هذه ايام حرب في مدن سوريا الرئيسة. لم يعد الحديث عن مظاهرات شوارع بريئة من العنف. فمقاتلو "الجيش السوري الحر" يديرون معارك اطلاق نار في الأزقة في مواجهة وحدات نظامية من الجيش السوري. والحديث في هذه المرحلة عن جهد متراكم للسيطرة على أحياء وضواحي اخرى ولا سيما تلك التي حول دمشق وحمص. وحيثما توجد تجمعات كبيرة لقوات الامن توجد مخاطرة كبيرة لكن يوجد الى جانبها ايضا احتمال ان تنشق وحدات كاملة مع ناسها ومعداتها. الى ما قبل بضعة اشهر، وبحسب شهادات ميدانية، منع التعتيم الاعلامي وغسل الدماغ الذي يستعمله نظام الاسد، منعا جنوده ان يروا الواقع كما هو. واستغرق هذا زمنا الى ان عرفوا الواقع بلقاء مباشر حينما قيدوا الى قمع مراكز احتجاج مدني. فبرغم انه قيل للجنود انهم يؤدون واجبهم الوطني بأن يحاربوا عصابات مسلحة من الارهابيين، فُتحت عيون كثيرة لترى ان الضحايا مدنيون غير مسلحين. ويتحدث قادة انشقوا عن الدهشة التي أصابتهم حينما أدركوا انهم يطلقون النار في الحقيقة على اخوانهم العزل. بعد ذلك واجه كثيرون منهم مسألة المخاطرة. وقد اهتم النظام من جهته بنشر معلومات عن المصير المتوقع للمنشقين. والمشاركة في التفكير في الرغبة في الانشقاق تفضي الى اعدام بلا محاكمة. فكيف حدث اذا ان انشق بضع عشرات من الآلاف ويمضي آخرون على آثارهم؟. يتبين ان الواقع لم يعد اخفاؤه ممكنا. قبل ثلاثين سنة، حينما نفذ حافظ الاسد المجزرة في حماة (شباط 1982)، عمل التعتيم الاعلامي بصورة جيدة. وأُصيب العالم بصدمة حينما تبينت أبعاد المجزرة والدمار وكان ذلك متأخرا بالطبع. وليس معلوما حتى اليوم بالضبط كم ألفا من الناس قتلوا هناك. في القرن الواحد والعشرين أصبحت الامور مختلفة وأصبحت المعلومات بواسطة التكنولوجيا ووسائل اعلامية حديثة مبذولة ومتدفقة داخل سوريا وخارجها. وقد انتظر ضباط وجنود يُعدون الآن في جيش سوريا الحر في الماضي ساعة مناسبة للانشقاق، ويفضل كثيرون الانشقاق مع رفاقهم في الوحدة. ونجحوا في عدة حالات على الأقل في الانشقاق بمقدار سرية بل كتيبة. يؤدي الجيش السوري الحر عدة أدوار في نفس الوقت وفي عدة مراكز نشاط. فالى مقاتلة قوات الامن يقدم ناسه حماية للمدنيين والمتظاهرين. وهم يهتمون ايضا بحماية العيادات الطبية التي تقدم العلاج للجرحى والجنازات ومحاور الحركة، ويحمون الى ذلك اعلاميين ومنهم مراسلون وصحفيون اجانب. تكشف التغطية الجارية للاحداث الدامية بحسب تصور الثوار السوريين والجيش السوري الحر عن صورة النظام بكامل قبحها. وكان من نتيجة ذلك ان زاد الباعث للجنود على الانشقاق ومحاربة النظام. وفي نفس الوقت يتبنى المجتمع الدولي موقفا لمصلحة مواطني سوريا. وتركيا، الى اعلانها عن تأييدها الشعب السوري هي ملاذ لـ "المجلس السوري الوطني" وكبار مسؤولي "الاخوان المسلمين" (السوريين). ومعلوم ان قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد، هرب الى تركيا ويصرف أموره من هناك. وقد تم الكشف عن معلومات كثيرة بواسطة اولئك المنشقين الذين هربوا الى تركيا وقدموا شهادات من مصدر أول على ما يحدث في وحدات الجيش. وأسهمت هذه الشهادات في صياغة صورة عامة عما يجري في سوريا وساعدت بصورة غير مباشرة على صوغ رأي عام معاد لنظام الاسد في تركيا والجامعة العربية وفي المجتمع الدولي. في الاثناء، وحينما أصبحت صور الفظائع من سوريا من نصيب الجميع، أخذ القتال في مدنها يزداد قوة. وتساعد تغطية اعلامية جارية على عرض نظام الاسد لا باعتباره عدو الشعب السوري فحسب بل طاغية يشكل تهديدا اقليميا وتحديا غير صغير للمجتمع الدولي. يبدو ان السؤال المركزي الآن هو هل يحدد مستقبل سوريا بقرارات من الخارج أم على أيدي الثوار من الداخل. وفي الحالتين معا سيظل لوسائل الاعلام دور حاسم في التأثير في مستقبل سوريا السياسي.