ان محاربة اليمين للمحكمة العليا وللاعلام الحر ولاستقلال الاكاديمية ولمنظمات المجتمع المدني لا ينبغي ان تُرى معركة تكتيكية فقط. فليس الهدف فقط احباط مضايقات وتشويشات تتعلق بسياسة السيطرة على المناطق أو تضييق خطى مواطني اسرائيل العرب. فاليمين يسعى الى تغيير أوسع استراتيجي فهدفه ان يقتلع من الجذور أكبر تهديد له ألا وهو وجود اجماع اسرائيلي رسمي – ليبرالي ما. كانت قوة المحكمة العليا والجامعات بل وسائل الاعلام ومنظمات حقوق الانسان طوال السنين في ان مصادر سلطتها وشرعيتها كانت تُرى "موضوعية" – فهي تأليف بين مباديء عامة وقواعد نظرياتها الاختصاصية. وادعاؤها الاعتماد على قيم أساسية اسرائيلية مشتركة والتعبير عنها كان ممكنا بفضل اتفاق اجتماعي حظي بتعبير رسمي ما عنه بالقوانين الأساسية الى جانب شعور سائد بأن اتفاقا اسرائيليا كهذا موجود حقا. كان الاتفاق دائما ضعيفا وخاضعا لهجمات بسبب صورة الاستقطاب للمجتمع في اسرائيل. ومع عدم وجود دستور وتراث ديمقراطية جوهرية وافق العمود الفقري المركزي للمجتمع على الأقل على التوجه الديمقراطي الغربي للدولة، وعلى سلطة القانون وحريات المواطن. لا يوجد شيء يخشاه اليمين أكثر من الاجماع الرسمي الليبرالي. ان الاجماع يتناول في الحقيقة البنية التحتية الديمقراطية للدولة فقط ولا يشتق سلوكا سياسيا خاصا، لكنه قد يصبح في تجربة اليمين بفضل منطقه الداخلي استنتاجات تنتج عنها اشياء. في آخر مرة اتفق فيها الاسرائيليون على شيء ما عميق تعلق بهويتهم ومستقبلهم انتهى ذلك الى إزالة المستوطنات من قطاع غزة. ولهذا ينبغي تحطيم الاتفاقات الاسرائيلية الليبرالية. وينبغي فعل هذا بضعضعة المؤسسات المؤسسة لها وإنكار ان الاسرائيليين يتفقون على شيء ما سوى كراهية العرب بالطبع ومشاهدة البرامج الغثة والحلم بجمع المال من ارض زراعية. ان المشروع الذي يدفع اليمين به الى الأمام بقيادة نتنياهو يؤدي الى مجتمع ليس له قاسم مشترك قبلي، وليس رهينة التجاذب السياسي. لا يوجد ما يسمى تميزا اكاديميا. فجامعة تل ابيب متميزة لليساريين فقط ومعهد اريئيل لا يقل روعة بالنسبة لليمينيين. ولا يوجد ما يسمى قضاءا مختصا. فبينيش مختصة بالنسبة لليسار وسولبرغ مختص بالنسبة لليمين. ومنظمات حقوق الانسان هل تنشغل بالفلسطينيين؟ اذا انشأنا "اذا شئتم" من اجل حقوق المستوطنين فهم ايضا بشر. وكل اسرائيلي مدعو الى اختيار واقعه والليبرالية التي يفضلها. لا تمكن المبالغة بمقدار تدمير هذا المسار. فنوع المجتمع متصل اتصالا لا ينفصل بقوة اتفاقاته الليبرالية. ان السياسة الالمانية تقوم على اجماع ليبرالي عميق على معارضة القومية يحمل ثمرات وحدة اجتماعية وثقة واسعة بالمؤسسات السياسية. وبريطانيا هي مثال اجماع ديمقراطي عمره مئات السنين يثمر استقرارا سياسيا، ويسود الدول الاسكندنافية اجماع على نموذج دولة الرفاه يمنح مستوى عاليا من التكافل. ويقوم االاتحاد الاوروبي على اتفاق على المواضعات الليبرالية مع التوسيع الدائم لها والتغلب على الأخطاء. "أنا خائفة على المشروع الدستوري. وأشك في ان تكون ثقافتنا السياسية – الاجتماعية تغيرت تغيرا كبيرا. ففي مجتمع منقسم مستقطب بهذا القدر لا تسهل محاولة ايجاد قاسم مشترك. لست متفائلة. والخوف من ان يقوم المشروع على دعامة هشة ان كان لم يقم عليها بعد"، حذرت القاضية دوريت بينيش قبل بضعة اسابيع على أثر محاولات الكنيست كسر المحكمة العليا. ان "المشروع الدستوري" ومعه الصحافة النقدية والاكاديميا المستقلة والمجتمع المدني الفوار – كل هذه الانجازات الاسرائيلية المجيدة – مهمة في نظر اليمين كقشرة ثوم. هل لب لباب الديمقراطية؟ ماذا دهاكم بربكم. ان كل ذلك ترف اليسار.