خبر : الضاحية الشمالية مقابل الضاحية الجنوبية - قندهار الشام ..بقلم: حسين حجازي

السبت 26 مايو 2012 10:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الضاحية الشمالية مقابل الضاحية الجنوبية - قندهار الشام  ..بقلم: حسين حجازي



يراد لها أن تكون قندهار الشام، أو الضاحية الشمالية السنية السلفية المجاهدة، مقابل الضاحية الجنوبية الإسلامية الشيعية المقاومة، التي تحتكر النطق باسم هذه المقاومة ضد إسرائيل وأميركا والاستكبار العالمي. ضاحية سنية سلفية مقابل ضاحية شيعية أو "باب عمرو" مكبّرة، بعد سقوط "باب عمرو"، أو قاعدة الارتكاز العازلة، دونما إقامة هذه المنطقة العازلة بقرار أممي لم يتمكنوا من إصداره، أو هي عنوان امتداد الأزمة السورية إلى لبنان، كما أشرنا إلى هذا التوقع بعد سقوط باب عمرو، إلى انتقال الحرب إلى الهوامش، لبنان وفلسطين، بعد فشل المشروع، مشروع قتل الدولة السورية، وهو التحول الذي بدأت نذره تطل من طرابلس عاصمة شمال لبنان، لتعيد معها نذر الحرب الأهلية في بلاد الأرز من جديد. يدل اسمها على الأصل الإغريقي لنشأتها، "الحواضر الثلاث" مدينة بحرية على ساحل المتوسط، كما شقيقتها في ليبيا، "طرابلس الغرب"، وجميع المدن، الحواضر الكبرى، التي أقامها اليونانيون، كالإسكندرية تخليداً للإسكندر الكبير، الذي غزا هذه البلدان. توجه إليها عرفات ذات ليلة تحت جنح الظلام، متخفياً بهيئة رجل أعمال، حليق اللحية، مستقلاً مركباً على ظهر البحر، لكي يستدرج الأسد الكبير، إلى المعركة التي ستحمل اسم المدينة، لينهي بهذه المناورة الخطيرة، ولكن البارعة، الانشقاق الذي دعمه الأسد الأب، داخل حركة فتح، بعد الخروج من بيروت، في العام 1982، وكاد يهدد مصير فتح نفسها، ومنظمة التحرير الفلسطينية، واستقلالية الوطنية الفلسطينية.كان عرفات يستهدف من هذه المناورة إظهار اليد السورية، المباشرة في الانشقاق، وإذا كان هذا الظهور سوف يقترن بإسالة الدم الفلسطيني بعد حصار بيروت، تماماً كما التدخل الخارجي اليوم في الأزمة السورية، يقترن بسفك الدم السوري، فقد ظهر المنشقون عن عرفات كألعوبة بيد الأسد، وأن هذا الأخير، يرتكب مرة أخرى "تل زعتر" جديدة. وهكذا أمكن لعرفات أن يسدد الضربة القاضية، للانشقاق كما لطموحات حافظ الأسد. الإمساك بالورقة الفلسطينية. سوف يتصالح الرجلان في العام 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، لكن الانشقاق كما طموحات الأسد الكبير، كان قد أسدل عليها الستار، وبدا الأسد، يكيّف نفسه مع هذا الواقع، رافعاً (الفيتو) عن إتمام المصالحة الفلسطينية، التي توجت في نيسان من العام 1987 أي قبل أشهر من الانتفاضة، بعودة الجبهتين الشعبية والديمقراطية إلى صفوف منظمة التحرير.هذه هي إذن طرابلس في الشمال، التي هي خاصرة حمص، والتي استيقظ اللبنانيون والعالم الأسبوع الماضي على ظهور ما بدا أنه مارد سني سلفي، أعاد خلط الأوراق، على خلفية حادثة اعتقال المولوي من قبل الأمن اللبناني العام الذي اتهم بأنه ناشط سلفي، على ارتباط بمنظمة إرهابية أي القاعدة، الأمر الذي استدعى خروج مئات المسلحين من أنصاره وإلى قطع الطرقات، وامتدت هذه الاشتباكات إلى العاصمة بيروت، وتوالت الأحداث بمقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، ورفيقه. ثم جاءت عملية اختطاف الزوار الشيعة اللبنانيين في مدينة حلب بعد عودتهم من إيران، على يد جماعات مسلحة في سورية، ليبدو لبنان كما لو أنه يقترب من شفير الهاوية.وسارعت واشنطن إلى دعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس، لكن وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف كان أكثر وضوحاً، حين اتهم أطرافاً إقليمية ودولية داعمة للجماعات المسلحة في سورية، بأنها تريد أن تنقل الأزمة إلى لبنان، بعد أن فشلت هذه الأطراف في إسقاط النظام السوري. وربطت الصحافة اللبنانية جرياً على عادتها كل شيء بكل شيء، بين زيارة فيلتمان الأخيرة قبل شهر إلى لبنان، وانفجار الوضع في عاصمة الشمال، بل وذهبت بعض هذه الصحف إلى إيجاد علاقة بين السفارة السعودية، والدعم الذي قدم لإنشاء القاعدة السلفية في طرابلس، على الرغم من مسارعة الملك السعودي نفسه، للطلب من لبنان النأي بنفسه عن الأزمة السورية، عبر رسالة وجهها إلى الرئيس اللبناني.إن السعودية كما سورية كما كنا نحن زمن عرفات، إلى جانب فرنسا، وأميركا وإسرائيل هي لاعب رئيس ومركزي في المسرح اللبناني، قبل أن تنضم إلى هذه الدزينة من اللاعبين، إيران في السنوات الأخيرة، وقطر، وتركيا بالقدر نفسه، وعلى حد سواء. ويمكن القول إن هذا البلد الجميل والصغير، استمر هو الآخر في أداء دوره المعهود منذ الخمسينيات، وحتى يومنا هذا كساحة نموذجية، لأن يستعمله الجميع كساحة خلفية، لتصفية الحسابات، ممراً وقاعدة لـ (سي.آي.إيه) في عقد الخمسينيات، لتدبير الانقلابات في سورية، والصراع على سورية. كما توجيه الدعاية السوداء المضادة لعبد الناصر، في عقد الستينيات. ولعقد من الزمان على امتداد السبعينيات، تصارعت سورية، وعرفات وإسرائيل على من سيسيطر على هذا البلد، وانتهى الأمر في صيف العام 1982، بإزاحة إسرائيل عرفات والأسد معاً قبل أن يقوم هذا الأخير بالهجوم المعاكس، لطرد إسرائيل، وأميركا وفرنسا وعرفات على حد سواء. ويقيم تحالفاً مع إيران وحزب الله، والذي سيتخذ له فيما بعد، عنواناً واسماً جاذباً "تحالف قوى الممانعة والمقاومة". والذي تبدو فيه إيران بمثابة "الكتف" وسورية "الذراع" وحزب الله "القبضة" التي تحارب إسرائيل، وهو نفسه الحلف الذي سعت سورية وإيران إلى ضم حماس إليه لكيما يبدو هذا الحلف بقبضتين حزب الله من شمال إسرائيل، وحماس في غزة من الجنوب. ولكن فات ربما في هذا التصور، ثغرة إستراتيجية قوامها أن إسرائيل التي تشبه رمحاً جغرافياً نحيفاً ولكن صلباً يصعب كسره، أو تقويضه بالطرق عليه من رأسيه، وإنما يلزم كسره أو تقويضه من الوسط، من خاصرته الرخوة أي من الضفة الغربية وفق هذا التصور، وليس من الرأس أو القدمين. ولكن المفارقة أنه بينما جاءت الأزمة السورية، كتهديد للجسر الذي ينعقد عليه كل هذا التحالف باعتبار سورية هي الذراع، وبدت هذه الأزمة كاختبار حاسم، لمدى تماسك هذا المعسكر، فإن حماس ظهرت عند هذا المفترق الحاسم، باعتبارها الحلقة الأضعف، "كعب أخيل"، في أعين إيران وسورية وحزب الله، باعتبارها الناكر للجميل، في تنكرها لسورية، ما بدا أنه الضربة المعنوية الأكبر التي تلقاها هذا الحلف، حين بدت حماس كما لو أنها تخذل حلفاءها، أو أنها تتصرف على نحو، كخطأ آخر في الحسابات، باعتقادها قرب انهيار النظام السوري.فهل جاء هذا التحول المفاجئ بل المباغت في طرابلس، ليعيد خلط التوازنات، التي تطرحها الأزمة السورية، إذا كان ثمة من يمزح هنا، في الربط حتى بين جولة المفاوضات الأخيرة في بغداد حول الملف النووي الإيراني، بأن الأميركيين استبقوا الذهاب إلى هذه المفاوضات، وهم يمسكون بورقة مكاتب شاكر البرجاوي، خلال الاشتباكات مع تيار المستقبل الذي يرئسه الحريري، في الطريق الجديدة في بيروت. أي بالضغط على إيران في زواريب طرابلس وبيروت. وهل نفهم وقد أعادت الأحداث اللبنانية إيقاف العالم من جديد على قدم واحدة تصريحات لافروف، النارية، في هذا السياق واتهام الغرب بتنفيذ مخطط سري ضد سورية في لبنان. وهي تصريحات أعقبها تلويح روسيا بالتوجه إلى مجلس الأمن، لاتهام هذه الدول، ليس بالعمل على تقويض خطة كوفي أنان، وإنما بالتحالف مع الإرهاب، بعد أن استبق مندوب سورية بشار الجعفري، أحداث طرابلس، بإحاطة الأمم المتحدة بتحول طرابلس إلى قاعدة لوجستية في تهريب السلاح إلى سورية، وكقاعدة لعمل المنظمات الإرهابية. ها نحن إذن إزاء اكتمال وضع اللمسات الدبلوماسية، على السيناريو المحتمل، بعد أن أعد المسرح على الأرض. فهل تحضر سورية الآن إلى نوع من عملية عسكرية موسعة في شمال لبنان. وحيث من طرابلس للمرة الثانية، قد يفكر الأسد الابن بحسم معركته مع الانشقاق السوري، كما فعل عرفات في العام 1984، مع الأسد الأب، وهذه المرة بغطاء روسي، روسيا التي انضمت مع تصريحات لافروف إلى اللاعبين في لبنان، والجواب أن هذا هو الخيار الوحيد، الذي يتبقى أمام الأسد، إذا كانت الأزمة السورية لا تطرح عليه اليوم سوى هذا الحل الأخير، إذا كان الأسد الأب، ذهب للسيطرة على لبنان في الأصل، لتحاشي تقويض طموحاته الكبيرة، من هذه الخاصرة الرخوة لبنان. وإذا كانت المدينة، نفسها تحولت إلى عنوان للصراع والاستقطاب الداخلي في لبنان. وإذا كان المخطط السري اليوم لخصوم النظام السوري هو تمديد الأزمة إلى مالا نهاية على أمل إذابة وانهيار النظام، الذي يواصلون نزع الشرعية عنه رغم كل الإصلاحات التي أحدثها، وظهور خصوم النظام متلبسين بالتحالف مع القاعدة، في وضح النهار.