مائة وتسعة أطفال مقدسيون قد يرمزون الى ميل جديد في المدينة. بعد 15 سنة من الانخفاض في عدد المسجلين في التعليم الرسمي في المدينة، سجل في السنة الماضية ارتفاع طفيف في عدد المسجلين الى المدارس العلمانية في الصف الاول حتى السادس. في 2001، سجل للمدارس الرسمية في المدينة 13.886 تلميذا. الهجرة السلبية للعلمانيين أدت الى أن يصل عدد المسجلين قبل سنة 11.028. هذه السنة سجل انعكاس في الميل: 11.133 تلميذا، 109 أكثر من السنة الماضية. هذه المعطيات التي تناقض بعض الشيء صورة القدس كمدينة متأصلة (يزداد فيها الاصوليون – الحريديون)، مأخوذة من كتاب الاحصاء السنوي لمعهد القدس للبحوث الاسرائيلية. وان كان التغيير العددي هامشيا بالنسبة لحجم المدينة، الا ان الجمهور العلماني يأمل ان يكون يبشر بتحول في ميل التأصل للقدس. "هذا مؤشر دالٍ، ويجب مواصلة المتابعة، ولكن هذا بالتأكيد يبشر بارتفاع في عدد الازواج الشابة العلمانيين مع أطفال في القدس"، تقول د. مايا حوشن، رئيس فريق بحوث القدس في المعهد. معنى المعطيات هو أنه خلافا للماضي، يوجد اليوم المزيد فالمزيد من العائلات العلمانية (والمتدينة غير الاصولية، التي بدأ لديها ارتفاع في عدد المسجلين الى المدارس منذ قبل سنوات) تتمسك بالقدس أو حتى تهاجر اليها. معطيات الهجرة وان كانت لا تزال تشير الى هجرة سلبية لنحو 7.500 نسمة في 2011، ولكن حساب المعطيات مع معطيات التعليم يبين ان قسما هاما من التاركين للمدينة هم بالذات عائلات اصولية شابة، تجد نفسها في الضواحي الاصولية للقدس – موديعين عيليت، بيتار عيليت، بيت شيمش، العاد واماكن اخرى. اهداف الهجرة من المدينة تعزز الاعتقاد بان المهاجرين هم اصوليون. الى تل ابيب هاجر من القدس 1.500 نسمة في 2011، الى بيت شيمش 1.850 والى بيتار عيليت 900. مناحيم بنسكي، طالب ديني ابن 26، غادر قبل نحو سنتين القدس مع عائلته، ومنذئذ يسكن في كرميئيل. وهم ينتمون الى طائفة اصولية – ليتوانية صغيرة في المدينة الشمالية. في الفترة التي ولد فيها ابنهم البكر، حين كانوا في حي كريات موشيه في القدس، سعى الزوجان الى تحسين شروط السكن داخل القدس. "زوجتي وأنا حددنا سقفا ماليا يمكننا أن نفي به، ومع هذا توجهنا الى وسطاء. ضحكوا علينا وقالوا انه بهذا المبلغ لا يمكن ان تستأجرا الا مخزن. وضع الاصوليين الذين يعيشون في القدس فظيع. الناس يسكنون في مخازن صغيرة من أجل 4 الاف شيكل في الشهر. أنا أتحدث مع أصدقاء هاتفيا ولا يوجد لديهم التقاط للخلوي لانهم يعيشون تحت الارض، بكل معنى الكلمة". وحسب بنسكي، فانه "في الفترة التي بحثنا فيها عن شقة عرضوا علينا العمل في الطائفة في كرميئيل، وزوجتي التي هي مبرمجة عرضوا عملا جيدا في مهنتها. زوجتي وأنا مقدسيان بالدم. لا يوجد يوم لا أنهض فيه في الصباح واصلي للقدس. نشتاق الى سوق محنيه يهودا وكل شروط الحياة في المحيط الاصولي. لا تنسى انه أسهل على الاصولي في القدس من ناحية الحلال والملابس، وكل شيء يهمه. وكذا الجانب الروحاني ينقصنا، مثل المبكى، وحقيقة أني غيرت المصلى الذي يؤمه مئات الطلاب الدينيين في الكنيس الصغير". في هذه الاثناء ولد للزوجين طفلة. "نحن لا نزال نأمل بالعودة ذات يوم الى القدس ولكننا نؤجل هذا من سنة الى اخرى. هنا أيضا توجد فضائل، اقتصادية وهدوء لا يوجد في القدس". معطى هام آخر يبرز في الكتب الاحصائية لمعهد القدس في السنتين الاخيرتين هو التحول العكسي في ميزان الخصوبة بين السكان العرب واليهود في المدينة. فبينما قبل نحو عقد كان في العائلة اليهودية في القدس 3.8 طفل وفي العائلة العربية 4.2 طفل بالمتوسط، اليوم يوجد في العائلة اليهودية في المدينة 4.2 طفل وعدد الاطفال في العائلة العربية يبلغ 3.9 . الشباب العلماني المتبقي في المدينة أو ممن عاد اليها لا ينجحون دوما في أن يشرحوا لانفسهم وللاخرين السبب في ذلك. وهم يطرحون سلسلة من الادعاءات، بعضها فقط في المجال العملي للعمل: السكن، التعليم، القرب من العائلة، وبعضها في المجال الغامض لـ "حب" المدينة، بل وتفسير التمسك بالسكن في المدينة كعمل قيمي وصهيوني. شام وغال شامي هما مثال عن زوجين كهذا. فهما في منتصف الثلاثينيات من العمر، وأبوان لطفل ابن ثلاث سنوات – علمانيان اختارا البقاء للسكن في القدس. ويقول شام، المحاضر في الفلسفة يعمل في مركز للاختبارات والتقدير ان "هذا ليس منطقيا جدا". "من ناحيتي، كإنسان صهيوني أن يكون المرء علمانيا ويبقى في القدس هو اختيار هام بالذات بسبب التعقيدات. الناس ينتقلون الى موديعين ويجدون أنفسهم في مكان الجميع فيه يشبهونهم وهذا أمر ممل. ما هو جميل في القدس هو التعقيد، الفسيفساء. توجد هنا الكثير من الامور التي تخلق عدم راحة، ولكن من جهة اخرى هذا ما يجعل المكان خاصا". "تركنا المدينة قبل تسع سنوات وسكنا في موديعين سنتين، ولكننا لم نجد هناك ما بحثنا عنه"، يضيف غادي اورباخ، الذي يسكن اليوم في حي القطمون مع زوجته وثلاثة أطفاله. "يوجد شيء لا يمكن تفسيره"، يقول ردا على سؤال لماذا القدس. "من ولد في القدس وتربى هنا ينقصه شيء في الجو، الطقس، الاجواء، توجد هنا طائفة من الناس ممن يقدرون التعليم وليس المال. من جهة اخرى في أمور اكثر ملموسية، جهاز التعليم في القدس يقدم جوابا أفضل مما تقدمه موديعين. شعرنا أيضا بانه حتى لو لم يكن يوجد ما نبحث عنه، فاننا يمكننا أن نوجده". وهما بالفعل أوجداه. الزوجان اورباخ كانا ضمن نواة لتأسيس مدرسة رسمية – دينية جديدة في القطمون. والمدرسة التي تأسست قبل سنتين تضم ست صفوف وستتسع في السنوات القادمة. تالي ويرون لفشتس ايضا عملا ضد الميل، وانتقلا من موديعين الى القدس. "الطبيب في مركز الامومة والطفولة صدم عندما قلت له اني اريد أن أنقل الملف الى القدس وليس العكس"، تروي تالي. "ليس في موديعين فضائل كثيرة: شقة أوسع، الكثير من الشباب في المحيط، ولكني اشتقت للمدينة، لجمالها وللتنوع الذي فيها". حقيقة أن الزوجين يعملان في القدس في مجال تعليم يهود الشتات، ساعدت في القرار. وخلافا لما هو وارد التفكير فيه، فان أيا ممن أجرينا معهم المقابلات لم يذكر مشكلة تأصل المدينة كمسألة تحفز قدميه. فالبحوث تظهر أن التأصل، بقدر ما هو مقلق لسكان المدينة العلمانيين، ليس عاملا بحد ذاته للهجرة منها. الاسباب هي في الغالب اقتصادية وتتعلق بمكان العمل ومصاعب الشباب في شراء شقة في المدينة. بين العوامل التي ساهمت بلا شك للتغيير يمكن أن نحصي حقيقة أن نير بركات، مرشح المعسكر العلماني، يترأس البلدية في السنوات الثلاثة والنصف الاخيرة. من أجل فهم قوة جذب القدس للعائلات الشابة العلمانية والدينية، يجب أن نفهم أيضا شبكة الدعم الهائلة التي أقامها هذا الجمهور في المدينة في السنوات الاخيرة. برعاية رئيس البلدية العلماني، تزدهر في القدس شبكة من المنظمات والحركات العلمانية – مقدسيون، يقظة، روح جديدة وشباب في المركز هي فقط قائمة جزئية. اضافة الى ذلك تزدهر في القدس ظاهرة الطوائف العلمانية والدينية – مثابة أنوية بلدية تقيم حياة من التعاون في الاحياء. يمكن أن نقدر بان لهذه الظاهرة تأثير ايجابي على الجمهور العلماني في المدينة. العلمانيون في المدينة احتشدوا في مناطق جغرافية محددة أيضا. وهكذا مثلا، حي القطمون والبقعة، اللذين اصبحا في السنوات الاخيرة نقطة جذب للعائلات الشابة الدينية. كريات يوفيل وكريات مناحيم في جنوب غرب المدينة اصبحا بؤرة جذب للشباب والعائلات العلمانية ايضا. الحاخام اوري ايالون وان كان حاخام محافظ، ولكن هذا لم يمنعه من أن يصبح أحد زعماء الجمهور العلماني في المدينة، كرئيس حركة مقدسيون التي تعمل جدا على تشجيع العائلات الشابة في المدينة. ويطرح ايالون تفسيرا آخر- انهيار سوق العقارات في الولايات المتحدة والذي أدى الى وقف بيع العقارات في القدس لليهود الامريكيين. أسعار الشراء والايجار في المدينة توقفت فأوقفت تواصل الهجرة السلبية بسبب مشاكل السكن. "هذا المعطى لا يفاجئني"، يقول ايالون. "لا ريب أنه يوجد إحساس بان السكان العلمانيين بدأوا يرفعون الرأس. وهم يشعرون باكتئاب أقل. الناس يريدون أن يشعروا بانهم هنا ليس لانهم لا يوجد لهم بديل بل لانهم اختاروا ذلك. هذا يؤثر. قبل ثلاث سنوات كانت هنا أجواء تصفية شاملة، كل شخص ثانٍ يغادر المدينة، أما الان فاني أرى اناسا يبتسمون. الناس اكتشفوا بانهم ليسوا وحدهم هنا، وانهم ليسوا الاخيرين".