حرية الصحافة والإعلام وحرية الرأي بصفة عامة تعتبر من الحريات الأساسية في العصر الحديث وبخاصة في الدول الديمقراطية وقد قيل أن الصحافة قد تكون أفضل أو أسوأ الأشياء ، فهي سلاح ذو حدين قادر علي الكثير من الخير إذا كان القائم عليه يبتغي الصالح العام ، وقد يكون قادر علي كثير من الشر إذا تخلي صاحب الرأي عن المبادئ والقيم ومقتضيات الشرف والأمانة والصدق وآداب المهنة وجعل نفسه عبد الكراهية والحقد والعداوة ،ولا يدرك هؤلاء الذين يلهثون تحت شعار حرية الرأي والتعبير إلي أثارة الجمهور بنشر أخبار كاذبة لا تعبر عن الحقيقة أو لا تمثل أهمية اجتماعية أنهم يوجهون ضربات موجعة ومباشرة لأمن الدولة هذه التجاوزات التي تحاول الاحتماء وراء حرية الصحافة هي بدون شك مصدر أضرار جسيمة عامة أو خاصة ومن ثم كان حتما أو ضرورة حماية الصالح العام والخاص من تلك التجاوزات وليس في المعاقبة عليها تعارض مع حرية الصحافة و آنما العكس من ذلك هي حماية للصحافة وتمثل الدعامة التي تحتمي وراءها الصحافة وإذا كانت حرية الصحافة التي كفلتها أغلب التشريعات والقوانين لا يجوز تعطيلها وتقييدها بأغلال فأنه يبرز علي السطح حقوق وحريات لا تقل أهمية عن حرية الرأي والتعبير وإذا ما بحثنا في الحقوق والحريات الجديرة بالرعاية في مواجهة النشر نجد منها ما يتعلق بالمصلحة العامة وما يتعلق بالحياء العام أو الآداب العامة أو ما يتعلق بحق الفرد في صيانة شرفه واعتباره واحترام حياته الخاصة فمن حق الإنسان أن يحيا حياة كريمة وأن يستمتع بحياته الخاصة ومن ثم فإن الحق في حرية الصحافة يجب أن يتوافق مع باقي الحريات والحقوق الاخري والتوفيق بين هذه الحريات لا يعني انتقاص أي منهما علي حساب الأخر وآنما يعني تحديد مجال كل منهم ومن هذا التحديد يسمح لنا القول إن حرية النشر تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين ، ومبدأ التجريم لا يمس حرية الصحافة وآنما يمس ويقيد تجاوز حرية التعبير ذلك لان الحماية التي كفلها القانون لحرية التعبير تنحصر وتتهدد إذا ما فقدت هذه الحرية قيمتها الاجتماعية أو إذا اقترنت ممارستها بمخاطر تهدد حريات المواطن دون سبب مشروع ، والجدير بالإشارة أن الحياة الخاصة للإنسان أهم وأجدر بالحماية من حرية الصحافة وهي مرجحة عنها وهذا ما نصت عليه المادة (12) من الإعلان العالمي للحقوق الإنسان سنة 1948 بقولها أنه لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات علي شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ) بناء عل ما تقدم كان لزاما التوفيق بين الحقوق الحريات التي قد تبدو متعارضة ووضع حدود بين الحرية والتجاوز بالحرية وكذلك وضعت التشريعات الجنائية نصوص تؤكد وتضمن حرية الصحافة من جهة ومن جهة آخري ترصد التجاوزات التي من شأنها المساس بمصلحة أجدر بالرعاية فمثلا القانون الفرنسي الذي كان مصدر أغلب التشريعات الخاصة بالعمل الصحفي أدرك ذلك ولم يميز العمل الصحفي أو حرية الصحافة علي حريات أخري ولذلك حدد بدقة هذه الجرائم وبينها حتي لا تدعي الصحافة عدم المعرفة أو أن المشرع الفرنسي أنصف عليها حريات أخري وهذه الجرائم التي حددها المشرع الفرنسي أولها الرامية إلي حماية السلم العام من نشر الأخبار الكاذبة وضمان أمن الأشخاص ضد التحريض علي ارتكاب الجرائم، والجرائم الثانية التي تحتوي علي جرائم القذف والسب والأهانة بالنظر إل صفة المجني عليه، أما الجرائم الثالثة الجرائم التي تمس الحياة الخاصة للأفراد ومستقبل الأشخاص القصر والآداب العامة كما أود أن أبين أن الجريمة الصحفية لا تختلف عن باقي الجرائم أو أنها ذات طبيعة خاصة يجب إخضاعها لأحكام خاصة فجرائم النشر من جرائم القانون العام ولا يجعل من وسيلة ارتكابها جريمة جديدة فالأثر الكبير التي تحدثه هذه الجريمة في نفوس القراء كونها ترتكب بوسائل العلانية لا يبرر النظر إلها أنها نوع خاص من الجرائم فالمبدأ العام لا يقيم وزنا من حيث التجريم للوسائل التي يمكن أن يتحقق بها الجريمة فلا فرق بين من يستخدم سلاحا لارتكاب جريمة القتل من حيث التجريم وبين من يقذف غيره بواسطة العلانية (الصحف ) والجدير الإشارة أن الجريمة الصحفية كباقي الجرائم تقوم علي أركان ثلاثة الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي ولكنهما يميزها هو عنصر العلانية الداخل ضمن الركن المادي بالإضافة إلي توافر القصد الجنائي لان هذه الجرائم هي جرائم عمدية ولا تقع عن طريق الخطأ ، وجرائم الصحافة عديدة لن نستطيع شرحها كلها ولكن سوف نتطرق إلي جريمة القذف في القانون الفلسطيني وذلك بمناسبة قضية الصحفي يوسف الشايب الذي أتهم السفارة الفلسطينية في فرنسا وبعض موظفيها بالتجسس عبر صحيفة الغد الأردنية ومن ثم قامت السفارة بتقديم شكوي ضده للنيابة العامة والتي قامت باستجوابه ومن ثم توقيفه ولذلك أود تعريف القذف ثم سنبين أسباب أباحة القذف أي متي يكون جائز وغير مجرم ، نتيجة القصور التشريعي في فلسطين من قبل السلطة التشريعية فأننا نتميز في فلسطين أن لدينا قانون عقوبات مطبق في قطاع غزة منذ زمن الانتداب البريطاني وهو يحمل رقم 76 لسنة 1936 وقانون عقوبات أخر مطبق في الضفة الغربية رقم 16 لسنة 1960 . تعريف القذف / حسب المادة 203 من القانون المطبق بقطاع غزة يقصد بالقذف التالي ( تعتبر المادة مكونة قذفا إذا أسند فيها إلي شخص ارتكاب جريمة أو سؤء تصرف في وظيفة عامة أو أي أمر من شأنه أن يسئ سمعته في مهنته أو صناعته أو وظيفته أو يعرضه إلي بغض الناس أو احتقارهم أو سخريتهم )) وخلافا لأغلب التشريعات تميز هذا القانون بأنه قسم القذف إلي نوعين نوع مكتوب ونوع شفوي فالمادة 201 التي نصت علي المكتوب سمته قدحا وعرفته علي أنه ( كل من نشر بواسطة الطبع والكتابة أو الرسم أو التصوير أو بأية واسطة أخري غير مجرد الإيماء أو اللفظ أو الصوت وبوجه غير مشروع مادة تكون قذفا بحق شخص ما بقصد القذف بحق ذلك الشخص يعتبر أنه ارتكب جنحة وتعرف تلك الجنحة بالقدح) وقد حاول المشرع تجريم القذف بأصغر صور حدوثه حيث نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة علي أنه ( يعتبر الشخص أنه نشر قدحا إذا تسبب في عرض أو تبليغ أو توزيع المادة المطبوعة أو المحررة أو الرسم أو الصورة أو الشئ الاخر الذي يكون القذف إلي شخصين أو أكثر مجتمعين كانوا أو منفردين ويعتبر التبليغ بكتاب مفتوح أو ببطاقة بريد نشرا سواء أرسل الكتاب أو البطاقة إلي المقذوف في حقه أم إلي شخص أخر ) أما القذف الشفوي فقد سمته المادة 202 بالذم حيت نصت علي أنه ( كل من نشر شفويا وبوجه غير مشروع أمرا يكون قذفا بحق شخص أخر قاصدا بذلك القذف في حق ذلك الشخص يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة واحدة وتعرف هذه الجنحة بالذم ) الجدير بالإشارة أن معظم مدرسي القانون والإعلام خلطوا ما بين السب والقذف الشفوي عند تعريف القذف والسب في هذا القانون كما يتبن من النص أن المشرع جرم القذف الشفوي بأصغر صوره حتي لو تلفظ القاذف بالقذف أمام المقذوف وحده وليس بالنشر بالصحف أما المادة 188 من القانون الأردني المطبق في الضفة الغربية سمت القذف ذما وعرفته علي أنه ( هو إسناد مادة معينة إلي شخص ولو في معرض الشك والاستفهام من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إل بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا ) يتبين من المواد السابقة أن المشرع جرم القذف بكل صوره وطرقه ولكنه خول بعض الأشخاص حق هذا الإسناد العلني في أحوال معينة ليكون القذف مباحا استعمالا لحقهم المقرر بالقانون وتفترض إباحة القذف أن المتهم صان بفعله حقا أهم اجتماعيا من حق المجني عليه في شرفه واعتباره وهذا ما يسمي بأسباب الإباحة والتي نصت عليها أغلب القوانين وهي أولا الطعن في أعمال الموظف العام ومن في حكمه ثانيا حق نشر الأخبار ثالثا حق النقذ وتجدر الإشارة أن أسباب الإباحة تختلف عن موانع المسئولية أو ما يسمي بالموانع الشخصية وهي أسباب تجرد إرادة الجاني من القيمة القانونية فلا يسأل الجاني عن الجريمة التي ارتكبها مثال ذلك الجنون أو العاهة في العقل أو صغر السن أما أسباب الإباحة فهي أسباب موضوعية وهي تخلع عن الفعل الصفة الغير مشروعة ليصبح مباحا ومشروعا بمعني أن الشخص يعد مرتكبا فعلا مباحا ومشروعا والاختلاف بينهما أن موانع المسئولية يستفيد منها الشخص الذي تجردت إراداته من القيمة القانونية كالمجنون ولا يستفيد منها المساهمين معه أما أسباب الإباحة فيستفيد منها الفاعل والمساهمين كما أن أسباب الإباحة تحول دون توقيع أية تدابير احترازية أو مسئولية مدنية والمهم لنا من هذه الأسباب هو الطعن في حق الموظف العام ومن في حكمه كون القضية التي نتكلم عنها هي قضية تتعلق بقذف بحق موظف عام أو من في حكمه وهذا ما أكد عليه المشرع المصري بالمادة 302 عند تعريفه للقذف بقوله ( . . . . . . . . . . . . ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف العام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدي أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل أسند إليه ولسلطة التحقيق أو المحكمة بحسب الأحوال أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق أو مستندات معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال ) كما نصت المادة من قانون العقوبات المطبق بالضفة الغربية 192 علي ذلك بقولها ( إذا طلب الذام أن يسمح له بإثبات صحة ما عزاه إلي الموظف المعتدي عليه فلا يجاب إلي طلبه إلا أن يكون ما عزاه متعلقا بواجبات وظيفة ذلك الموظف أو يكون جريمة تستلزم العقاب قانونا ، فإذا كان الذام يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبتت صحته فيبرأ الذام، وإلأ فيحكم عليه بالعقوبة المقررة للذم ، وإذا كان موضوع الذم جريمة وجرت ملاحقة ذلك الموظف بها وثبت أن الذام قد عزا ذلك وهو يعلم براءة الموظف المذكور انقلب الذم افتراء ووجب عنذئذ العمل بأحكام المواد القانونية المختصة بالافتراء ) وهذا ما نصت عليه أيضا المادة 207 من قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة حيث نصت علي أنه ( إذا كانت المادة المنشورة عبارة عن إبداء الرأي بسلامة نية حول سلوك شخص يشغل وظيفة قضائية أو رسمية أو أية وظيفة عمومية أخري أو يتعلق بأخلاقه الشخصية بقدر ما يظهر أثر تلك الأخلاق في سلوكه ذاك أو إذا كانت المادة المنشورة عبارة عن أبداء الرأي بسلامة نية فيما يتعلق بسلوك شخص في أية مسألة عمومية أو بأخلاقه الشخصية بقدر ما يظهر أثرها في ذلك السلوك ) يتبن من المواد السابقة ذكرها أن هناك شروطا يتطلبها القانون لإباحة القذف في حق الموظف العام ومن في حكمه وهذه الشروط هي : أولا يجب أن يكون القذف موجها إلي موظف عام أو من في حكمه بمعني أنه لا يجوز أبدا القذف بحق الأفراد ، ثانيا أن تكون الوقائع المسندة إلي الموظف العام أو من في حكمه متعلقة بأعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة يتضح أن المشرع يشترط لإباحة القذف وعدم العقاب عليه المرتكب ضد الموظف أن يكون متعلقا بأعمال الوظيفة بمعني أن القذف لا يكون مباحا إذا أنصب علي الحياة الخاصة للموظف العام ويفسر ذلك أن حياة الموظف العام لها جانبان جانب عام وهو ما يتعلق بأعمال الوظيفة وهذا الجانب من حق الجمهور معرفته لتأثيره علي المصلحة العامة ولذا أباح القانون الطعن في الأعمال التي يتصل بها والثاني جانب خاص وهو ما يتصل حياته الشخصية باعتباره فردا عاديا مثال ذلك كل ما يتعلق بحياته العائلية كالزواج والطلاق وعلاقته بجيرانه وكل ما يدخل بحياته الخاصة والأصل أن هذا الجانب لا يهم الجمهور ومن ثم لا يباح الطعن في الأعمال التي تتعلق به ،لكن أحيانا يصعب في بعض الأحوال التمييز بين الأعمال التي تدخل في نطاق الوظيفة وتلك المتصلة بالحياة الخاصة للموظف العام مما قد يكون بينهما من ارتباط وثيق وفي هذه الحالات يباح الطعن في الأعمال المتعلقة بالحياة الخاصة للموظف التي ترتبط بأعمال الوظيفة العامة ارتباط لا يقبل التجزئة ولكن بالقدر الذي يقتضيه هذا الارتباط كأن ينسب شخص إلي قاضي أنه علي علاقة غير مشروعة مع زوجة أحد الخصوم في قضية مطروحة أمامه وتقدير ذلك يترك لقاضي الموضوع هذا السرد المختصر جدا وأقول ذلك لأنه هناك الكثير مما ذكر يحتاج إلي تفصيل وهناك أشياء كثيرة يجب أن يعرفها الصحفي وبالأخص في فلسطين لأن المشرع الفلسطيني قصر باتجاه التشريعات الخاصة بالصحافة وعدم مواكبته الحداثة والتطوير كما أنه لحتي الآن لم يقر قانون العقوبات الفلسطيني والقوانين المعمول فيها بفلسطين يشوبها عدم الوضوح والترتيب مما أثر علي العمل الصحفي كما أن الجامعات الفلسطينية وبالأخص كليات الصحافة يدرس بها مادة خاصة بالصحافة تسمي تشريعات إعلامية يشوبها أخطاء ونواقص كثيرة مما يسبب أيضا حرجا لنقابة الصحفيين مع المؤسسات الأخري لأن خريج الصحافة والمنتمي لها يكون قليل الثقافة القانونية مما يوقعه بأخطاء قانونية مما تؤدي به إلي السجن وللعلم أن هذه المادة تدرس من أساتذة لغة عربية وإعلام وهي بالأصل مادة قانونية وبهذه المناسبة أدعو نقابة الصحفيين ووزارة التعليم العالي الاحتجاج علي ذلك كما أدعو مؤسسات المجتمع المدني الاهتمام بالدورات والندوات المطالبة بتعديل القوانين ذات العلاقة بالعمل الصحفي وإقرار المشرع الفسطيني أحكاما خاصة أن كان من ناحية موضوعية أو إجرائية أسوة بأغلب التشريعات علي كلا يثار سؤال لدي الكثير هل يوسف الشايب برئ أم أنه مدان وسوف يعاقب ، حسب القانون المطبق في قطاع غزة فهو برئ وبراءته واضحة لا تحتاج إلي شرح ويمكن للجميع القراء الرجوع لمواد هذا القانون وهي مادة 207 ومادة 208 ولكن للأسف ونتيجة التميز في فلسطين وحظنا الحلو النابع من وجود عدة قوانين بفلسطين قانون عقوبات بقطاع غزة منذ زمن الانتداب البريطاني وقانون العقوبات الأردني مطبق بالضفة الغربية فأنا محتاج لشرح بعض المسائل القانونية لتوضيح براءة يوسف حسب هذا القانون كون يوسف من سكان الضفة الغربية وتسري مواد هذا القانون عليه وكون هذا القانون ينتابه الغموض والقدم وعدم الترتيب براءة يوسف الشايب ممكنة أولا حسب المادة 77 من هذا القانون والتي تنص علي أنه ( الشريكان في الجريمة المقترفة بالكلام المنقول بالوسائل الآلية علي ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 73 أو في الجريمة المقترفة بأحدي الوسائل المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة نفسها هما صاحب الكلام أو الكتابة والناشر الأ أن يثبت الأول أن النشر تم دون رضاه ) يقصد بصاحب الكلام الصحفي ويقصد بالناشر رئيس التحرير وهذا ما تفسره المادة 78 من نفس القانون حيث نصت علي أنه ( عندما تقترف الجريمة بواسطة الصحف يعد ناشرا مدير الصحيفة المسئول فإذا لم يكن من مدير فالمحرر المسئول أو رئيس التحرير أذن يتبن من المواد السابق التالي أن رئيس التحرير حسب القانون الأردني يحاكم بنفس العقوبة التي يحاكم بها الصحفي كاتب المقال وهذا ما يطلق عليه فقهاء القانون المسئولية المفترضة والتي علي أساسها يعاقب رئيس التحرير لأن القانون يفترض علمه ومعرفته وموافقته علي النشر كونه المهيمن علي النشر والمشرف الفعلي علي الصحيفة ولا يمكن نشر أي مقال بدون علمه وموافقته وللعلم الوضع مختلف بقانون العقوبات المطبق بقطاع غزة بالنسبة للمسئولية المفترضة كما أن القانون المصري وحسب حكم صدر من المحكمة الدستورية العليا تم إلغاء المسئولية المفترضة لأنها تخالف مبدأ المسئولية الجنائية الشخصية ولكن مازال معمول فيها بالأردن وعنا ، وهذا يحتاج نقاش طويل من المؤسسات المدنية ونضال من نقابة الصحفيين لمطالبة بإلغاء ذلك علي كلا نستطيع القول أن اعتذار صحيفة الغد الأردنية للسفارة الفلسطينية أو للوزارة الخارجية لا يفيدها أمام صراحة النص بمعني أنها لا تستطيع الإفلات من العقاب فهي تتحمل المسئولية عن هذه الجريمة بكل الأحوال أما المراسل يوسف فهو يبرئ من التهمة بمجرد أن يذكر أن النشر تم دون علمه ورضاه فهو مراسل لا غير يقوم بإرسال معلومات تصلوا أو يتحصل عليها ومن ثم يرسلها إلي رئيس تحرير الصحيفة الذي بدوره يأمر بالنشر من عدمه وللعلم أن قانون النشر والمطبوعات الفلسطيني والأردني وحتي المصري اشترطا في ترخيص أي صحيفة وجود رئيس تحرير يتحمل المسئولية عما ينشر بصحيفته ثانيا وهذا ما يحتاج للتفصيل المختصر لقد ذكرنا سابقا أن القذف بالأساس عمل غير مشروع ومجرم ولكن المشرع أباح القذف بحق الموظف العام أو من في حكمه وعلة ذلك ترجع لأهمية الأعمال التي يقوم بها الموظف العام بالنسبة للمجتمع وخطورة التقصير أو الانحراف في أداء هذه الأعمال فالمصلحة العامة تقضي أن يقوم الموظف العام بأداء وظيفته علي أكمل وجه كما أنها تتطلب كشف أي خلل أو انحراف يشوب أعمال الوظيفة لكي يتمكن المجتمع من تفادي أي خطر يهدد مصلحته من ناحية ويعاقب الموظف المنحرف عما ارتكبه من ناحية أخري فمن يكشف هذا الانحراف يؤدي خدمة للمجتمع ومن ثم لا يسأل عما قد تضمنه فعله من قذف ضد الموظف العام لأن المشرع يغلب المصلحة العامة في أن تؤدي الوظيفة العامة علي نحو سليم علي المصلحة الخاصة للموظف وسمعته وشرفه واعتباره ولكن يشترط المشرع شروطا لإباحة القذف وقد ذكرنا منهم اثنان نص عليهم صراحة والثالث فهم من مجموع النصوص للأسباب التي ذكرناها سابقا عن القوانين المطبقة بفلسطين من عدم الوضوح والترتيب وهذا بخلاف القانون المصري الذي يواكب الحداثة بجهد من الباحثين القانونين والإعلاميين والقضاة ونقابة الصحفيين والمؤسسات المدنية هذا الشرط هو حسن النية / لتوافر شرط حسن النية لدي القاذف يفترض وجود أمرين الأول الاعتقاد بصحة وقائع القذف من جهة ومن جهة أخري أن يكون القاذف هدفه خدمة المصلحة العامة وليس مجرد التجريح والتشهير حتي لو كانت المعلومات غير صحيحة مع وجود هذا الشرط يتبرأ المتهم بشرط أن لا يزيد عليها وهناك أحكام كثيرة بمصر صادرة من أعظم المحاكم بالعالم وهي محكمة النقض المصرية برأت الصحفي ويمكن للجميع للرجوع لأحكام هذه المحكمة والتي عملت بكل أمانة وصدق وأنصفت الجميع، والسؤال الذي يثار هل يوسف الشايب كان حسن النية وذلك لو افترضنا أنه أعطي موافقته للرئيس التحرير علي نشر المقال المتضمن قذفا أي بمعني كان الصحفي يستهدف المصلحة العامة وكان يعتقد صحة المعلومات التي وصلته وأنه قدر الأمور التي نسبها إلي الموظف العام تقديرا كافيا أنا أعتقد أن صحفي بحجم يوسف الشايب قد قدر ذلك وتحري بالقدر المتاح له وأنه من المؤكد كان يستهدف المصلحة العامة وهذا يمكن استخلاصه من وقائع القضية ويترك لقاضي الموضوع تقديره والأمر سهل استبيانه مع وجود قضاة نزيه في بلدنا هذا الشرط كان يتم تبرئة المتهم علي أساسه بمصر قبل تعديل قانون العقوبات سنة 1995 وتعديلات 2006 وللعلم معظم التعديلات كانت لإتاحة الحرية وحماية العمل الصحفي في مصر ولكن أصبح هذا الشرط لا يعمل به بمصر واستبدل بعبارة أهم ويا حبذا لو تم المطالبة من نقابة الصحفيين بإضافة هذه العبارة بقانوننا وهي أن لسلطة التحقيق أو المحكمة بحسب الأحوال أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما لديها من أوراق أو مستندات معززة لما يقدمه المتهم من أدلة لإثبات حقيقة تلك الأفعال وهذه العبارة لو كانت ضمن قانوننا لإفادة يوسف جدا وذلك لإجبار السفارة ووزارة الخارجية والأجهزة الأمنية بإبراز أي معلومات لديها لإثبات الوقائع التي نسبها يوسف ولكن للأسف لا تستطيع المحكمة مع عدم وجود نص صريح يلزم هذه الجهات عودة لشرح شرط حسن النية أن هذا الشرط لو توافر حسب القوانين التي تعتبره شرطا لإباحة القذف فيوسف برئ فهل قانون العقوبات الأردني يشترط ذلك هنا السؤال المهم ، الإجابة نعم القانون الأردني يعتبره شرطا لإباحة القذف ولكن يحتاج الأمر لاستنباط هذا الشرط من المواد لعدم الوضوح الذي ينتاب هذا القانون بالعودة للمادة 192 من قانون العقوبات الأردني التي أجازت الطعن بالموظف العام فهي لم تعتبر حسن النية شرطا من شروط الإباحة بحق الموظف العام وآنما اشترطت لإباحة القذف أثبات القاذف صحة ما قذف به المقذوف أو الموظف العام ولكن المادة 198 نصت علي حسن النية كشرطا لإباحة القذف حيث نصت علي أنه ( يكون نشر الموضوع المكون للذم والقدح مستثني من المؤاخذة بشرط وقوعه بسلامة نية . . . . . ) ولقد تم نقل هذه المادة عن المادة 207 من القانون الفلسطيني المطبق بقطاع غزة وهي الأصل التاريخي لهذه المادة وهذه المادة تناولت الأفعال المستثناة من العقاب علي أساس بعض الشروط وهذه الحالات هي ما يتعلق بنشر أراء ومواد بسلامة نية حول سلوك بعض الموظفين وهذا ما لم يرد النص عليها بالقانون الأردني وهذا مستغرب لأنه جعل مرجعيته التشريعية قانون العقوبات الفلسطيني في هذا المقام وكان يتعين عليه أن يمضي في هذا الطريق حتي النهاية لأن مسلكه هذا أنعكس علي خطته بالتشويش والارتباك والسهو وعلي أية حال وبناءأ علي هذه المادة يكون القذف مباحا لتوافره حسب المادة المذكورة والذي يعني اعتقاد الناشر بصحة ما نشره أو اهتمام الناشر الاهتمام اللازم للتأكد من صحة المادة المنشورة أو عدم صحتها هذا إذا كانت المادة غير صحيحة أما إذا كانت المادة صحيحة فأن سلامة النية متحققة سواء كان يعتقد بعدم صحتها أو لم يهتم الاهتمام اللازم للتأكد من صحتها وهذا استنتاجا من نص المادة 208 من قانون العقوبات المطبق بقطاع غزة في إيضاحه لسلامة النية المنصوص عليها في المادة 207 والتي تعتبر كما ذكرنا المصدر التاريخي لنص المادة 199 من قانون العقوبات الأردني وهذا مؤدى الطرائق الأصولية بالتفسير وقد بين المشرع الفلسطيني في المادة 208 مفهوم سلامة النية المنصوص عليها بالمادة 207 والتي يجب حسب الأصول أعمالها في القانون الأردني حيث نصت علي أنه ( لا تتوافر سلامة النية في نشر المادة المكونة للقذف حسب المعني المقصود من المادة السابقة في أي من الأحوال الآتية إذا ظهر أن المادة غير صحيحة وأن الشخص الذي نشرها لم يكن يعتقد صحتها ، إذا ظهر أن المادة غير صحيحة وأن الشخص الذي نشرها لم يهتم الاهتمام اللازم للتأكد من صحتها أو عدم صحتها ) وبمفهوم المخالفة حسب المادة السابقة فأن حسن النية يعد متوافرا أن تخلف شرط واحد منهما وتوافر الشرط الأخر وعدم صحة المادة يوفر حسن النية إذا كان الناشر يعتقد بصحتها وصحة المادة توفر حسن النية إذا كان يعتقد بعدم صحتها وإن كانت المادة غير صحيحة وأن الشخص الذي نشرها لم يهتم الاهتمام اللازم للتأكد من صحتها فأنه لا يتوفر حينها سلامة النية أي بمعني أن الصحفي لو نشر أخبار غير صحيحة وقد أهتم الاهتمام اللازم من التأكد من صحتها ونشرت وهي غير صحيحة فأنه يفلت من العقاب ويستفيد من الإباحة كما تحدث المادة 209 من قانون العقوبات الفلسطيني والتي تنص علي أنه ( إذا أقيم الدليل بالنيابة عن المتهم علي أن نشر المادة المكونة للقذف قد وقع في أحوال تبرر نشرها فيما لو كانت قد نشرت بسلامة نية فيؤخذ ذلك كبينة قرينة علي أن النشر قد وقع بسلامة نية إلي أن يثبت العكس ) ويقول فقهاء القانون في الأردن تعليقا علي ذلك أن المشرع الأردني تبني خطة مشوشة بل ومربكة إلي حد الذي يقف إزاءها رجال القانون حياري في حالات كثيرة بالنسبة للنصوص الناظمة للذم والقدح بحق الموظفين وأنها غير كافية لتوفير حماية لهم من توجيه القذف ضد من يقوم بتوجيه القذف لهم ولذلك فتح المجال للقاذف للإفلات من العقاب لأنه أتاح للقاذف أن يدفع بأسباب الإباحة أو الغلط بالإباحة مستندا إلي أكثر من نص أو سبب ومنها حسن النية حسب المادة 199وما يهم بقولهم أنهم أقروا بوجود شرط حسن النية وهو الشرط الذي يجب أن يدفع به الصحفي يوسف الشايب لتبرئة نفسه أو الدفع بعدم رضاه علي النشر وأنه تم بدون علمه ونؤكد مرة ثانية أن صحيفة الغد الأردنية لا يفيدها الاعتذار للإفلات من الجريمة