بعيداً عن التأثيرات المباشرة "للانقلاب السياسي" المفاجئ في إسرائيل، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بضم كاديما إلى حكومة نتنياهو، والتحليلات حول دواعي ودوافع هذا التشكيل، فإن أبرز نجاحات هذه الحكومة الجديدة يمكن أن تتمحور بشكل أساسي حول توجيه كل الاهتمام نحو الملف الإيراني، والقصد هنا، أن غبار هذا التشكيل قد أخفى كل الملفات الصعبة الأخرى، خاصة ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وتركز اهتمام الرأي العام في إسرائيل، كما متابعات وسائل الإعلام على المستوى الدولي، على أن هذه الحكومة هي حكومة توجيه الضربة العسكرية لإيران، على ضوء ما تناقلته التصريحات والتحليلات حول ما قيل عن تراجع موفاز عن اعتراضه على شن حرب إسرائيلية على إيران على خلفية برنامج هذه الأخيرة النووي! ولعل مراجعة تصريحات موفاز، طوال السنوات الماضية، والتي شغل فيها مناصب عديدة، لا تشير في واقع الأمر إلى أنه يعارض ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران، بل تنوعت مواقفه وتصريحاته حول ضرورة أن تمنح إيران سنتين لكي يمكن أن ترتدع من خلال العقوبات وإلاّ فلا مناص من شن حرب عليها، أشارت بعض مواقفه إلى أن مثل هذه الحرب يجب أن تتم بالاتفاق مع الولايات المتحدة، وفي كل الأحوال كانت تصريحاته عبارةً عن توازنات سياسية مع رئيسة كاديما السابقة ليفني، أو عندما يقوم بدور المعارض الأساسي داخل كاديما لسياسة نتنياهو، وباختصار فإن القول إن موفاز قد تراجع عن مواقفه، فيه الكثير من تجاوز لحقيقة هذا الموقف، ومراجعة جملة تصريحات موفاز ومواقفه إزاء هذا الملف، لا تشير بالضرورة إلى معارضته للحرب، إلا أن صياغاته لهذا الموقف، لم تكن بالحدة التي عبّر عنها وزير الحرب الإسرائيلي باراك بوضوح. وللتذكير فقط، فإن موفاز كان أول مسؤول إسرائيلي يتحدث عن إمكانية شن حرب وقائية على إيران، كان ذلك عام 2006 عندما كان وزيراً للدفاع، فقد قال في مؤتمر هرتسليا "إن إسرائيل قد تمنح التحركات الدبلوماسية الرامية لإقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، إلاّ أن ذلك يجب أن يتوازى مع ضرورة التحضير لاحتمال فشل السبل الدبلوماسية والاستعداد كي تتحمل إسرائيل مسؤولية الدفاع عن نفسها". المواقف والتصريحات التالية لهذا الرأي لم تتخل عن هذه القاعدة، بصياغات مختلفة ولضرورات المناكفة والتوازنات السياسية، سواء داخل كاديما أو في مجال معارضة الحكومات المتعاقبة، من أولمرت حتى نتنياهو. مع ذلك، فإن الحديث عن "عودة" موفاز عن موقفه "المعارض" لشن حرب على إيران، كانت له أهدافه بالغة الأهمية، وكما أشرنا إلى أن الأمر يتعلق بفتح هذا الملف على مصراعيه للتغطية على الملفات الأساسية الأخرى، خاصة ملف المفاوضات على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، هذا من ناحية، إلاّ أن ذلك لا يحجب الأهداف الأخرى، والتي تتمثل في تعزيز الضغط الإسرائيلي على المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، بهدف ابتزاز مواقف لصالح إسرائيل على خلفية هذا الملف، خاصة أن الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية قد بدأت مؤخراً. إظهار توافقات داخلية إسرائيلية إزاء الموقف من الحرب، سيشكل وسيلة إضافية للضغط في هذا السياق، مع أن المتابعين للشأن الإسرائيلي يدركون أنه في حال توافر قرار إسرائيلي بضرب إيران، في ظل الحكومة السابقة، والمستقرة والمتوافقة، فإن مثل هذه الحرب ستقوم بالفعل ولن تكون بحاجة إلى توسيع الحكومة، إلا أن رسالة الحكومة الجديدة أكثر وضوحاً، خاصة عندما يتم الحديث عن تاريخ الحكومات الموسعة في إسرائيل، والتي ترافقت مع شن الدولة العبرية حروبها في المنطقة، إلاّ أن هذا الأمر يتجاهل أن إسرائيل قامت بشن مثل هذه الحروب في ظروف مختلفة، إضافة إلى أن هذه الحكومات الموسعة لم تكن أكثر كثيراً من حكومة نتنياهو السابقة على حكومة الوحدة الوطنية بعد ضم كاديما إليها. الرأي العام في إسرائيل كان واعياً لأسباب توسيع الحكومة، معظم استطلاعات الرأي التي تلت التشكيل الموسع للحكومة، أشارت إلى أن الرأي العام الإسرائيلي يرى أن أسباب هذا التوسيع تعود لأسباب داخلية بحتة، ليس من بينها توحيد الموقف إزاء الملف الإيراني، ولم يستجب الرأي العام في إسرائيل لأهداف فتح هذا الملف من قبل نتنياهو والتي تتجلى في وضع الملف الإيراني على قائمة أولويات حكومته، بل إن اتجاهات الرأي العام في إسرائيل أشارت إلى أن الأهداف الداخلية لتوسيع الحكومة تتلخص في ملفات حرجة كانت تواجهها حكومة نتنياهو السابقة، خاصة قانون (طال) وتفكيك البؤر الاستيطانية التي صدر حكم قضائي نهائي حولها، أما في المسائل الخارجية، فإن اهتمامات الرأي العام حول تشكيل الحكومة الموسعة أشارت إلى أن نتنياهو يريد حكومة قوية في مواجهة احتمالات استمرار الرئيس الأميركي أوباما لفترة ولاية رئاسية ثانية، والمواجهة المحتملة على الملف التفاوضي مع السلطة الوطنية الفلسطينية.. الهاجس الإيراني، كان بعيداً نسبياً عن إدراك الرأي العام لطبيعة أسباب لجوء نتنياهو لتوسيع حكومته. ثم إن الحديث المستمر وبلا انقطاع عن إمكانية شن حرب إسرائيلية على إيران، لم يبدأ مع دخول موفاز إلى حكومة نتنياهو الموسعة، فهو سياق متصل طوال السنوات الماضية، يهدأ حيناً ويزداد حيناً آخر، حسب الظروف والتوازنات الداخلية في معظم الأحيان، وفي إطار الضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حيناً آخر، مع إدراك تام بأن حرباً على إيران من قبل إسرائيل لم تكن بحاجة إلى موافقة المعارضة الهشة التي كان يرئسها كاديما بقيادة ليفني ثم موفاز، وكانت ستقوم لو توافرت الإرادة والقرار اللازمين لشنها. وما يجري الآن من حراك قد يؤدي إلى انشقاقه، قد يكون مؤشراً على أن توسيع حكومة نتنياهو، قد كان من أهم أهدافه إزاحة العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي عن دائرة الاهتمام والأولويات لصالح الملف الإيراني، ذلك أن الجماعة المحسوبة على رئيسة الحزب المطاح بها مؤخراً ليفني، بدأت تشكل وتبلور مجموعة يمكن أن تنشق عن كاديما على خلفية التطور الأخير، السبب الرئيس الذي أعلنته هذه المجموعة على لسان أحد قادتها شلومو مولا، هو أن موفاز، في إطار انضمام كاديما إلى حكومة نتنياهو قد تخلى عن أحد مبادئ كاديما المتعلق بإعطاء المسيرة السياسية على الملف الفلسطيني الإسرائيلي الأهمية الأولى.. وهي إشارة إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة نجحت في تحقيق هدفها، المتمثل في تجاوز الملف الفلسطيني تحت ضجيج الملف الإيراني.. وهنا الإسهام الأكثر تأثيراً للشراكة الجديدة بين نتنياهو وموفاز!. www.hanihabib.net hanihabib272@hotmail.com