خبر : لـمـاذا أحــب غـــزة؟ ..زياد خدّاش

الثلاثاء 08 مايو 2012 12:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
لـمـاذا أحــب غـــزة؟  ..زياد خدّاش



أعرف أنها مليئة بالسفن والكلام والأخطاء، وأنها شريرة تتجاهل بكاء غدها وصغيرتها، على حساب موعد دافئ مع الله أو عشاء ثقيل أو سهرة حب سرّية، وأنها قاسية لا تعتذر عن خطأ ترشقه في وجه صواب، ولا تحتفل بمرور سفينة من غدها إلى أمسها، وأنها مفلسفة، تقرأ كثيراً لتسخر أكثر، وأنها عبثية ومزاجية، تركل في طريقها إلى صلاة أو جنون أحلامَ الجيران، ولا تهتم بنشوة سمكة محبّة تبزغ من مئذنة موج لتنضمّ فخورةً إلى قصائدها أو أطفالها. لماذا أحب غزة إذن؟ فكرت كثيراً بهذا السؤال، ولم يكن ـ كما هو متوقع ـ بُعدها واستحالة وصولي إليها على قائمة الأسباب المحتملة لحبها، هل أحبها لأني أحب أصدقائي فيها؟ فالمدن هي الأصدقاء، هذا ما قاله الشعر والخمر والحزن والتاريخ! هل أحبها لأنها محاصرة وعاثرة الحظ وضيقة ومكروهة؟ أنا الذي يهيم بالمطاردين والمنحوسين والمكروهين والمحاصرين. هل أحبها لأنها تنعس بيقظة الماكرين المموهة على كتف بحر؟ لطالما أحببت المدن التي تنام على أكتاف بحار، بعيون مفتوحة تنام، بقلوب مجروحة تستيقظ. هل أحبها لأن بحاريها فقراء ومبتسمون وطيبون وأغلبهم بلا أسنان ومعاطف؟ هل أحبها لأنها غزيرة الشعر، كثيرة الكتب، عزيزة الموت، والمسافة بين ضحكتها ودمعتها هي المسافة نفسها بين شجرة عالية وفضول طفل. أنا الذي أكاد أطير من متعة تأمل العناق المخيف بين جثة وقصيدة، بين لوحة وطلقة، بين رقصة وقبر. لكل ما ذكرت أحب غزة، لكل ما لم أذكر بعد أحب غزة. لكل ما لا أستطيع أن أذكر أحب غزة. هذه هي غزة دون شرح أو تبرير، هذا هو أنا دون شرح أو تبرير. أحبك غزة: الشاعرة والميتة والقوية والمخطئة والضاحكة والصديقة. نص الكلمة التي ألقيتها، أمس، عبر الهاتف في أمسية (لقاء الأجيال) التي ضمّت الشعراء: عثمان حسين، وهشام أبو العساكر، ومحمد الشيخ يوسف.