العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على ايران هذا الاسبوع كان من شأنها ان تشكل علامة لانتصار اسرائيلي كبير. القيادة الاسرائيلية تدعي منذ سنوات ان المشروع النووي الايراني أكثر تقدما وخطورة مما يعتقدونه في الغرب. في الآونة الاخيرة لم تكتف الوكالات الاستخبارية الغربية لتقويم خطها ليتساوق مع التقديرات الاسرائيلية وانما تم تبني عقوبات أكثر حدة في اوروبا والولايات المتحدة وفقا للخط الذي تنادي به اسرائيل منذ فترة طويلة. إلا ان جولة العقوبات الجديدة غير المسبوقة في شدتها قوبلت في اسرائيل بتجهم هو نمطي في العادة. التفسير الأساسي لهذا التوجه والذي كان قد طُرح يرتبط بحاجة اسرائيل لفرض موقف ثابت من عدم الرضا (والى جانبه تهديد متواصل بالهجوم العسكري) من اجل مواصلة حث العالم وزيادة الضغط على ايران. وهناك على ما يبدو سبب آخر: اذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع اهود باراك يقصدان بالفعل هجوما عسكريا على المنشآت النووية كما ألمح على سبيل المثال رئيس الموساد السابق مئير دغان، فان تشديد العقوبات يقلص من حرية المناورة الاسرائيلية بدرجة كبيرة. التقبل العالمي للادعاءات الاسرائيلية وبالتأكيد للهجوم العسكري، يتناقص بدرجة كبيرة من اللحظة التي تتخذ فيها عقوبات حقيقية أخيرا ضد البنك المركزي الايراني وضد صناعة النفط هناك والتي ستزداد حدة شيئا فشيئا كل عدة اشهر. كلما تقدمت اسرائيل نحو نقطة اتخاذ القرار، باراك يتناول بانفتاحية أكبر الاعتبارات التي يعتمد عليها القادة. في مطلع شهر تشرين الثاني الاخير ثارت هنا حالة فزع وطنية صغيرة حظيت ايضا بأصداء كثيرة في وسائل الاعلام الاجنبية حول امكانية مهاجمة ايران خلال فترة قصيرة. حالة الفزع تلاشت منذ ذلك الحين وجاء الشتاء وأدت السحب المنتشرة فوق مواقع الذرة الى تجميد الحديث مؤقتا عن الهجوم المحتمل. يبدو ان قدرا غير قليل من التقارير المصيرية في تشرين الثاني قد ارتكز على تصريحات ذات صبغة دراماتيكية كان باراك قد أطلقها في المنتديات المغلقة. عندما سأل الصحفيون وزير الدفاع عن ذلك أوضح موقفه بصورة مفصلة ولكنه اعتبر المحادثة "أوف ريكورد امريكي" – أي: ليس للاقتباس وفقا للقواعد المتشددة في الصحافة الامريكية وليس وفقا للنهج الأكثر مرونة الذي يتبعه الصحفيون الاسرائيليون. مرت أقل من ثلاثة اشهر وتحول ما هو غير قابل للنشر وفق المعايير الامريكية الى أمر يمكن نشره ايضا وفق تلك المعايير. في مقالة مثيرة نشرت في هذا الاسبوع في عدد يوم الاحد من صحيفة "نيويورك تايمز" طرح الصحفي الاسرائيلي رونين بيرغمان استعراضا واسعا للمواقف السائدة في البلاد في قضية ايران. بيرغمان التقى باراك في مقابلة يوم الجمعة ليلا في الثالث عشر من كانون الثاني في منزله في أبراج أكيروف في تل ابيب. باراك يقول هناك للنشر اغلبية ما قاله لغير النشر على مسامع زملاء بيرغمان في اسرائيل في فصل الخريف. باراك يطرح في المقابلة ثلاثة معايير لقضايا حاسمة في معضلة الهجوم: درجة قدرة اسرائيل على التحرك، الشرعية الدولية للهجوم (وخصوصا الموافقة الرمزية أو الصريحة من الولايات المتحدة على الخطوة الاسرائيلية) ووجود حاجة لعملية عسكرية. بيرغمان فهم ان رد القيادة الاسرائيلية هو للمرة الاولى ايجابيا على المسائل الثلاث. اذا انتظر العالم فترة طويلة جدا، يحذر باراك، ستأتي اللحظة خلال السنة القادمة التي سيتضح فيها ان التدخل أصبح متأخرا جدا. خلال فترة ما سيكون من غير الممكن استخدام الوسائل الممركزة الهادفة لعرقلة المشروع الذري الايراني بصورة ملموسة. من تلك النقطة وما بعد قضية معالجة الشأن الايراني ستبقى مسألة هامة إلا انها ستنتقل من يد السياسيين الى يد الصحفيين والمؤرخين. وزير الدفاع يحذر من ان القنبلة النووية ستضمن بقاء نظام آيات الله، ويقول بأن المظلة النووية الايرانية ستصعب على اسرائيل التحرك حتى في ظل استفزاز حزب الله. منطق باراك واضح وحاد كالعادة، ولكن الادعاءات التي يطرحها تحديدا تنطوي على تناقض داخلي: اذا كانت الشرعية الدولية للهجوم هي اعتبار مركزي الى هذا الحد فان العقوبات الجديدة التي تمت المصادقة عليها غداة نشر المقابلة تقلصها الى الصفر تقريبا، ايضا من وجهة نظر الادارة الامريكية على ما يبدو. بيرغمان ينهي مقالته بتوقع مفاده ان اسرائيل ستقصف ايران في عام 2012. هل هذا ما يعتقده باراك بالفعل أو أنه انطباع فقط يسعى لاثارته في الاوساط الدولية؟ ليس هناك جواب واضح على هذا التساؤل في الوقت الحالي.