بعد انتظار سنوات حصلت على تصريح لزيارة ابنتي التي تقطن رام الله فتوجهت إلى معبر بيت حانون الشهير بإيرز وكإجراء الزامي بعد الإنقسام أبرزت بطاقة الهوية إلى مسوؤلي الأمن لتسجيل خروجي من دولة غزة إلى مشروع العاصمة رام الله إلى أن سأل رجل الأمن خلف جهاز الكمبيوتر لماذا ذاهب لرام الله؟ انتشلني من التفكير في الأسئلة التي ربما يطرحها الجانب الإسرائيلي وطبعاً رفضت الإجابة وبعد شد وجذب حضر مسئول آخر وبتهذيب اعتذر قائلا مع السلامة ومضيت والسؤال يدق في رأسي إلى أن وصلت رام الله فهالني حجم التغير الذي طالها فافقدها كثير من رونقها وروحها التي أعرفها. وأثناء قيادتي لسيارة صديق أوقفني شرطي طالباً أوراق ورخص السيارة والقيادة وبعد أن تمعن بها وهذا حقه قال أنت من غزة؟! قلت نعم تصورت انه سيسأل عن غزة وحالها فإذا به يقول ماذا تعمل هنا؟ كدت أن أصرخ سبحان الله نفس السؤال هنا وهناك كم نجح القادة في شحن عناصرهم إلى درجة أنني شعرت أنني أمثل أمام أحد الأجهزة الأمنية العربية التي تعرفونها. بعد مفارقة الأسئلة ماذا ستفعل وماذا تفعل؟ بحثت عن بعض الجالية الغزاوية هناك وهذا ليس تجني فلقد أصبح سكان القطاع خارج القطاع يكتسبوا كلمة الغزازوة ويعاملوا كجنسية آخرى! الكثير توارى والبعض اتصل والقليل قابلت وبعد أسبوع هناك التمست للجميع العذر فالأجواء غير مريحة والحديث متحفظ والسير جنب الحيط أسلم ما علينا من هذا الآن. أما المفارقة الثانية والموجعة نجدها في زيارة ضريح الرئيس الشهيد ياسر عرفات متذكراً يوم أن أوى إلى قبره في المقاطعة التي شهدت حصاره واستشهاده ولم نكن نعلم أن المسير والمصير بعده له طريق آخر وهناك كانت مفاجأة أن الضريح مغلق للتصليح وإعادة البناء بعد أن تساقطت حجارته الرخيصة وكلحت ألوان بلاطه واكتشف أن مواد البناء من أرخص الأصناف وأردئها وليغفر الشهيد والشعب لبكدار ورئيسها الذي ربما أراد أن يوفر بعض المال على هدى تقشف المرحوم في ملابسه البسيطة (أين مجلس تخليد أبو عمار من هذا) فالمفارقة هنا في زيارة قبر شاعرنا العظيم محمود درويش الذي كان قمةً الترتيب والأناقة تليق بشاعر فلسطين فسبحان مقسم الأعمال والأموال!! وعلى ذكر الشعر والأدب كانت هناك مناسبة تسعد وسط دياجير الظلام قام بها الأخ المقتحم فتحي البس صاحب دار الشروق للنشر حيث نظم أسبوع للكتاب العربي واستضاف فيه مبدعين من فلسطين وكانت الفرصة للجميع للقاء الأخوة وأصدقاء من زمن لم نراهم كالصديق أحمد دحبور وفي الليل لا تخلو مجالس الأخ فتحي من النميمة السياسية وغيرها.كما أن هناك مناسبة آخرى التقيت بمجموعة مميزة في نادي الروتاري وما يفرح في ذلك تقدم الجيل الجديد بثقة نحو الصدارة وفي تلك الليلة طغى هم القدس على سطح الأحاديث وبسؤال مباشر من الأخ حنا سنيورة ما رأيك في موضوع زيارة القدس وبدوري تسألت هل استطيع أنا أن أزور القدس؟ أو فلسطيني الضفة والقطاع والمهاجر الزيارة؟! وهل أبناء القدس أنفسهم اذا كانت أعمارهم أقل من خمسة وأربعون عاماً يسمح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى؟ّ!وهنا أحلنا الأمر إلى الشاعر الفذ الشهيد عبد الرحيم محمود والد الصديق الطيب عبد الرحيم والذي أتمنى أن يكون رأيه موافقاً قول والدة حين خاطب في قصيدة شهيرة له كلها نبؤة على ما جرى وما يجري مخاطباً ولي عهد السعودية سعود بن عبد العزيز عام 1932 مين زار القدس قائلاً:المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَزورُهُأَم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ وَغَداً وَما أَدناهُ لا يَبقى سِوىدَمعٍ لَنا يَهمي وَسِنٌّ نَقرَعُهْ ويدور السؤال لو دمر الصهاينة المسجد اٌلأقصى هل ستهتز ذقون وكروش مليار ونصف مسلم؟! بالتأكيد نعم ولكن مع تحريم السلاح والمال والمقاومة تحت مقولة للبيت رب يحميه! وأرجو أن لا نرزق بشيخ كالشيخ متولي شعراوي حينما ركع وصلى ركعتين شكر لهزيمة يونيو 1967 بحجة أن مصر لم تقع في يد الإتحاد السوفيتي بتلك الهزيمة في حين ضاعت سيناء والجولان وكل فلسطين والمسجد بالإضافة إلى مائة ألف شهيد لقد فجعنا على نفس المنوال بكلمة قائد كبير بعد انقسام غزة عن الضفة حين قال الحمد لله الذي أعمى قلب حماس وأخذت غزة وما أشبه الليلة بالبارحة وكلُ يشكر ربه على طريقتهِ وسلًم لي على المصالحة سلَم وللحديث بقية. ولا نامت أعين الجبناء.’ كاتب من فلسطين