خبر : دين المحرقة/ بقلم: ميراف ميخائيلي /هآرتس 30/1/2012

الإثنين 30 يناير 2012 11:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دين المحرقة/ بقلم: ميراف ميخائيلي /هآرتس  30/1/2012



"يؤمن 80 في المائة من اليهود في اسرائيل بوجود الله" – هكذا قال عنوان صحيفة "هآرتس" في الاسبوع الماضي الذي تناول استطلاعا للرأي عن معهد غوتمان (نير حسون، 27/1). بيد أن مسألة الايمان بالله هي المعطى الاقل اهمية في استطلاع الرأي؛ فقد حدث حقا ارتفاع واضح لصلة الاسرائيليين بالدين في العقد الاخير لكن معناها في واقع الامر العودة الى وضع كان موجودا هنا قبل عشر سنين.  تم القياس الاول في 1991 وكانت المعطيات مشابهة لتلك التي وجدت الان. وتم القياس الثاني في 1999 حينما كان المهاجرون من الاتحاد السوفييتي قد وصلوا الى هنا لكنهم لم يستوعبوا حتى ذلك الحين استيعابا تاما ومن هنا أتت معطيات انخفاض بالصلة بالدين. بعد ذلك بعشر سنين استوعب المهاجرون المعايير الثقافية للمجتمع الاسرائيلي. وفي المقابل اضيف في هذه السنين جمهور متدين وحريدي كان معادلات للعلمانية التي اتى بها المهاجرون. وهكذا اصبح متوسط الاجابات التي اجابها الاسرائيليون (وربما الاسرائيليات ايضا ولا نعلم لانهن غير مذكورات في استطلاع الرأي) مشابها تقريبا للمتوسط قبل عشرين سنة.  ان المعطى الذي يجب أن يثير القلق في استطلاع الرأي هو الوحيد الذي يوجد اجماع مطلق عليه بين جميع الاسرائيليين المستطلعة اراؤهم دونما فرق في التدين او الطائفة او الرأي السياسي. انه المعطى الذي يؤمن 98 في المائة من الاسرائيليين اليهود بحسبه ان أهم مبدأ يجب أن يوجه الدولة واليهودية هم "تذكر المحرقة". فالمحرقة تؤبد "العيش في هذا البلد"، والسبت والاحتفال بعيد الفصح و"الشعور باننا جزء من الشعب اليهودي". ان المحرقة هي المميز المركزي في تعريف اسرائيل لنفسها. وهو تعريف ضيق جدا ومريض جدا. انه ضيق ومريض لان المحرقة لا تتذكر بطرق شتى وليست دروسها متنوعة. وقد أصبحوا منذ زمن يستعملونها على أنها تسويغ لوجود اسرائيل وعلى أنها في الوقت نفسه برهان على وجود تهديد أبدي لها.  ان المحرقة هي الموشور الوحيد الذي تفحص قيادتنا من خلاله – وعلى أثرها المجتمع كله – كل واقع؛ وهو فحص مشوه يخلص الى استنتاج عرفوه سلفا في واقع الامر، الى درجة ان الحاخام اسرائيل لاو أعلن في مراسم يوم المحرقة قبل ثلاث سنين ان سيدنا موسى كان الناجي الاول من المحرقة أي ان حياتنا كلها منذ ذلك الحين الى اليوم هي محرقة متصلة ببساطة.  ان اسرائيل دولة وامة لم تغالب قط صدمة المحرقة. وان التأليف بين الكارثة الفظيعة والشعور بالذنب عند قيادة الاستيطان اليهودي – ووجود الناجيات والناجين الذين كانوا تذكيرا دائما بهاتين الاثنتين – جعل اسرائيل في مرحلة اولى تكبت المحرقة وتجعلها بعد ذلك عاملا في خدمة الشعور الصادم القومي من أجل ان تعزز الخوف الوجودي الابدي والعدوان الذي يأتي معه.  ان الناجين أنفسهم لم يعالجوا قط كما ينبغي – فقد نشر أمس فقط مرة اخرى ان نصف الناجين من المحرقة يحيون على مخصصات وان الدولة قلصت مرة اخرى دعمهم. وفي المقابل لم يختفِ "المضطهدون" من حياتنا. فقبل اسبوع فقط قال رئيس الحكومة للمرة التي لا يعلم أحد كم هي انه "لا ينقص مضطهدون اليوم ايضا". أي انه لا تعوزنا أسباب للاستمرار على تعزيز الخوف من المحرقة التي لم تنتهِ قط كما قال ابوه العلامة بن تسيون نتنياهو. ولهذا ليس لنا اعداء ولا خصوم ولا معارضون بل مضطهدون فقط. هكذا تدرس المحرقة في المدارس وهكذا يؤخذ طالبات وطلاب الى معسكرات الابادة وهكذا تبين، كما نشر أمس في صحيفة "هآرتس"، ان 2 في المائة فقط من الفتيان (بحسب استطلاع عن معهد مشوءا) يشعرون بالتزام بالقيم الديمقراطية على أثر دراسة المحرقة وان 2.5 في المائة يشعرون بالعطف على معاناة شعوب مطاردة وبالمقابل يشعر 12 في المائة بانهم ملزمون خدمة مهمة في الجيش الاسرائيلي. هذه هي حال الصدمات الشعورية. فبسبب محدوديتنا البشرية تجعلنا الصدمات الشعورية غير المعالجة نرى الصدمة تقترب منا دائما، حتى حينما لا يكون للمقترب صلة بها، وحتى عندما يكون أمر حسنا. وتسبب الصدمة الشعورية عدائية وميلا مدمرا قويا في العلاقة بالمحيط لكنها تسبب أيضا قبل كل شيء تدمير الذات. ان ما يخيل الينا انه عقلانية هو في واقع الامر نموذج خائف مدافع عن نفسه ومهاجم. ان قادتنا الحاليين يخلقون لنا اليهودية في اسرائيل على أنها ما بعد صدمة المحرقة ويجلبون علينا الدمار.