يمكن بل يجب النظر إلى مجزرة بورسعيد ضمن أربع مستويات مركبة ومتداخلة سياسية، أمنية قضائية ورياضية، علماً أن المستوى الأخير رغم ثرثرات الرعاع الجهلة والأغبياء هو الأكثر أهمية وجوهرية ومركزية لمقاربة المجزرة البورسعيدية البشعة.سياسياً لا يمكن تجاهل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المحروسة حالياً، والتي يتحمل مسؤولياتها بشكل أساسي العسكر الذين حكموا مصر خلال الستين عاماً الماضية وهمّشوا وأضعفوا بشكل منهجي ومتعمد ومتواصل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وجيّروا الدولة كما الحياة السياسية برمتها لصالح النظام ثم الشخص والعائلة بعيداً عن المشاركة الشعبية والجماهيرية الفاعلة إلا في سياق التطبيل والتزمير للحاكم والزعيم القائد. ومن المنطقي أن يؤدي زوال نظام تصرف بهذه الذهنية إلى حالة من الفراغ والفوضى لا يمكن الخروج منها بشكل نهائي لا خلال شهور ولا حتى سنوات أيضاً.لا يمكن أيضاً إنكار حالة التدهور الأمني والتقصير شبه المتعمد في مصر عامة وبورسعيد خاصة، والناتجة بدورها عن الهدم المنهجي والمتعمد للمؤسسات، كما للعلاقة بين الشرطة والمواطن والذي تم خلال ستين عاماً أيضاً. وهنا وللإنصاف والأمانة لا يُرى فرق بين ما ارتكبه صلاح نصر من فظائع وتنكيل بالمعارضين السياسين وابتزاز بحق النخب الفكرية الثقافية والفنية وبين ما فعله حبيب العادلي الذي جير الدولة ووزارة الداخلية ومؤسساتها لخدمة العائلة الحاكمة، كما لنزواته الشخصية وصولاً إلى التدخل في مستويات الحياة المختلفة للمواطنين، وحتى تغيير القاعدة الشهيرة الشرطة في خدمة الشعب إلى الشرطة والشعب في خدمة الوطن رغم أن هذه لم تكن سوى الاسم الحركي لعبارة الشعب والوطن في خدمة الشرطة القائمة بدورها في خدمة وحماية نظام العائلة.في المستوى القانوني، يمكن الإشارة إلى سرعة السلحفاة التي يتحرك بها النظام القضائي والراجعة أيضاً إلى أسباب ذاتية وموضوعية لها علاقة بميل السلطة التنفيذية التاريخية إلى إخضاع السلطة الثالثة ترويضها، وعدم إتاحة المجال والإمكانيات أمامها للقيام بدورها كما ينبغي وطبيعي أن ما هدم خلال ستين عاماً لا يعاد بناؤه خلال سنة ولا حتى سنوات، وهو ما يفسر عجز المؤسسات القضائية عن مواكبة الثورة والتصدي الحازم والحاسم لمشكلة البلطجة المتفشية، خاصة في ظل الفراغ الأمنى وتراجع هيبة الشرطة وأجهزتها المختلفة التي جيرت لعقود للتنكيل وإهانة المواطن وليس لخدمته وأمنه وراحته.المستوى الرابع رياضي يتعلق أولاً باتحاد الكرة الذي يديره مجموعة من أزلام النظام السابق الانتهازيين الباحثين عن مصلحتهم الشخصية والمنشغلين بخلافاتهم الصغيرة وفضائحهم الكبيرة والعلنية والعاجزين عن إدارة ملفات الشؤون والشجون الرياضية، كما ينبغي، أولاً التصدي للفساد والفاسدين كون فاقد الشيء لا يعطيه، ومن أوصل الأمور مع الجزائر إلى حافة الاقتتال والحرب والقطيعة، للتغطية على الفشل المهني لن يكون قادراً على منع مجزرة كهذه ولو امتلك هؤلاء الحد الأدنى من الحياء والمناقبية والمصداقية لاستقالوا بعد الثورة مباشرة وبعد سقوط أولياء نعمتهم، ولكان بإمكان أى مسؤول يملك الحد الأدنى من النزاهة والاستقامة والصرامة والمصداقية منع المجزرة البشعة التي ارتكبت بحق الأهلي وجماهيره في "بورتعيس" بور سعيد سابقاً.غير أن من يتحمل المسؤولية المركزية وعكس ما يقوله الجهلة والأغبياء من المحللين الرياضيين هو النادي المصري وجمهوره من الرعاع الذين أعماهم التعصب وظنوا أنهم رجال أو زعران، بالأحرى كي يحققوا بالبلطجية والعنف والجرائم ما عجزوا أو عجز فريقهم عن تحقيقه بالميدان خلال العقود الماضية التي كان الجمهور يتصرف فيها بشكل منفلت وهمجي دون أى رادع أو عقاب أو محاسبة.بدا الأمر منذ سنوات ضد الأهلي البطل الدائم ومصدر العقدة للفاشلين والفاسدين وتوسع ليطال كل الفرق التي تزور بورتعيس من الزمالك، الموسم الماضي، إلى سموحة التي ضرب مدربها ميمى عبد الرازق -ابن بور تعيس- من قبل مسؤول رسمي بالنادي المصري حتى فقد بصره بشكل مؤقت وصولاً إلى الاتحاد السكندري الذي "اتضرب واتغلب" حسب تصريح رئيسه عفت السادات. وكل ذلك دون أي عقاب أو محاسبة أو تحمل للمسؤولية من قبل اتحاد الكرة أو النادي أو أي من المؤسسات الرياضية والأمنية الأخرى.ويوم المجزرة بدا التحرش بالأهلي وجماهيره قبل المباراة بساعات، حتى وهم في الباصات في طريقهم إلى المباراة المشؤومة، ثم ألقيت الأسهم النارية باتجاه حارس المرمى شريف إكرامى ومدربه أحمد ناجي وبقية الفريق أثناء إجراء تمرينات التسخين، واقتحم الرعاع أرض الملعب قبل المباراة وبين الشوطين دون أن يرى أي من المسؤولين والمراقبين الرياضيين والأمنيين العنوان المكتوب بخط عريض على الحائط حيث تتجه الأوضاع إلى الكارثة ودون امتلاك الإرادة والقدرة والشجاعة على فعل اللازم لحماية الأهلي وجماهيره وتطبيق القانون بصرامة وشفافية ونزاهة.مع كامل الانتباه للمستويات الثلاث الاولى إلا أن المستوى الأهم والمباشر هو الرياضي، وجيد أن تقدَّم مجلس إدارة الاتحاد باستقالته، رغم أن الخطة جاءت متأخرة، وأنه لا بد من تعيين لجنة مؤقتة لتسيير الأوضاع لسنة أو أقل قليلاً، تضمن شخصيات نزيهة وكفؤة تأخذ على عاتقها مواكبة الثورة وتنظيف الساحة الرياضية وملحقاتها من الفلول والفاسدين، على أن تكون الأولوية للقصاص من القتلة عبر تسريع الملاحقات القضائية وفضح المتورطين والمتواطئين من الشياطين الذين أخفوا المعلومات والحقائق عن لجان التحقيق المعنية ولو بالصمت المعيب والإجرامي. إضافة إلى إغلاق استاد بورتعيس لأجل غير مسمى مع تحويل اسمه إلى استاد الشهداء وهبوط النادي الذي كان مصرياً إلى الدرجة الرابعة للبدء من جديد وفق أسس مختلفة وشفافة تطال مختلف المؤسسات الرياضية ذات الصلة، وبدون ذلك ستنهار المنظومة الكروية بالكامل ولن يجرؤ النادي المصري سابقاً أو أي فريق من بورتعيس - بور سعيد - على التجوّل في أي مدينة مصرية وستتكرّس حالة الحرب الأهلية ولو على المستوى الرياضي والكروي. فى القصاص حياة لأولي الألباب، وهذا ما ينبغي أن يكون البند الأول على جدول أعمال الاتحاد ولجنة التسيير بدعم كامل من المؤسسات الأخرى المعنية السياسية والأمنية والقضائية.مدير مركز شرق المتوسط للاعلام