لم يصدق فلسطيني واحد الخبر بأنه سيبدأ تنفيذ اتفاق المصالحة بين حماس وأبو مازن "فتح" وان حماس التزمت بفتح لجنة الانتخابات ليتم تشكيل الحكومة خلال عشرة ايام! تجربة المواطن في موضوع الانقسام والمصالحة مؤلمة وأفقدته الثقة والأمل. لذلك فإن الاعلان الاخير لم يحظ حتى بإيماءة بل باستهزاء وعدم مبالاة وفي بعض الاحيان اطلاق النعوت على ابو مازن "فتح" او حماس او كليهما، بعض الناس لم يفتها ان تتعجب وتتساءل حول الأسباب الخفية لهذا الاعلان ولماذا بعد كل المطاحنات الإعلامية والاتهامات المشينة يقرر الطرفان البدء في تنفيذ ما اتفقوا عليه. عالج الكاتب الكبير هاني المصري هذا السؤال! وحسب رأيه فان ما حدث كان في اطار ردة فعل ابو مازن "فتح" على رسالة نتنياهو الذي أوضح - لمن ما زال الامر غير واضحا لديه! انه ماض في مخطط الاستيطان وابتلاع الضفة والقدس فكان رد أبو مازن "فتح" إذا لم تعطوني ما أريد فإنني سأتعامل مع حماس". وبعيداً عن المناورات والمراوغات فإن الحقيقة الثابتة هي أن نتنياهو سيحاول أن يمنع قيام دولة فلسطينية اخلاصاً للتفكير الاستراتيجي الصهيوني ألا تقام دولة فلسطينية مهما كان الثمن. لقد ارتكزت الحملة والفكر الصهيوني على " أن فلسطين أرض بلا شعب و ان اليهود شعب بلا أرض" وانكر عتاة الصهيونية حقوق الفلسطينيين ووجودهم كما قالت جولدا مائير "ليس هناك ما يسمى فلسطينيون" فكيف بعد كل هذا يسمحون بقيام دولة فلسطين و يعترفون بوجودها وحدودها أمام العالم. ان الدولة اليهودية على الارض الممتدة من نهر الاردن الى البحر الابيض هي الحقيقة الوحيدة ولا يمكن السماح للنيل من هذه الحقيقة بإقامة دولة فلسطينية. إن المواطن الفلسطيني منذ النكبة اصبح فاقدا للحقوق التي يتمتع بها كل مواطني العالم لأنه كان دائما تحت الوصاية او تحت الاحتلال لهذا فان الفلسطيني يعاني من حياة غير طبيعية على ارضه وفي كل بلاد العالم لأنه غير معترف به كمواطن في أي دولة، ناهيك عن ويلات الحروب الاسرائيلية وتهجير اصحاب الأرض ثم الاحتلال والقمع بكل أشكاله. الحركة الصهيونية قررت منذ زمن طويل انها ستمنع قيام دولة فلسطينية مهما كلف الامر مع الاستمرار في الادعاء الناجح بأن اسرائيل هي الضحية وان الإسرائيليين طلاب سلام وان الفلسطينيين لا يتوقفوا عن رفض اية مبادرة للسلام! لقد فرح بن جوريون - كما كتب في مذكراته - حين رفض العرب قرار التقسيم وإقامة دولة فلسطينيه. وكذلك فرح عتاة الصهيونيه لفض ارتباط الضفة بالأردن في ١٩٨٨ لان ذلك حول اراضي الضفة الى أراض متنازع عليها بعد ان كانت أراض دولة سيادية وكان ذلك هاماً جدا لينطلق المشروع الاستيطاني الكبير. الفلسطينيون لم يقدروا اهمية قيام الدوله واعتبروا الامر مجرد انتصار إعلامي واستكان الكثيرون انه لا يمكن الانتصار على اسرائيل إلا بالحرب وتغيير ميزان القوى وليس بإعلان الدولة او غيرها من الاعلانات التي اعتادوا عليها وعلى فراغها من المضمون خاصة إعلانات النصر بعد الهزيمة! الحقيقة هي أن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية سيغير الخطط والخرائط وسيضع اسرائيل في خانة المتمرد على العالم ويسهل تقديم قياداتها للمحاكم الدولية ومقاطعتها ومعاقبتها. لن يكون سهلا الدفاع عن اسرائيل وسيتعاظم دور المقاطعة الشعبية ضدها وسيكتشف المزيد من الناس فيها نموذجا للعنصرية والعنف وتهديد السلام. ان قيام الدولة سيكون انتصارا استراتيجيا لا يخفى على اسرائيل مدى خطورته ولهذا وقفت ومعها ادارة أوباما التعيسة ضد محاولات ابو مازن "فتح". غير أن قيام الدولة يحتاج خطة سياسية فالحقائق تفرض نفسها. إن اللاعبين الأساسيين هم حماس بما لها من تنظيم وقيادة وتجربة غنية في المقاومة وفي الحكم وكذلك محمود عباس "فتح" بما يمثله من شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والدولة المصرية بحكم التاريخ والجغرافيا وتشابك المصلحة القومية الاستراتيجية مع فلسطين واللاعب الرئيسي الرابع هو اسرائيل. لم يعد امام ابو مازن "فتح" سوى ان يعلن حل السلطة أو أن يمضي في طريق اقامة الدولة و تحمل الثمن بتحدى امريكا وإسرائيل وهو في ذلك يحتاج لتأييد الشعب الفلسطيني وبالذات تأييد حماس وهو يعلم ان قيام الدولة يمر عبر المصالحة. بالنسبة لحركة حماس فإنها قد نجحت بشكل ملحوظ في حكم غزة وخاصة في مجال الامن ومنع الجريمة و ادارة الحكومة برغم الحصار- الذي اشتركت فيه إسرائيل و فلسطينيون ودول عربية - وبرغم الحرب ودون مساعدات خارجية... ويعتبر بعض قياداتها أن ذلك إنجازاً هاما يصب في المشروع الإسلامي العالمي. و ألا يتم التضحية بكل ذلك مقابل وعود في الهواء. وفي حماس أيضاً هناك توجه استراتيجي لدى القيادة نحو المصالحة والوحدة الوطنية التي يرون فيها نهاية للحصار، وبداية للانطلاق نحو العالم، وللاعمار و التنمية خاصة و أن مشاكل الحكم في غزة تتزايد مع قلة الموارد المالية. بالنسبة لمصر فإن من مصلحتها أن تكون هناك دولة فلسطينية على حدودها وأن يتم التعاون معها لضمان الأمن القومي المصري والفلسطيني. و فيما يتعلق بإسرائيل فيمكن التقدم بعرض هدنة طويلة الأجل مقابل وقف الاستيطان والبدء في مفاوضات بحد اقصى لمدة سنه تنتهي باتفاق يقوم على مبادرة السلام العربية. نعود ونقول أنه اذا كان الامر جديا هذه المرة وان كان الموضوع له علاقة بإقامة الدولة عبر المصالحة فإنني أقترح ان يتم الاعلان عن الحكومة في غزة بوجود ابو مازن "فتح" وخالد مشعل وحيث حماس تطئمن لقوتها وحيث يمكن لابو مازن "فتح" الحركة بحريه نسبيه وان يعالج كل القضايا مع حماس على الارض. مركز الحكومة وعلى رأسها ابومازن "فتح" يكون في غزة ومنها يحكم الضفة الغربية ومنها ينطلق الى الامم المتحدة بدعم حماس للحصول على الاعتراف بعضوية دولة فلسطين. ابو مازن بذلك يسجل لتاريخه انتصارا هائلا فهو الذي يوحد الفلسطينيين وهو الذي انتزع الاعتراف بالدولة. وحتى تنجح هذه الخطة فلابد من دعم مطلق لها خاصة من حركة "حماس" و الدولة المصرية، وأن يتبناها أبو مازن "فتح" ويحشد لها القيادات العربية والأوربية وغيرها.