خبر : تحقيق: شيعة العراق يخشون من استعادة السنَة في سوريا زمام الحكم وظهور "السفياني"

الجمعة 02 مارس 2012 02:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
تحقيق: شيعة العراق يخشون من استعادة السنَة في سوريا زمام الحكم وظهور "السفياني"



النجف (العراق)- نشرت صحيفة "انترناشنال هيرالد تربيون" اليوم الخميس تقريراً من مراسلها تم ارانغو بعث به من مدينة النجف العراقية تحت عنوان "الخوف من استيلاء السنَة عللى السلطة في سوريا" عن خوف الشيعة في العراق من احتمال عودة السنة الى تولي زمام الحكم في سوريا. وهنا نص التقرير: "هرب أبو علي بحياته كرجل دين شيعي وطالب في حمص، المدينة السورية المحاصرة ومعقل انتفاضة دموية للغاية، لكن الحكومة ليست ما أخافه. كان يخشى الثوار، الذين قتلوا ثلاثة من أولاد عمه في كانون الاول (ديسمبر)، والقوا بجثة أحدهم في صندوق القمامة الخاص بالعائلة. قال من هذه المدينة الدينية العراقية التي التجأ إليها: "لا استطيع البقاء في حمص لأني كنت ساقتل هناك. ليس أنا فقط، بل كل الشيعة". مثل كل نظرائه الشيعة في العراق، يستخدم ابو علي اسما مستعارا لحماية عائلته في سوريا، وهو يعتبر الثوار السوريين إرهابيين، وليسوا مقاتلين من أجل الحرية، وهو ما يظهر بقوة تعقيدات صراع طائفي دموي تواصل مع فشل الجهود الدبلوماسية. وعلى الرغم من استعداد بشار الأسد لإطلاق يد الجيش السوري المحترف ضد السكان المدنيين، مع كل النتائج القاتلة التي ستترتب على ذلك، فهو يحتفظ ببعض التأييد في بلاده وفي الخارج من حلفاء بينهم اقليات دينية وعرقية اعتمدت على الدولة البوليسية للحماية من الاعتداءات الطائفية. قال ابو علي مرددا دعاية حكومة الأسد: "ما تقوم به الحكومة هو محاولة حماية الشعب. هم يستهدفون الجماعات الإرهابية في المنطقة". الثورة التي تقودها افي سوريا الغالبية السنية المعارضة لحكومة يسيطر عليها العلويون أتباع طائفة متفرعة عن الشيعة، يتزايد الغموض حول مصيرها كما انها خطرة لأنها تضخم التوترات الطائفية وراء حدود سوريا في منطقة هزتها بالفعل الانقسامات الدينية والعرقية. وبالنسبة الى كثيرين في المنطقة، لا يتعلق القتال في سوريا بتحرير شعب يعاني من الدكتاتورية، بل يتمحور حول السلطة والمصالح الذاتية. وتجتذب سوريا القوى الطائفية من جيرانها، ما يهدد باتساع الصراع إلى مواجهة واسعة النطاق. وهناك بالفعل شرارات في لبنان المجاور، حيث وقعت مناوشات بين السنة والعلويين. هنا في العراق، حيث الشيعة غالبية، وضعت احداث سوريا الشعب على حافة الخطر والانقسام الطائفي. وكما لاحظ أبو علي، فالشيعة العراقيون يؤيدون دكتاتورية بعثية في سوريا، بعد أقل من عقد على إطاحة الغزو الأميركي بحكم صدام حسين وحزب البعث العراقي الذي قمع الشيعة واضطهدهم. قال الشيخ علي النجيفي، أحد أبناء واحد من كبار رجال الدين الشيعة في النجف، والناطق الرئيسي باسمه: "هذا أمر صعب. لكن الأسوأ هو ما سيأتي بعد ذلك". لقد كشفت المفارقة المتمثلة في دعم الشيعة لدكتاتور بعثي في جوارهم عن عقيدة من عقائد بنية السلطة السابقة ساعدت لفترة طويلة في بقاء حكام الشرق الأوسط. فالأقليات تظل موالية ومطيعة في مقابل منحها مجالا لإقامة مجتمعاتها الخاصة، حتى ولو كانت تتعرض لتمييز أكبر ضدها. وفي الوقت الذي سقط فيه دكتاتوريون في دول مجاورة، فإن الهويات العرقية والتحالفات لم تزد إلا قوة، بينما يظل تجذر أفكار المواطنة بطيئاً. وتفاقم القتال في سوريا إلى حد أن الشيعة يقلقون من أن تسلُّم السنة الحكم في سوريا ربما لا يعني حربا طائفية جديدة فقط، بل نبوءة بكارثة غيبية. ويقول الناس هنا أن ذلك ليس مجازا، لكنه مفهوم مترسخ في العقيدة. بعض الشيعة هنا يرون الحرب الأهلية المنتشرة في سوريا نذيرا ببداية تحقق نبوءة شيعية تسبق نهاية الزمان. وحسب إحدى المتوارثات الشيعية، فالسفياني- وهو شخصية شبيهة غيبية بالشيطان وفقا للعقيدة الإسلامية- سيجمع جيشا في سوريا بعد السيطرة على تلك البلاد ويصب غضبه على شيعة العراق. وقال النجيفي: "من بين القصص، التي وردت عن النبي وآله، أن السفياني سيخرج ويبدأ في قتل المؤمنين في سوريا، ثم يأتي إلى العراق حيث ستحدث اعمال قتل كثيرة ومجازر". وأضاف إن الاحداث في سوريا "مشابهة، ولكنها ليست مطابقة تماما" لقصة السفياني. وبالاستعانة بالتاريخ الذي يحفظه استذكر حصار النجف واقتحام كربلاء، وهي مدينة مقدسة أخرى الى الشمال، اوائل القرن التاسع عشر من جانب متطرفين من السنة، وهو غزو أثار نفس المخاوف الكارثية الموجودة لدى الشيعة حاليا. وفي الحلة، وهي مدينة شيعية أخرى إلى الشمال، قال محمد توفيق الربيعي، ممثل آية الله علي السيستاني أكبر مرجعية للشيعة في العراق:"نتمنى السلامة لبشار الأسد، لكن نبوءات كتب الشيعة تتوقع أن يُقتل". وأوضح الربيعي أن ما يؤمن به الشيعة سيحدث إذا تمت الإطاحة بالأسد من جانب السنة. وأضاف:"نتوقع أن الدماء ستجري أنهارا في العراق إذا تولى السنة الحكم في سوريا، لانهم يعتقدون أن الشيعة كفار، وأن حياتنا واموالنا ونساءنا حلال لهم، وأن قتلنا من متطلبات دخول الجنة". وفي الوقت الذي تدرس فيه الحكومات الغربية والعربية الخطوات لوقف سفك الدماء- وهي الخيارات التي تشمل تصعيد الجهود الدبلوماسية وتسليح الثوار أو التدخل العسكري- فإن هذه المناقشات تتعرقل بسبب نقص التوافق بين فصائل المعارضة السورية، وهذا دليل على أن عددا من الثوار ربما يكونون مرتبطين بـ"القاعدة "، كما ان هناك تقارير موثوقة عن أعمال قتل على الخلفية الطائفية. في قلب مشكلة الوحدة قضية الانتماء الطائفي. فالراديكاليون السنة المنتمون لدولة العراق الاسلامية، وهي مظلة تضم الفرع المحلي للـ"القاعدة" حضت الناس على الذهاب الى سوريا، وهذا ما يجعل من الاصعب على الغرب ان تدعم المعارضة. وقد نشرت المجموعة في الآونة الاخيرة على موقعها الاليكتروني بياناً يدعو لموجة عنف جديدة ضد الشيعة هنا في العراق، وفقاً لمجموعة "سايت انتليجنس غروب" التي ترصد اتصالات المجموعات الجهادية. وامام الاقليات السورية مثال العراق لدى النظر الى مستقبلها اذا ما سقط حكم الاسد: اذ اضطهد مسيحيون اشوريون ويزيديون وغيرهم بوحشية على ايدي المتمردين. وفي مصر، حيث اطيح بنظام حكم مشابه قاده الدكتاتور حسني مبارك الذي بقي في السلطة مدة طويلة، تعرض المسيحيون لمزيد من العنف الطائفي ومزيد من التهميش السياسي وصلة متزايدة بين الهوية الاسلامية والمواطَنَة. قال الاب برناردو سيرفيلليرا، رئيس تحرير "آسيا نوز"، وهي وكالة انباء كاثوليكية ان "المسيحيين كلهم يقولون ان سوريا معرضة لخطر ان تصبح العراق الجديد، اي بلداً مقسماً وفقاً لخطوط طائفية ودينية لا يوجد فيه مكان للمسيحيين". واضاف ان سوريا التي ليست ديموقراطية "تحميهم على الاقل". تذكر ابو علي سماع شعارات مناوئة للشيعة رددها في حمص المسلحون الثوار المعارضون لتحلف سوريا مع ايران التي هي، كالعراق، دولة ذات غالبية شيعية في منطقة غالبيتها من السنَة. وقال انه سمع هتافات تقول "يا مسيحي عبيروت، ويا علوي روح موت". في النجف جلس ابو علي في احد ايام الاحد في الآونة الاخيرة على مقعد في مكتب زعيم ديني محلي اجاره. وفي الخارج كانت دجاجات تجوب شوارع ضيقة توجد على جوانبها منازل خرسانية ذات اسطح مسطحة وتزاحم على المساحة نساءً متلفعات بعباءات سوداء ورجال امن يحرسون المكتب ببنادقهم. عند نقطة التفتيش الرئيسة في مشارف المدينة، توجد لافتة تعلن ان النجف، التي يأتي اليها ملايين الناس سنوياً لزيارة ضريح الامام علي، هي "عاصمة الثقافة الاسلامية" لهذا العام. في ذلك اليوم كانت سوريا تجري استفتاءً على دستور جديد، في جهد من جانب حكومة الاسد للاصلاح اعتبره قسم كبير من المجتمع الدولي مهزلة، لكن ابا علي عبر عن اعتقاده بانه خطوة حسنة النية لوقف العنف. قال: "طبعاً الحكومة بحاجة لاجراء اصلاحات، ويجب ان يكون هناك مزيد من الحرية ومزيد من الحقوق. الحكومة تحاول اجراء اصلاحات، ولكن لا احد يستمع". لكنه قال ان اكثر ما يخشاه هو ان سوريا تسير في نفس الطريق الدموية التي اتبعها العراق بعد الغزو الاميركي. وقال: "في الاحياء التي هي سنية، يطردون الشيعة ويستخدمون منازلهم قواعد لخزن الاسلحة". واضاف: "يوجد رعب حقيقي في اوساط الشيعة هناك".