خبر : وداعاً يا صاحب "الزمن الجميل" ...بقلم: هاني عوكل

الخميس 19 أبريل 2012 03:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
وداعاً يا صاحب "الزمن الجميل" ...بقلم: هاني عوكل



مرة أخرى، أعود للكتابة عن الجزائر وتحديداً عن شخصية قومية غادرتنا الأربعاء الماضي، بعد صراع طويل مع المرض، وحياة حافلة بالنضال الثوري الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، سبقه وتبعه نشاط سياسي مكثف جعل هذه الشخصية تتبوأ رئاسة الدولة الجزائرية بعد الاستقلال التام. الحديث عن المرحوم أحمد بن بيلا، لا يمكن أن يفي حق الرجل في هذه المناسبة الكتابية، ذلك أنه قائد عروبي وقومي بامتياز، وإن كنا نمتعض من فكرة تمجيد القادة ووضعهم في مصاف العظماء، إلا أن بن بيلا يستحق فعلاً كل أنواع الثناء. لقد كان بن بيلا أحد أهم مفجري الثورة الجزائرية أواخر العام 1954 التي أعلنت الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، بقيادة لواء جيش التحرير الوطني، الذراع العسكرية لحزب جبهة التحرير الوطني الذي شكل القيادة السياسية الجامعة للثورة الجزائرية. قبل حالة الصحوة الجزائرية المتمثلة في تاريخ الثورة، كان بن بيلا من أشد المتأثرين بمجازر 8 أيار عام 1945، التي ارتكب فيها الاستعمار الفرنسي حماقة كبيرة باستهداف المدنيين العُزل. وفعلاً انخرط بن بيلا برفقة أصحاب السلاح في أنشطة المنظمة السرية، التي أنشأها محمد بلوزداد عام 1947، على خلفية مجازر 1945، وهدفت هذه المنظمة تنفيذ هجمات على المواقع الفرنسية، حيث تعتبر النواة المفجرة لثورة 1954. الحركة الوطنية الجزائرية آنذاك، كانت تموج بين عناوين كثيرة، بين النضال السلمي والنضال العسكري، وبين الاستقلال الناقص والتام، وقد انحاز بن بيلا حقيقةً لفكرة الاستقلال التام والعمل المسلح الذي جعله ملاحقاً من قبل الفرنسيين على مدى سنوات طويلة. في الفترة بين العام 1950 إلى نهاية العقد الخمسيني، شهدت دول عربية وأجنبية تحركات سلمية ومسلحة من أجل الاستقلال عن كل أنواع الاستعمار، فقد ناضلت دول المغرب العربي من أجل الاستقلال عن فرنسا، يستثنى ذلك ليبيا التي استقلت عن إيطاليا عام 1951. هذه الموجة من النضال التحرري، ألهمت الجزائر للتمرد على الاستعمار، خصوصاً بعد استقلال كل من سورية ولبنان عن فرنسا عام 1946، ومن ثم اندلاع الثورة التحريرية في الهند الصينية ومغادرة القوات الفرنسية لفيتنام بعد معركة ديان بيان فو عام 1954. لقد تعرض أحمد بن بيلا للاعتقال عام 1950، حيث سجن في العاصمة الجزائرية لعامين، إلى أن فر من السجن وطار قاصداً مصر، للالتحاق بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، ثم اعتقل مرة ثانية في العام 1956، أثناء عملية قرصنة جوية فرنسية، استهدفته مع عدد آخر من قادة جبهة التحرير الوطني، كانوا يهمون بالانتقال بالطائرة من المغرب إلى تونس. ظل بن بيلا في السجن إلى أن دشنت اتفاقية إيفيان جلاء الاستعمار الفرنسي عن الجزائر، فما لبث أن خرج الرجل من المعتقل الفرنسي، حتى أصبح أول رئيس للجمهورية الجزائرية في العام 1963، لكن حكمه لم يدم طويلاً، ذلك أن انقلاباً برئاسة أعز أصدقائه العقيد آنذاك هواري بومدين قد أطاح ببن بيلا عام 1965.  بومدين اعتبر خطوته الانقلابية إنقاذاً للثورة وتصحيحاً للمسار السياسي الجزائري، الذي كان عليه أن يقيم وزناً وسطاً في العلاقة مع الدول المحيطة في مرحلة النهوض بالدولة الوليدة، فما يعيبه بومدين على بن بيلا، أن الأخير تأثر جداً بالحقبة الناصرية، وانعكست مواقفه وقراراته على الحالة الجزائرية، حتى أنه فرض نهجاً سياسياً وأيديولجياً على الجزائر يساوي ما كان يتبناه عبد الناصر آنذاك. أيضاً بومدين فسر انقلابه على بن بيلا بأن الأخير جمع مناصب مهمة وحساسة إلى جانب كونه رئيساً للدولة، ومع ذلك وضع بومدين بن بلا تحت الإقامة الجبرية منذ إطاحته إلى العام 1980، أي قبل عامين على وفاة بومدين، ورزح الرئيس المخلوع لخمسة عشر عاماً في فيلا تقع في منطقة شبه معزولة. الأعوام التي قضاها بن بيلا لم تذهب سدى، فقد استفاد منها في القراءة والمطالعة، حيث تعرف كثيراً على الفكر الإسلامي وثمة من يقول عن المرحوم إن لغته العربية ثقيلة ولم تكن سليمة، وأنه تعلم اللغة العربية الفصحى في مقر إقامته الإجبارية، وتأثر كثيراً بالقرآن الكريم. في العام 1980 وحينما استلم الرئيس الشاذلي بن جديد مقاليد السلطة آنذاك، أفرج عن بن بيلا الذي غادر الجزائر مقيماً في فرنسا التي أنشأ فيها حزباً سياسياً تحت عنوان الحركة الديمقراطية الجزائرية، والتي لم يكن لها دور في الحياة السياسية الجزائرية، حتى بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته الجزائر بعد انتفاضة 1988. نتيجةً لتلك الانتفاضة عاد بن بيلا من أسبانيا إلى الجزائر مع عدد من الشخصيات الجزائرية، وانتقد علانيةً نظام الشاذلي بن جديد، مطالباً بحياة سياسية معتمدة على الديمقراطية والتعددية السياسية، ولم تظفر توجهاته بتحقيق إنجازات، خصوصاً بعد إلغاء الجيش للانتخابات التشريعية التي جرت بداية التسعينيات من القرن الماضي، إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية مقاعد البرلمان. ومع دخول الجزائر نفقاً مظلماً من الصراع الداخلي والحرب الأهلية، ظل بن بيلا وفياً للجزائر ومشدداً على ضرورة وقف الدماء، والعودة عن كل مظاهر العنف بتأكيد المسار الانتخابي وتأكيد المصالحة الوطنية، وبالتالي تغيير النظام إلى ديمقراطي تعددي يسمح بممارسة الحياة السياسية ويضمن حقوق الأفراد.  رحل بن بيلا عن هذه الدنيا وهو مقتنع ومتمسك بعروبته وقوميته التي ألهمت مختلف حركات التحرر في العالم، حتى أنه لم ينس القضية الفلسطينية التي احتضنها وآمن بها إيمانه بالجزائر مستقلة تقرر مصيرها بيدها، فهو الذي ظل وفياً لفلسطين ظالمة أو مظلومة. قبل أن يرحل الرجل، قام الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة بحركة رمزية مهمة، يعتقد أنها تشير إلى التكفير عن الماضي، حينما قرر شطب يوم 15 حزيران من كل عام، والذي يطلق عليه عيد التصحيح الثوري الذي أطاح ببن بيلا، من الأجندة الوطنية المناسباتية الجزائرية. وداعاً يا صاحب "الزمن الجميل"، وداعاً أيها الثوري القومي الذي رفعت رأس بلدك وأمتك العربية، ورفعت رأس كل فلسطيني عالياً، كم كنت شديد التعلق بفلسطين، ليس لأنها جزء من لحمك ودمك العربي فحسب، وإنما لأنك جربت يوماً ما تعانيه هي الآن.