غزة / سما / أكد خبير العلوم وتقنيات المياه المهندس فضل كعوش أن خيار الحصول على كميات مياه إضافية من إسرائيل بمعدل 70 مليون متر مكعب في السنة خلال السنوات الخمسة القادمة هو أفضل الحلول وأكثرها ملائمة وأمانا لمشكلة المياه في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة والصعبة جدا، وأوضح المهندس كعوش في دراسة له، أن إسرائيل تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بهذا الشأن وان ما يطالب به الفلسطينيون من مياه إضافية ليس مكرمة ولا هبة من إسرائيل بل يندرج ضمن مسؤولياتها, وضمن الحقوق المائية الفلسطينية التي اعترف بها الجانب الإسرائيلي. وعن الخيار الثاني لمعالجة مشكلة المياه، قال: "يمكن ان يشمل تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه والقيام ببناء عدة محطات تجارية صغيرة الحجم بطاقة إنتاجية تتراوح بين 5000 ولغاية 10000 متر مكعب في اليوم كأقصى حد وضمن شروط محددة للاستثمار والامتلاك والتشغيل وإعادة نقل ألملكية للسلطة". وتعتبر مشاكل نقص وتلوث المياه في قطاع غزة من أهم وأكبر ألمشاكل والتحديات ألتي تواجه المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وسيتحدد مصير القطاع بأكمله على مدى نجاح أو فشل مساعي المسئولين الفلسطينيين في إيجاد المعالجات الملائمة والسريعة لكارثة المياه المتفاقمة. وأوضح أن ما يتعرض له قطاع غزة من تدهور وتردي متسارع للأوضاع المائية بشكل كبير وخطير، لم يعد محصورا أو محدودا في طبيعة وابعاد أزمات نقص المياه وقساوة العطش وطعم الملوحة العالية ومخاطر التلوث في مصادر المياه, بل تعدى ذلك إلى تهديد حقيقي بل وحتمي في حصول الكارثة الكبرى في دمار شامل وكامل، لمجمل النظام الهيدروجيولوجي للطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية التي تتعرض لحالات من الاستنزاف القصوي المستمر والقاهر، الذي اتسعت مساحته لتغطي أكثر من 90% من مناطق المياه الجوفية. وأشار إلى أنه لم تعد توجد مياه صالحة للشرب ولا للاستخدام البشري في قطاع غزة، حيث تعرضت معظم الطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية إلى الملوحة العالية التي أصبح معدل تركيز ملوحتها يتجاوز بنسب كبيرة المعدلات الصحية المسموح بها وفي العديد من آبار مياه الشرب سجلت معدلات عالية للتلوث العضوي، لم يعد من الممكن الاعتماد على مصادر المياه الجوفية حيث لم تعد توجد مياه جوفية صالحة للشرب والاستخدام المنزلي، بل لم يعد مسموحا الاستمرار في عمليات الضخ من معظم الآبار وخاصة الآبار ذات الملوحة العالية، حيث أصبح أكثر من 88 % من سكان القطاع يعتمدون على شراء المياه من محطات التحلية لأغراض الشرب والمنزل وكذلك للأغراض الصناعية. وبين المهندس عكوش تأثير الوضع الاقتصادي على مشاريع تحلية المياه, وهو بمثابة التحدي الكبير الذي يواجه القائمين على إدارة مشاريع تحلية المياه ليس في تكاليف بناء محطات التحلية ومنشأتها وبنيتها التحتية، بل بالتكاليف الحقيقية لعمليات التشغيل والصيانة الضرورية لتلك المحطات، وهي في الحقيقة تكاليف عالية قد لا تقل عن 1.75 دولار للمتر الكعب الواحد من ناتج عمليات التحلية، أي ان محطة تحلية بطاقة إنتاجية تصل إلى 20 مليون متر مكعب في السنة بحاجة إلى حوالي 30 مليون دولار في السنة لأغراض التشغيل والصيانة فقط هذا باستثناء تكاليف التآكل والاستبدال والتجديد للمعدات والتجهيزات المكملة لها وخاصة إذا كان نظام التحلية من نوع التناضح العكسي، وهي عمليات مكلفة جدا خاصة ما يخص استبدال وتغيير المصافي والمرشحات الرئيسية. وأوضح ان مسألة عدم توفر المواد الخام وقطع الغيار في السوق المحلي يرفع كثيرا بتكاليف وحدة الإنتاج ويعقد ويؤخر في إجراء الصيانة الدورية والطارئة، كذلك افتقار قطاع غزة لليد العاملة الماهرة في مجال التحلية، أيضا يرفع من مستوى تكلفة الإنتاج ويؤخر في عمليات الصيانة. وأكد على أن الوضع الاقتصادي يشكل العامود الفقري لنجاح عملية بناء واستخدام محطات تحلية مياه البحر كحل ملائم ومقبول لمشاكل نقص وتلوث المياه في قطاع غزة وضمان استدامتها، أي ان وجود اقتصاد قوي نسبيا, ومدعم ببنية صناعية وورش مهنية متخصصة يكون قادرا على تحمل أعباء مشاريع التحلية وتقنياتها. وأشار إلى أن هذا الأمر يعتبر بمثابة شرطا أساسيا وهاما للغاية، لاتخاذ قرار بتبني حلول التحلية وإن أي قرار يتخذ خارج هذه الاعتبارات سيكون بمثابة حماقة ومخاطرة وارتجال ستكون عواقبه وخيمة, خاصة في ظل ظروف صعبة للغاية لا يستطيع قطاع غزة تحمل أعباءها وانعكاساتها، خاصة إذا لم يكن باستطاعة المواطن تسديد ثمن المياه المحلاة في ظل اقتصاد ضعيف. وشدد على أنه لن يكون باستطاعة السلطة الفلسطينية بناء اقتصاد قوي يتحمل أعباء المشاريع الصناعية الكبرى بحجم وطبيعة مشاريع تحلية مياه البحر قبل عشرة سنوات على ألأقل، هذا إذا ساعدت الأمور والأوضاع السياسية على ذلك, مبيناً أن التروي وتأجيل اتخاذ القرار بشأن مشاريع تحلية مياه البحر بطاقة إنتاجية عالية سيكون القرار الصحيح والحكيم وأفضل بكثير من التسرع واتخاذ قرارات خاطئة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وأكد كعوش على أن إسرائيل هي من يجب ان يتحمل المسؤولية الكاملة بشأن كارثة المياه التي يتعرض لها قطاع غزة، فإسرائيل هي المسئولة عن التهجير القسري للأعداد الكبيرة جدا من الفلسطينيين من ديارهم في يافا والرملة وعسقلان وغيرها ودفعهم للجوء إلى قطاع غزة، ألأمر الذي أدى إلى حدوث ضغط كبير غير محتمل على كافة النواحي المعيشية والخدمات العامة ومن ضمنها الضغط المضاعف على موارد المياه الجوفية الوحيدة المتاحة في القطاع أدى في نهاية ألأمر إلى حالة استنزاف شبه كامل للأحواض المائية الجوفية المحدودة الطاقة. وأوضح ان إسرائيل لم تقم بواجبها تجاه السكان الفلسطينيين خلال فترة الاحتلال بعد العام 1967 بتزويد القطاع بحاجته من المياه وبمعدل يكفي لتغطية احتياجات الشرب والمنزل والصناعة والزراعة، هذا مع التأكيد على مسألة حقوق المياه للفلسطينيين وهي حقوق ثابتة ولا زالت مغتصبة ومنهوبة من قبل الإسرائيليين في ألأحواض الجوفية ومنها الحوض الساحلي وحوض نهر الأردن. وبين أن هذه المسؤولية تلزم إسرائيل ان تقوم الآن وعلى الفور بما يلزم لتوفير المياه للقطاع وبكميات كافية لسد احتياجات 1.6 نسمة بمعدل لا يقل عن 120 ليتر للفرد في اليوم أي ما يقارب 70 مليون متر مكعب في السنة وبشكل دائم كتعويض عن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين في قطاع غزة بسبب التجاوزات الإسرائيلية تجاه الحقوق المائية للفلسطينيين التي تم الاعتراف بها من قبل إسرائيل وفق ما نصت عليه ألمادة الأربعون من الاتفاقية المرحلية لعام 1995 وهي اتفاقية طابا.