القاهرة عبّر الشاعر المتوكل طه، اليوم الجمعة عن أمله بأن تدخل الحركة الثقافية والدرامية العربية في ظل ’الربيع العربي’ مرحلة جديدة تصب أكثر في خدمة القضية الفلسطينية. وشدد الشاعر طه، الذي يشغل أيضا منصب وكيل وزارة الإعلام في حديث لوكالة ’وفا’ في القاهرة على أنه مطلوب من المثقف الفلسطيني ألا يغرق في فلسطينيته وأن عليه أن يفتح بواباته ونوافذه وعقله وقلبه لعمقه العربي، وأن يؤكد بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ومن المحيط الإنساني. وقال: ’هذا يجعلني أصل إلى ضرورة اهتمام المثقف العربي وتعميق انتباهه إلى ما يجري في الشارع العربي من ثورات، وأن يقف بقوة وبشكل حاسم مع الشعب العربي في كل أماكن إنجاز الربيع العربي بهذا الشكل العبقري، ولا مبرر للمثقف أن يصطف مع النظام مهما كانت مصوغاته للقتل، لأنه لا يوجد تبرير لقتل الشعوب على الإطلاق، ولا ذرائع للاصطفاف ضد الجماهير’. وتابع: أنا أؤمن بأن هذه الثورات التي تدب بهذه الفذاذة في الشارع العربي هي التي ستدفع عقارب الساعة، حتى تحين ساعة الخلاص من الاحتلال، وفلسطين لم تتحرر تاريخيا إلا بفعل أهلها المقاوم من الداخل، وفعل أمتها من الخارج. وأضاف: مطلوب أن تتكامل هاتان الثورتان (الربيع العربي، والنضال الفلسطيني)، وألا نتوهم بقدرتنا الذاتية بأننا نستطيع وحدنا إنهاء الاحتلال، صحيح أننا نستطيع أن نحافظ على أرضنا ومقدستنا، ولكن في نفس الوقت نحن بحاجة دائما وأبدا إلى هذه الروح المسؤولة في الشارع العربي والمنتمية لأمتها حتى تساندنا. وتحدث الشاعر المتوكل طه مطولا على النتائج الناجمة عن تشتت الشعب الفلسطيني منذ النكبة، موضحا أن الفلسطينيين الذين هُجروا قسرا من أرضهم في النكبة والنكسة وسكنوا في مخيمات اللجوء خارج الوطن قد تعرضوا إلى ثقافات وأفكار ومدارس ونظريات جعلت كل مجموعة في بقعة جغرافية تتلقى ثقافة مختلفة، وأفكارا مختلفة ما جعل الفلسطينيين بعد عقود ليسوا نسجيا واحدا من الناحية الثقافية والفكرية. وأردف: لقد أصبح لهؤلاء أولويات مختلفة، فأولوية اللاجئ الفلسطيني هي العودة، بنما تعتبر المساواة أولوية الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948م، وأولوية أهالي الضفة وقطاع غزة هي الاستقلال وبسط السيادة. وأضاف: لا يوجد تناقض بين هذه الأولويات، ونحن مع ألا تكون هناك عملية تناقض بين هذه الأولويات ولكن ينبغي الانتباه إلى أننا بحاجة إلى ثقافة مكثفة، ومركزة يتم ضخها في الشعب الفلسطيني في كل المناطق ليستعيد وحدته الفكرية ووحدته الثقافية، من هنا تأتي أهمية الثقافة في المشروع الوطني الفلسطيني، وأنا اعتقد أن وحدة الثقافة الفلسطينية لم ننتبه إليها جيدا، ولم نوفر لها الروافع والآليات المطلوبة. ضخ الثقافة الموحدة بمناطق التواجد الفلسطيني: وأكد الشاعر طه أن ’الثقافة هي المادة اللاصقة التي تجمع الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وفي كل المناطق التي يتوزع بها’، وقال: من هنا يحتاج الشعب الفلسطيني إلى ثقافة موحدة، وعليه أقترح أن يكون هناك دائرة للثقافة الفلسطينية الخارجية تعنى بصب وتعميم ما نريد إيصاله إلى الوجدان والفكر والعقل الفلسطيني في الشتات. وأشار إلى أن هذا يتم عبر المناهج غير الصفية على مستوى التربية والتعليم، وعبر التواصل الثقافي بين مناطق التواجد الفلسطيني، وتعميم النص الثقافي والفني والأدبي والفكري إلى كل مناطق انتشار شعبنا، إضافة إلى أشكال أخرى ممكن أن توظف لتعميق وحدة الشعب الفلسطيني الثقافية. وانتقد بشدة عدم وجود دار وطنية للنشر والتوزيع في فلسطين، ولا قوانين للجوائز، أو للتفرغ أو للبحث، أو للترجمة، مضيفا: للأسف موازنة وزارة الثقافة واحد في الألف من الموازنة العامة، ولا يوجد هناك اهتمام في التربية والتعليم لجوانب إنهاض الحس الفني أو الثقافي لدى الطلبة. وقال الشاعر المتوكل طه: لا توجد هناك بناءات تحتية للثقافة والفنون في فلسطين، ونعاني من عدم وجود فرقة قومية، أو معاهد للموسيقى، ومن هنا أطالب المستوى الرسمي بإيلاء الثقافة والفنون اهتماما أكبر، لأن بناء الإنسان، وتأصيل مدارك الأجيال بحقوقهم وتعبئة وجدانهم أهم من أمور كثيرة، وأهم من تعبيد شارع على سبيل المثال. وأكد أن الخلل القائم يؤدي إلى ’أمر خطير إما إلى ضمور في الثقافة الفلسطينية ويُمكن الاحتلال من استلاب ما تبقى من رموز ثقافية، وبعدها يدعي الشرعية الثقافية’. وتابع: لا يوجد في فلسطين تأصيل لتاريخنا الثقافي، والأخطر يضطر بعض المثقفين إلى فتح أيديهم للشحذ من الممول الخارجي الذي يفرض شروطه التطبيعية على المثقفين والفنانين. الاهتمام بالدراما ومواجهة الدعاية الصهيونية: وتساءل: أين مداخلتنا الثقافية على المستوى العربي وعلى المستوى الدولي، وخصوصا أن دولة الاحتلال تعزو العالم بثقافتنا التي تدعي بأنها ملكها، وتقدمها باعتبارها ثقافة يهودية أو إسرائيلية، وأيضا تنتج دولة الاحتلال الدراما والأفلام السينمائية والعروض الفنية التي تكرس إدعاءاتها الكاذبة، وتسوقها أمام العالم باعتبارها ضحية، وباعتبارنا نحن الجلادين. وقال طه: كم نترجم من إبداعنا للعالم حتى نقول لهم أننا شعب حضاري؟، وكم فيلم سينمائي أنتجنا حتى نرد على فيلم ’القارئ’(THE READER)؟، الذي هو جزء من مجموعة أفلام أنتجتها الصهيونية العالمية لتبتز العالم وتذكره بالمحرقة، في لحظة هجومها على الشعبين الفلسطيني واللبناني عامي 2006، و2007م؟. وتابع: أين نحن من الدراما كوسيلة فعالة يمكن أن نُعرف الأجيال الجديدة من خلالها على ما لحق بنا من ظلم ومأساة وكارثة. الدور المأمول من المثقفين العرب تجاه فلسطين: وحول المطلوب من المثقفين العرب فعله تجاه القضية الفلسطينية، أجاب الشاعر طه: هناك تقصير كبير من قبل القطاع الفني والثقافي العربي، وهذا التقصير كان جزءا منه بسبب وجود أنظمة بائدة، ولكن الآن فضاء الحرية بات متاحا، والشارع العربي بعد الثورات بإمكانه أن يقول الكثير مما يريده، وأتمنى ألا تبقى نمطية المراقبة والمنع ومفردات الملاحقة موجودة بعد الربيع العربي، وعندها نطالب الفنانين والمثقفين بدور أكبر تجاه قضيتهم الأساسية والمركزية فلسطين. وأوضح أن الثورات العربية لم تكن وليدة نفسها، أي أن هذه الثورات تلاحقت وأثرت هذه الثورة على تلك، منذ أكثر من قرن، بمعنى أن ثورة 1919 هي التي أثرت على الثورة الفلسطينية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وثورة فلسطين في الثلاثينيات هي التي أثرت على ثورة عمر المختار ضد الايطاليين في ليبيا، وثورة المختار هي التي أنتجت ثورة يوليو في مصر، وثورات المغرب العربي، ومن قبلها ثورة العظم في سوريا، وثورة الأطرش في سوريا، وهذه الثورات أنضجت الثورة الجزائرية وانتصرت، والأخيرة هي التي أنضجت الثورة الفلسطينية في الستينيات من القرن الماضي، والثورة الفلسطينية هي التي أنتجت كل أشكال المقاومة التي رأيناها في لبنان وخلقت هذا المناخ الواسع للمقاومة في الشارع العربي. وأضاف: الثورة في تونس أو مصر أو اليمن أو سوريا أو ليبيا هي الابنة الشرعية لكل الثورات التي مرت به المنطقة العربية على مر 100 عام، ومن هنا لا يمكن لأية ثورة بأن تدعي بأنها ابنه نفسها، وهذا يؤكد بأنه على الفلسطيني أن يعي جيدا بأن فلسطين وحدها لا تساوي شيئا دون العمق العربي. دور المثقفين في استنهاض الأمة: وحول دور المثقفين والأدباء والمفكرين في استنهاض الشعوب وإحداث الحراك العربي، أجاب طه: هذه الثورات ما كان لها أن تنفجر لو لم تنهض على جذر ثقافي فني، أي أن هذه الثورات قامت لسبب ثقافي، ولولا الوعي الذي وفرته النخب الإبداعية والثقافية والفكرية في العالم العربية لما انفجر الشارع العربي بهذا الربيع. وأردف: اعتقد أن الثقافة منذ عقود طويلة التي كانت محاربة والفن الذي كان النظام البائد هنا أو هناك يحاول إخراسه وإسكاته وكل أشكال الإبداع التي كانت ملاحقة هي التي تمثلها الشارع العربي، والآن وصلت إلى لحظة التحول من حالة وعي إلى أن وجد الشارع تعبيرا لها في الشارع، بمعنى أن الثورة هي تجل أو إحدى تعبيرات الوعي، وإحدى مفردات الفن والثقافة التي ترجمت ووجدت متسعا في الشارع. التحديات التي تواجه المثقف الفلسطيني: وأوضح الشاعر طه أن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تلقي بظلالها الثقيلة على المثقف، وبالتالي يجد نفسه منغرسا شاء أم أبى في هذا الحراك الذي ليس بالضرورة دائما لصالحه أو لصالح خطابه، بل قد يكون هذا الحراك في مواجهة الثقافي نفسه، وفي مواجهة الثقافة نفسها. وقال: هناك عمليات هبوط وانتقال من نقطة إلى أخرى في الفكر السياسي الفلسطيني، وأنا لا أجرم أو أدين السياسي بقدر ما أقول إن هناك عوامل تم توفيرها لخنق الشعبي الفلسطيني والضغط عليه وإجباره على الذهاب إلى ممرات إجبارية، وهذا لا يعني أن المثقف عليه أن يتماهى وينسجم مع السياسي، بل أرى بأنه على المثقف بأن يبقى محتفظا بموقعه في مواجهة هذا التنازل حتى لو كان اضطراريا، لأن السياسي قد يكون محكوما بموازين القوى والممكن وغير الممكن، وبالتالي يجد نفسه مضطرا لأن يتعامل مع اللحظة وأن يكون براغماتيا، وأن يكون تكتيكيا، لكن لا يوجد أي عامل يجبر الثقافي على أن يتنازل كما تنازل السياسي. وتابع الشاعر طه: على المثقف ألا يغادر موقعه وأن يبقى ممسكا بالثوابت، ومؤكدا عليها وحارسا للأحلام، ومنحازا تماما مع القيم المطلقة والثوابت الكاملة، حتى يبقى الحلم نابضا في عقل ووجدان الأجيال القادمة. المثقف والانحياز لكل قضايا الشعب: وشدد على أن رؤية المثقف يجب أن تكون أكثر اتساعا، في تعاطيه مع مفردات المقاومة والالتزام والانحياز للجماهير، ولدور الثقافة والأدب في تأصيل المدارك، وفي حفظ الحقوق. وأكد أن على ’المثقف أن يعي بأن الاقتصار على شكل نضالي واحد يتنافى مع جدلية النضال، أو أن على المثقف يختزل مفهوم المقاومة في جزئية تمجيد الشهادة أو المواجهة العنيفة، أي المقاومة من وجهة نظري أكثر اتساعا من ذلك’. وتابع المتوكل طه: اعتقد أن المقاومة هي الانحياز لكل قضايا الشعب والناس، والمقاومة في الأدب والثقافة والفكر هي، الاصطفاف مع المبادئ المطلقة والقيم العليا، أي إذا أنا وقفت مع العدل والمساواة والحق والجمال والمساواة والحرية والديمقراطية في نصي أكون أنا مع المقاومة في مواجهة البشاعة والاستغلال، والتمييز والاحتلال والاستلاب والتغريب، وغيرها. وقال: من يكتب قصيدة جميلة في فلسطين فهذه مقاومة، وإذا شخص كتب قصيدة في تمجيده الحرية أو المساواة فهذه مقاومة، بمعنى أن المثقف عليه أن يجعل رؤيته أكثر اتساعا، وألا يضيقها في تناوله للأشياء. وأضاف: ثالثا على المثقف الفلسطيني ألا ينكفئ في قطريته، وعليه ألا لا يسقط بشكل ساذج أو مشبوه في المفردات الإقليمية أو والاثنية أو الجهوية أو الطائفية، ثم إن التأكيد على الذات الفلسطينية المهددة بالإلغاء والتذويب، لا يعني أن اقطع علاقتي مع عمقي العربي ومع أمتي مع المحيط إلى الخليج.