوصاً إذا استعمل في شكل مستمر ولفترات طويلة.ويعتقد البعض أن الترامال المهرب عبر الأنفاق غير معروف التركيب ويعتقد خلطه بمواد مخدرة شديدة القابلية للإدمان وذلك لصعوبة الإقلاع عنه، وحدَة الأعراض الانسحابية عند متعاطيه.-وقد تتنوع الأسباب والدوافع وراء وقوع الشباب والشابات في شرك المخدر، ومهما كانت المبررات سواء أكانت أسباب اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو صحية فإنها غير مقنعة بالنسبة لي، ولكن الفراغ الفكري والديني وسطحية التفكير وتفكك الروابط الاجتماعية وضعف الشخصية ورفاق السوء، هي من أهم الدوافع وراء سقوط الفرد في شرك المخدر.-لذلك فإنني اعتقد أن المتعاطين لديهم تصور خاطئ بـأن هذا الدواء يسعدهم ويطيل عمليه الجماع ويؤخر عمليه القذف دون وعى ومعرفه بمدى خطورته، لهذا فإنهم بحاجه سريعة إلى عمليه تثقيف وتوعيه وشرح لمخاطر استعمال هذا الدواء، وأطالب كل من لديه مشاكل في سرعه عمليه القذف المبكر التوجه إلى مصدر العلاج الصحيح من خلال الطبيب الأخصائي سواء كان السبب عضوياً أو نفسياً وليس من خلال تناول هذا العقار المخدر.-فالإدمان بحد ذاته هو اضطراب نفسي، والساقط فيه مستعد للتضحية بكل شيء من القيم والأخلاق والمبادئ في سبيل الحصول على الجرعات، فقد يلجأ المدمن إلى السرقة، إلى الحيلة والخداع إلى الزنا وارتكاب الجريمة, وإلى العمالة والإسقاط من أجل الحصول على المال وتوفير تلك السموم.ما مدى انتشاره بين الفتيات وما هي مضاعفاته عندهن؟من خبرتي أنه موجود عند النساء ولكن وكما ذكرت لا نعرف نسبة انتشاره بين السيدات لعدم وجود دراسات دقيقة في هذا المجال، ولكن إقبال السيدات على العلاج أقل من إقبال الرجال، ولا يعنى ذلك أن نسبة انتشاره بينهن قليلة، فقد عالجت فتاة تشرب عشرة حبات من الـ  Tramal يعنى 1000 ملجم دفعه واحدة يومياً وقد دفعها الإدمان وصعوبة توفير الترامال لضعف حالتها المادية إلى ارتكاب الفاحشة، لأن المدمن يصل إلى درجة من اللامبالاة بمعنى أنه يتنصل من كل القيم  والأخلاق ويصبح كل ما يعنيه هو توفير تلك السموم مهما كان الثمن.-وأخرى زوجها مدمن تعلمت منه الإدمان ثم لجأت للانحراف.-إدمان الترامال لا يفرق بين فئة وأخرى، فهو ينتشر بين المتعلمين وغير المتعلمين، بين الرجال والنساء كبار وصغار، فقد مر علىَ للعلاج من آثار إدمان الترامال تقريباً من كل الفئات والطبقات دون ذكر أسماء بمعنى أنه لا ينتشر فقط بين عمال الأنفاق وهنا بعض الأمثلة :-طالب جامعي عمره 25 سنه يقول "أتعاطى الترامال كي أنسى كل شيء.. واقعنا سيء على كل الصعد، لا نقود ولا مجال للترفيه ولا أفق للمستقبل, لست وحدي من يتعاطاه كثيرون من الشباب والشابات من كل الأعمار يتعاطونه.ويقول ذهبت للصيدلية أول مرة وأنا متردد وأشعر بالخجل وكنت أحسب أني أول من يشتريها في المنطقة إلا أنني فوجئت حينما أعطاني الصيدلاني بكل سهوله, وفيما بعد علمت منه أنه يبيع 900 حبه يومياً.أما عن الأضرار الصحية لتعاطي الترامال والاستمرار في تعاطيه فقد يؤدي إلى: حدوث فشل كلوي، وتشنجات صرعيه وعجز جنسي، وزيادة الجرعة قد تؤدي إلى الإغماء وأحياناً توقف عمل القلب والموت المفاجئ، ولدينا من الأمثلة ومن الحالات ما يؤكد ذلك.فأذكر قصة شاب كان يجلس في غرفته ويتعاطى الترامال بجرعات تصل إلى 1500 ملجم دفعه واحده،  وكان يغمى عليه، وفي الصباح يجد الكمبيوتر وكرسي المكتب وبعض الأدوات قد وقعت عليه وهو ملقى على أرض الغرفة.وأخيراً أقول إن كل ما يحتاجه من يريد الإقلاع عن الإدمان هي الإرادة وشخص ذو ثقة يساعده على اجتياز المرحلة الأولى من العلاج حيث يحتاج المريض في تلك الفترة لمن يعينه حتى على قضاء حاجته.كما وأدعو مدمني الترامال إلى التغلب على خوفهم من معاناة العلاج والتوجه فوراً إلى طلبه، وأنوه إلى أن هناك أعراضاً تسمى بالأعراض الانسحابية وهي أعراض نفسية وجسدية تنشأ لدى مدمني الترامال بعد تركهم المادة تتمثل في مغص في البطن، وآلام في المفاصل والعضلات، قلة في النوم، إسهال متواصل وعدم اتزان, هلوسة بصرية وشمية مع رغبة في الرجوع للشلة وشرب الترامال.وأؤكد أن عدة أيام تكفي للوقوع في شرك إدمان الترامال, وكذلك عدة أيام تكفي للشفاء والتخلص منه إذا وجدت الإرادة.أذكر أنني عالجت أحد المدمنين وهو طالب جامعي وبعد شفائه جاء بخمسة من رفاقه للعلاج دفعة واحده.وأخيراً قد يتساءل البعض لماذا يستخدم هذا العلاج في بلدنا ما دام يؤدي إلى هذه العواقب الوخيمة؟ نقول إن الترامال هو مسكن قوي يستخدم منذ فترة طويلة لتسكين الآلام الحادة مثل آلام السرطان, وبعد إجراء العمليات الجراحية والكسور، ولا يصرف إلا بوصفة طبية لفترة زمنية محددة كي لا يصل الشخص إلى درجة الاعتماد "أي الإدمان"، ولكن الاستعمال السيئ لهذا العلاج هو ما يحتاج للضبط والحد منه لأنه يؤدي إلى الكارثة. طبيب نفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية