خبر : أيها الأسرى سامحونا على ما لم نفعل ..! ..بقلم: أكرم عطا الله

الأحد 13 مايو 2012 01:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
أيها الأسرى سامحونا على ما لم نفعل ..! ..بقلم: أكرم عطا الله



لا يتضامن الفلسطيني مع قضيته بل يعمل من أجلها، لهذا ربما أن السؤال الطبيعي حول التضامن مع الأسرى هو هل يكفي هذا من أجل من تقدموا الصفوف وحملوا أرواحهم وسنوات عمرهم على أكفهم وساروا بها نحو عتمة الزنازين؟ مفهوم أن يأتي مواطن نرويجي إلى فلسطين ليتضامن مع قضيتها كما حدث الشهر الماضي عندما انكشفت الصورة التي يضرب بها نائب لواء الغور في الجيش الإسرائيلي ذلك المتضامن، تلك الصورة يجب التركيز عليها كثيراً لإظهار بشاعة ووحشية الاحتلال، أما أن يتضامن الفلسطيني مع القضايا الوطنية ربما أن هذا بحاجة إلى نقاش أوسع. لقد برأت حركة حماس ومعها الفصائل التي أسرت الجندي الإسرائيلي العام الماضي نفسها من تهمة العجز حين أطلقت سراح المئات من الأسرى، كما برأت السلطة نفسها من نفس التهمة قبل أكثر من عقد حين تمكنت بالمفاوضات من إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى، صحيح أن لكل لغته تجاه قضية الأسرى ولكن يمكن القول إنهما ساهما بشكل أو بآخر بتخفيف معاناة كثير من المعتقلين، ومن يطلق سراح فلسطيني واحد يستحق احترام وتقدير شعبه. ولكن هل فعل هذا الشعب ما يكفي من أجل الأسرى؟ وهل شكلت قضية الأسرى أولوية شعبية؟ هناك استسهال دائماً في إلقاء التهمة على الفصائل وهذا إلى حد ما صحيح، فهي التي وضعت نفسها في موقع المسؤولية عن الشعب ووعدت بتقديم كل الحلول لكل قضاياه ولكن أليس من الطبيعي أن نتساءل عن غياب الدور الشعبي والجماهيري في القضايا الوطنية الكبرى وعلى رأسها قضية الأسرى؟ وصحيح أيضاً أن الفصائل بانقسامها ساهمت في تراجع المشاركة الشعبية ونالت من إرادة المواطن ودوره، ولكن هل يبرر هذا القصور الواضح حد العجز وغياب الآلاف وربما عشرات الآلاف عن التحرك لإظهار قضية الأسرى كأولوية وطنية وإنسانية وعاطفية كانت ولا تزال الأكثر إيلاماً على مدار التاريخ الوطني، فالأرض تعود لهويتها الأصلية فقد تقلب على فلسطين الكثير من الغزاة، كلهم هزموا ورحلوا، وبقيت الأرض، لكن سنوات عمر الأسير تتآكل يومياً ولا تنتظر فلنحاكم الشعب الغائب عن كل قضاياه مرة واحدة.لماذا لم يبدأ ربيع الأسرى ؟ لماذا لم يتحرك الشعب في كل الساحات والميادين العامة ليبدأ اعتصامه المفتوح مع بدء الإضراب ؟ ولماذا نصبت خيام التضامن بعد شهر من بدء الأسرى إضرابهم، ولماذا تغيب المشاركة الشعبية عن تلك الخيام إلا من زيارات منظمة تقوم بها الفضائل مع غياب واضح للمبادرات الشعبية أو حراك جماهيري بالآلاف، فزيارة خيمة التضامن ربما تفتح المجال لتساؤلات كثيرة عن غياب الفعل الشعبي ليس فقط بموضوع الأسرى أيضاً الغياب عن كل القضايا الوطنية.لقد تبنت حركة فتح في مؤتمرها الأخير الكفاح الشعبي، وأعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس رغبة حركته بالمقاومة الشعبية، وقدمت الشعوب العربية خلال العام الماضي نماذج رائعة في الكفاح الشعبي والمقاومة الشعبية التي تغيب تماماً بالرغم من إصرار الفصيلين الكبيرين على اتباع هذا النمط من المقاومة والسؤال هل تعجز الفصائل عن تحريك الشارع وتعبئته بقضيته إلى هذا الحد أم أن العجز بالشعب نفسه والذي رأى ما يحدث حوله في العواصم العربية التي قدمت النموذج العملي للمقاومة الشعبية ولم يحرك ساكناً؟ تبدو الأزمة مركبة فالظاهر أن الفصائل لم تستطع ترجمة برامجها التي أعلنت عنها حديثاً لقيادة تحرك شعبي عارم، والشارع أيضاً يبدو أنه مصاب بحالة من الخمول الوطني التي تدعو للتشاؤم، صحيح أن الصراع على السلطة ساهم في فتور مشاركة الناس في الفعل الوطني لشعورها أن كل الإنجازات ستختطفها نخبة للوصول للسلطة وممارسة استبداد الحكم بغض النظر عن برنامجها ولكن لا يمكن تحميل الفصائل مسؤولية هذا الانكفاء، فالشارع المصري لم يكن ينتظر إشارة الأحزاب السياسية لينزل إلى ميدان التحرير، ولا الشارع التونسي انتظر قواه السياسية، ففي الحالتين التحقت الأحزاب بحركة الجماهير التي سبقتها كثيراً، وبدت القوى السياسية كتابع صغير في حركة التاريخ التي دفعتها الشعوب للأمام بقوة هائلة. الأسرى يصنعون تاريخهم وبدأوا ربيعهم دون انتظارنا، فقد ضبطونا متلبسين بالعجز ونحن نجر أقدامنا خلفهم بتثاقل مخجل ينتزعون أسلحتهم من أمعائهم يتحدون بها طغيان القوة، هي حالة التحدي الأكبر في صراع الإرادة وصراع من يصرخ أولاً، يجسدون حالة النهوض وسط إدارة الظهر لهم من قبل العالم الساكت على جرائم إسرائيل التي تمارس ضدهم وغيابهم عن الأجندة العربية دوماً، واقتصار حالة التضامن على قادة الفصائل وبعض نشطائها وغياب سيول البشر التي كان يجب أن تتحرك لتضع المنطقة كلها أمام التغيير بعد فشل كل الأدوات، هذا التحرك الذي كانت تحسب إسرائيل له ألف حساب وقد أجرت تدريباتها لمواجهته ولكن خاب ظنها كما خاب ظن كل الذين تساءلوا عن سرّ صمت شعب يعيش الذل اليومي ولا يتحرك. زيارة خيمة التضامن مع الأسرى ربما تعكس أزمة الفعل والمشروع الوطني والتي تخلو أحياناً سوى من حضور مراسلي الفضائيات ومسؤولي الفصائل ولكن ما يلفت النظر أكثر حين يدقق الزائر بالمضربين عن الطعام مسألتان: الأولى وهي أن غالبية هؤلاء المضربين هم من الأسرى وبعضهم ممن تم تحريرهم في التبادل الأخير بالجندي الإسرائيلي، وكأن على هؤلاء أن يتحملوا وحدهم مسؤولية النضال والسجن والتضامن والجوع ولا يكفيهم ما قدموه في أسوأ عملية توزيع لأعباء الهم الوطني. والثانية هي أن أصغر المضربين عن الطعام في العقد الخامس من العمر وغياب الجيل الجديد وطلاب الجامعات وكأن الصراع مع إسرائيل هو جزء من التراث الفلسطيني ليس للأجيال الشابة دور فيه ما يعكس خوفاً حقيقياً على استكمال المهمة وتسلسل تسليم الراية. صحيح أن هناك حالة من التفاعل الإعلامي فقد لعبت وسائل الإعلام دوراً بارزاً في تحريض الرأي العام الفلسطيني ولكن هذا الأخير لم يكن عند حسن الظن ولم يعمل ما فيه الكفاية ..! Atallah.akram@hotmail.com