تمرُّ الأحزاب بأطوار الإنسان الثلاثة؛ طور النشوء، والفتوة، والهرم،ويكون الاختلاف بين كثير من الأحزاب في المدة التي تمكثها في كل طور من الأطوارالثلاثة. وتُصاب الأحزابُ بالأمراض، كما يُصابُ الجسد، وهذه الأمراض هي التيتحدد أعمار الأحزاب، وطريقة حياتها. فقد تنشأ الأحزاب وتولد ولادة طبيعية، أو بعملية قيصرية، حسب جيناتالأم والصفات الموروثة للأب، ووفق خريطة الوطن وأجوائه الثقافية والسياسيةوالاجتماعية. ومن الملاحظ أن الاختلافات بين الأحزاب تكمن أيضا في عملية التغذية فيفترة النمو والنشوء، فقوة الحزب والحركة تعتمد على مكونات (الرحيق الفكري) لكل حزبمن الأحزاب، وهذا الرحيق الفكري، هو جوهر الأحزاب، وهو يتمثل في مبادئ الأحزابوركائزها الأساسية، وعدد القادة المفكرين فيها،وهو أيضا الفيتامين الرئيس الذييُحدد طول عمرها، ولياقتها البدنية وقدراتها الذهنية. كما أن مرحلة شبابها تعتمد على قدرتها على تحويل المبادئ النظرية إلىخطوات عملية وإنجازات فعلية على الأرض، وتكون إنجازات مرحلة الشباب إنجازات رئيسةتبني هيكل الحزب وتحدد مساحته الحزبية والوطنية والعالمية. أما مرحلة الشيخوخة والهرمفهي مرحلة ما قبل أفول الأحزاب وزوالها، وتصاب الأحزاب بأمراض الشيخوخة نفسها التيتصيب الأجساد البشرية، ومن أبرز أمراض الأحزاب: مرض ضغط الدم، الناجم عن استهلاك كميات كبيرة من أملاح مستنقعاتالخلافات الحزبية، فعندما يغيض الإنتاج الفكري الحزبي، وتنعدم الإبداعات، وتزدهرالخلافات بسبب الاقتتال على المناصب والأرباح، وتتوقف المنافسات على الإبداعات،حينئذتتفتح الشهيات، وتتوسع المعدات، وتنتشر السمنة والأمراض، فتصاب الأحزاب بأمراض الضغط والكولسترول وما في حكمها. كما أن تحوُّل المواجهة والعداء في هذه الأحزاب المريضة، من العداء لمعتدٍخارجي، إلى العداء لمنافس داخلي، دليل على استفحال المرض، فيصبح عداء الأحزاب لشعبهاوأهلها أقسى من عدائها لأعدائها الخارجيين، وهذا أخطر أطوار أمراض الأحزاب العربيةالهرمة، وبفعل هذا المرض، يتحول العدو الخارجي إلى صديق حميم، وهذا دليل آخر علىقرب أفول نجم الحزب المصاب ! وتصاب أحزاب أخرى بمرضالرُّعاش أو الباركنسون، فيتوقف نموها، وتتقلص أعضاؤها،وتصير عبئا على العائلةالوطنية الكبرى، تحتاج للغذاء والدواء والرعاية، و يلجأ الميليشياويون الحزبيونالعرب، في هذه المرحلة لاستخدام الجماهير العربية وسائل مواصلات ونقل، فيركبونظهورهم لغرض نقلهم إلى عالم الثروات والمكتسبات والغنى الفاحش، ظنا منهم أنالجمهور الوطني ساذجٌ ومغفَّلٌ وسريعُ النسيان. وقد تصابُ أحزابٌ أخرى بسرطانات الأحزاب، ومرض سرطانات الأحزاب، هوالمرض الأوسع انتشارا بين الأحزاب العربية، ومن أبرز أعراض مرض سرطانات الأحزابالعربية، هو انتقال الأحزاب من أحزاب دعوية فكرية، إلى أحزاب ميليشياوية عسكرية،فيتحول مركز القيادة من مركز قيادي فكري، إلى لجام حزبي حديدي، وفي هذا الطورتتكون خلايا السرطانات، في شكل أورام هيكلية عسكرية ميليشاوية، تسكن جسد الوطن،وتتغذى على دورته الدموية، ولا تكتفي بالغذاء الدموي، بل إنها تفرز فضلات أورامهافي هذه الدورة الدموية وتنشر خلايا المرض في الجسد الوطني! وأخطر ما في هذا المرض، أن الأحزاب المليشاوية، تعمد لإفساد جهازالمناعة الوطني، عندما تقوم بقصد وعَمْد بغسل الأحزاب من المخلصين ونبذهم،وذلك بإقصاء الفكر والثقافة، وطردالمفكرين ومنتجي النظريات والمبدعين من الأحزاب، وهذا بالطبع يُعطِّل جهاز المناعةفي الأحزاب، ويجعل أجساد الوطن قابلة للإصابة بالسرطانات وبالأمراض المختلفةالأخرى! وأخيرا إنكفاءة الحزب (الوطني) المخلص تقاس بمقدار الإنجازاتالوطنية التي يسجلها في تاريخ الوطن، ولا تقاس بفترة مكوثه في السلطة، ولا بعدد أعضائهالمسجلين في كشوفات الأحزاب! كذا فإن المقياس الصادق للحزبالوطني الكفء المخلص، تكون أيضا بقدراته على قيادة عربة الوطن، وإلحاقها بركبالتقدم والرقي والعدالة والديمقراطية والحرية، وليس بكفاءة قادته في المطارحاتالشعرية الحزبية التضليلية الديماغوجية!!