ما إن شخص الامين العام للامم المتحدة بان كيمون الى الشرق الاوسط حتى بادر الى اعلان ان من المرغوب فيه ان تمنح اسرائيل أبو مازن وسلام فياض تفضلات اخرى. والتوجه لزيادة تفضلات ليس معاديا بالضرورة. بعد حقنة الطاقة التي حصلت عليها حماس مع الافراج عن أسراها في صفقة شليط، كان هناك مكان لمعادلة الامور ومنح أبو مازن انجازا ما ايضا لأنه قرر ان يتعاون مع اسرائيل على القضاء على الارهاب في يهودا والسامرة، وهذه تهدئة مريحة لاسرائيل وإن تكن اشكالية من جهة سياسية. وبحذفه الارهاب عن لوح نشاط منظمة التحرير الفلسطينية ينظر العالم الى ميدان الشرق الاوسط وكأنه لا يوجد فيه سوى تمسك اسرائيلي بالمناطق. وهذا خطأ بصري يُثقل على اسرائيل وكأنه حقيقة خالصة. ليست المشكلة التفضلات بل نتائجها. فقد خطت اسرائيل نحو الفلسطينيين وزادت في مرونة موقفها من قضية الحدود شيئا ما. وقد سرب صائب عريقات هذا الاسبوع ان ممثل رئيس الحكومة في المحادثات المحامي اسحق مولخو وافق على ألا تكون سيادة اسرائيلية على معابر الاردن بل حضور لحاجات أمنية فقط. وكان رد بنيامين نتنياهو يثير الاهتمام إذ قال ان الفلسطينيين يسربون خلافا للمتفق عليه، وان اسرائيل ستكون في الأساس موجودة على النهر. لكنه لم يزعم ان سيطرتها على الجسور ستعبر عن السيادة ايضا. هذا تنازل. وهذا تحول الى المرونة، التي قد تكون صغيرة جدا في نظر الفلسطينيين والرباعية والامم المتحدة، لكن هذا سير في الطريق وخطوة اولى قبل ان تبدأ الاتصالات المباشرة. فهل بارك أحد هذا؟ وهل قال أحد ما ان هذه على الأقل خطوة اولى في الاتجاه الصحيح؟ لا شيء، فقد ابتُلع التنازل في التفاوض وسُلم الى الفلسطينيين بلا رد وكان هذا معلوما سلفا. لكن أين الاوروبيون والامريكيون ليُذكروا أبو مازن بأن هذه بداية وإن لم يشبع وبأنه لا توجد وجبات بالمجان. وفي المقابل لماذا تشتكي اسرائيل؟ فالشعور المتطلب منها يخرج منها وليس من اليسار المتطرف ومن الفوضويين خاصة. ففي خطبة خطبها الرئيس شمعون بيرس أول أمس في مؤتمر هرتسليا تحدث عن ان زميله أبو مازن ورئيس الحكومة فياض "هما شريكان أهلان في السلام ولا يريدان الاستمرار في الصراع. وأنا أعلم من أحاديث أجريتها معهما ان هذا هو أملهما الرئيس". بالاعتماد على ماذا؟ على حلاوة لسان لأبو مازن الذي يبرهن ماضيه على العكس ولم يوجد شيء حتى الآن يبرهن على انه قطع صلته به وسار في طريق جديد. لا يوجد في خطبة الرئيس حتى شيء من ذكر ان بنيامين نتنياهو ووزراءه معنيون بالسلام بقدر لا يقل عن شركاء بيرس الفلسطينيين. فرئيس الجانب الاسرائيلي لم يذكر شيئا ألبتة عن اسهام هذا الجانب. فمع توصية كهذه يخرج كل دبلوماسي اجنبي من المؤتمر ويُحدث نفسه قائلا انه حتى الرئيس الاسرائيلي لا ينسب الى ممثلي حكومته شيئا من الرغبة في السلام التي تتقد في قلبي فياض وأبو مازن. ان المشكلات السياسية تبدأ على العموم من الداخل.