في الصور على مواقع الانترنت السورية يظهر جنود الجيش السوري الحر يجتازون جدولا يفصل بين سوريا وشمالي لبنان، وعلى ظهورهم مواطنين اصيبوا في المعارك في سوريا. هدفهم هو مدينة طرابلس، معقل المواطنين السُنة والفلسطينيين والتي في نطاقها اقيم مستشفى طوارىء لمعالجة جرحى الجيش السوري الحر. مراسل الصحيفة اللبنانية "الاخبار"، الذي زار المدينة، يروي بان في المستشفى، الذي تنقصه وسائل اجراء العمليات والادوية الحيوية، يعالج جرحى الجيش الفارين على أيدي طبيب بيطري، جاء من السعودية لمساعدة الثوار السوريين. المسافة بين طرابلس وحمص السورية، والتي جرت فيها في نهاية الاسبوع مذبحة لاكثر من 300 شخص، هي نحو 80كم على الطريق الرئيس، ولكن بين المدينتين توجد منطقة وادي خالد، على الحدود تماما، ونحو القرى الصغيرة فيه، المأهولة في معظمها بالمواطنين السنة، يهرب مواطنون من حمص وقضائها. الكثيرون منهم ينضمون الى الجيش السوري الحر، الذي أقام في الجانب اللبناني قواعد لوجستية، مركز اتصالات، وبالاساس قاعدة تهريب للسلاح والذخيرة. على مدى عشرات السنين كانت هذه المنطقة بعيدة عن العين والقلب من حكومات لبنان. وهذه هي احدى المقاطعات الفقيرة والمستضعفة، وأساس عمل سكانها كان تهريب البضائع بين سوريا ولبنان. اما الان، فان خبراتهم ومعرفتهم للمنطقة وبالاساس المعابر المريحة لاجتياز الحدود تستخدم كذخر استراتيجي للجيش السوري الحر. وبدلا من تهريب أجهزة التلفزيون، البضائع الغذائية وقطع الغيار في الايام العادية، أصبحوا موردي سلاح ومرشدين لتهريب الناس من سوريا. كما ان ميليشيا زعران النظام، "الشبيحة"، تعرف المنطقة جيدا. فقبل العصيان المدني ارتزق الكثير منهم من ذات التهريب في الجانب السوري من الحدود. والان تجدهم يعملون في خدمة الجيش السوري، ومهمتهم منع تهريب رجال الجيش السوري الحر، زرع الالغام في معابر الحدود والمس بمن يحاول تهريب السلاح. ولكن، منطقة وادي خالد في لبنان ليست فقط ميدان قتال بين المهربين المؤيدين للنظام السوري وبين المهربين من مؤيدي الجيش السوري الحر. الى هذه المنطقة السائبة، التي لا يصل اليها الجيش اللبناني، تجتذب ايضا قوات من شأنها أن تحرف الحرب في سوريا الى اتجاهات جديدة. من تقارير الصحف الاجنبية واللبنانية يتبين بان نشطاء القاعدة أيضا يرون في الحرب في سوريا فرصة لاقامة قاعدة عمل جديدة في الدولة، التي حرصت حتى الان على ابعادهم عن اراضيها. وهكذا، مثلا، وصل الى لبنان نشطاء القاعدة من ليبيا ومن العراق، وهم يعملون منذ الان على "استطلاع المنطقة وفحص الامكانيات والشروع في العمل ضد النظام السوري"، كما افاد مراسل صحيفة "الاخبار". تقارير اخرى تفيد بانه على الحدود بين سوريا ولبنان يعمل الان عشرات اعضاء منظمات الجهاد اللبنانية، التي تجبي "تبرعات" لقاء نقل البضائع والاشخاص. دعاة دين متطرفون يصدرون فتاوى لجنود الجيش السوري الحر، وهكذا يمنحون نشاطهم بعدا من الحرب المقدسة.كما أن كتائب الجيش السوري الحر تتبنى جوانب دينية: فمثلا تحمل الوحدات اسماء أبطال من عهد الاسلام الاول. تجنيد الفارين للجيش الحر يعتمد أيضا على اقناع ديني وطائفي، الرسالة الاساس فيه هي الحرب ضد "الكفار العلويين" الذين نزعوا من الدولة دينها "الحقيقي والصحيح" ودحروا جانبا المؤمنين السنة. فهل تحولت سوريا الى قاعدة عمل جديدة للقاعدة، بعد أن دحرت من العراق؟ هذا هو التهديد الذي يخشون منه ليس فقط في الغرب بل وفي سوريا أيضا، وبقدر لا يقل عن ذلك في لبنان، حيث قد تتطور معركة بين حزب الله ومؤيديه وبين المتطرفين السنة. الحساب الطائفي العنيف بين السنة، نحو 70 في المائة من السكان، وبين العلويين، الذين تبلغ نسبتهم نحو 17 في المائة – يدخل 2.5 مليون مسيحي في لبنان، نحو 10 في المائة من السكان في معضلة شديدة. معظمهم قرروا حتى الان الانتظار لرؤية كيف ستتطور الامور. وأمام ناظريهم يقف التهديد الذي اطلقه الاسد على مسمع القيادة المسيحية قبل عشرة اشهر: "أيدوني وإلا فان رجالكم سيعانون". بعض من زعمائهم، مثل المطران غريغوريوس الثالث، رئيس طائفة الروم الكاثوليك، يؤيدون الرئيس. آخرون يقللون من اسماع صوتهم ويتعرضون للانتقاد من المعارضة على أنهم لا ينضمون الى الخطوة الثورية.بين تهديدات الاسد وانتقاد المعارضة، يقلق المسيحيون من امكانية ان تتحول سوريا أخيرا الى دولة اسلامية سنية متطرفة، تصفي معهم الحساب على أنهم ايدوا الاسد ولم ينضموا الى الثورة على حد سواء. الاسد، مثل صدام حسين في العراق، يعرض نفسه كمن يستطيع هو وحده منع انحلال سوريا الى مقاطعات وتحويل العصيان المدني الى حرب أهلية. القلق من امكانية أن تتحول سوريا الى نموذج ثانٍ للعراق ليس غريبا ايضا عن اعضاء الامم المتحدة، الذين يتجادلون حول الطريقة للرد على ما يجري في سوريا. عندما يكون في كفة الميزان الاحتمال الطفيف في اقامة الديمقراطية، حيال خطر الحرب الطائفية، فانهم لا يسارعون الى اسقاط بشار الاسد.