غزة سما شهدت الأيام القليلة الماضية نقاشاً وحالة من الغموض حول نية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عدم الترشح لدورة جديدة لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس ،ولم تتضح الرؤية في البداية حول هذا الإعلان ومدى جديته ، وهل كان قراراً استراتيجياً ؟!، وان كان ذلك فما هي أبعاد وأسباب القرار من الناحية الاستراتيجية ؟ أم أنه مجرد قرار تكتيكي يحمل أبعاد وأهداف أخرى ؟!. فهل كرر خالد مشعل قصة الرئيس جمال عبد الناصر الذي أراد التنحي إلا أن شعبه أجبره على العودة وثوقاً به ، تماما مثلما يثق مشعل بان نتائج خطوته ستكون في صالحه بأي حال ، سواء كان القرار استراتيجياً أم تكتيكياً ،لان مجلس الشورى سيطالب ببقائه رئيس للحركة .ولعل الذين تعمقوا في تفاصيل مشعل الشخص و يصفونه بالزعيم المحنك يدركون أنه يمتلك إجماعاً قوياً قد لا يمتلكه غيره داخل حركة حماس سواء كان هذا الإجماع من محبيه أو ممن يختلفون معه ، إدراكاً منهم انه القائد المناسب لهذا المكان رغم إختلافهم معه في بعض الأحيان . فإجتماع مجلس الشورى في السودان هذه المره كان من نوع أخر لأن مشعل فجر ما وصفه البعض بقنبلة في بداية الجلسة عندما أبلغهم أنه لن يترشح لفترة جديدة ، مما فاجأ الجميع وأدخل تغير فوري في خطط وجدول أعمال اللقاء ، خاصة الذين كان لديهم نية للتطرق لموضوع ولاية مشعل . وعندما أدرك أعضاء الشورى ان مشعل جدي في قراره ، بدأت المطالبة من الغالبية لمشعل بالتراجع عن قراره حتى الذين يختلفون معه ، تقديرا منهم أنه ورغم الخلافات يبقى الأكفأ للمرحلة.وسواء أكان مشعل جدياً أو مناوراً كما يرى البعض ، فعلينا الإجابة على سؤال هام وهو ما الذي حققته ما وصف بقنبلة مشعل حتى الآن) ؟ إذ يمكن تلخيص ذلك في عدة نقاط كما يلي :أولاً : الرسالة الأولى لمشعل كانت بمثابة كشف وتوضيح للغموض، فقد رسم مشعل صورة واضحة أنه ليس باكياً على منصبه وجاهزاً لتركه من منطق قوة رغم إستطاعته البقاء شوريا وقانونيا. و في الوقت ذاته كشفت رسالته عن الطامحين والمتطلعين لتولي منصبه ، ولو لم يعلنوا ذلك صراحة ، فقد أدت رسالة مشعل لإستعجال البعض وبلا تريث أو تحقق من المضامين للنظر إلى مكان خلافته ، وسرعان ما انتشرت أخبار المنافسة ونجح مشعل أن يظهر بصورة وأن يُظهر الطامحين لخلافته بصورة أخرى ، والتزم مشعل الصمت حتى الآن تاركا الباب للجميع داخل حركة حماس للتقييم ومعرفة الحقيقة التي يُريدهم أن يطلعوا عليها بأنفسهم لا منه . ثانياً : الرسالة الثانية كانت موجهه مباشرة إلى من لا يريدون بقاءه رئيسا للحركة ويخالفونه الرأي، بانه لا يريد البقاء رغماً عن أحد ، ورغم تحقيقه غالبية في مجلس الشورى ، إلا أنه رفض مبرراً ذلك بفتح المجال للدماء الجديدة ، وليس مجبراً على ذلك، الأمر الذي زاده قوة حيث تشير التقديرات أن مشعل سيبقى هذه المره ليس بإختياره بل بإجماع من الحركة على بقائه ، مما سيعطيه شرعية أكبر من سابقاتها بسبب إنضمام بعض من يخالفونه الرأي للمطالبين ببقائه إنطلاقا من حفاظهم على وحدة وتماسك حركتهم ،ويتم ذلك بالإنتخاب وليس بالتزكية أو بوجه الخجل كما يحدث في ظروف أخرى، وقد برر بيان حركة حماس الأخير ذلك بوصفه شأناً عاماً تقرر فيه مؤسسات الحركة وليس شأناً شخصياً خالصاً مع إحترامهم وتقديرهم لرغبة مشعل بحسب البيان الذي يضيف أن قيادات حركة حماس ورموزها تمنوا على مشعل العدول عن ذلك، وتُرك الموضوع لمجلس الشورى. وبذلك يحقق مشعل إلتفافاً جديداً من نوعه على بعض مخالفيه في الرأي.ثالثاً : مثلت رسالة مشعل رسالة قوية الى أنصاره ومحبيه ومن يريدون بقاءه رئيساً للحركة بأنه ليس ديكتاتورا أو متمسكا بمنصبه ويخضع كغيره لقرار الشورى وما تقرره الأطر الرسمية داخل حركة حماس، مما اكسبه مزيداً من الإلتفاف في صفوف محبيه ومجلس الشورى. رابعا : الرسالة الرابعة كانت بمثابة إعادة الاستفتاء معلوم النتائج الايجابية سلفاً على قراراته الحالية والمستقبلية وخاصة قرار المصالحة الوطنية مع حركة فتح والرئيس محمود عباس ، و يقف على رأس مؤيديه في ذلك الجناح العسكري لحركة حماس وقادته العسكريين على الأرض الذين يؤيدون مشعل في خطواته وخاصة خطوات المصالحة ويدعمونه في هذا الاتجاه، فمن أراد المصالحة وهي غالبية ساحقة في الحركة سيتطلعون لبقاء مشعل قائداً للحركة لإكمال هذا المشروع ،كما أن مشعل أراد ان يعزز مشروعه السياسي الأكبر الذي يتطلع لتحقيقه لمواكبة التغيير الحاصل عربياً وإقليمياً في إطار الربيع العربي والانفتاح الحمساوي الجديد على المشروع السياسي في المنطقة .ئخامسا : الرسالة الخامسة التي حققها مشعل هي إعادة توجيه البوصلة ووقف المناكفات والجدل حول منصبه وتغيير اتجاه الدفة من المطالبة بتنحيه إلى التحول للمطالبة بإقناعه بالبقاء في منصبه . وأخيرا / سواء أكان قرار مشعل جدي واستراتيجي أو مجرد مناورة فهو الكاسب في كلتا الحالتين ، لأنه سيحقق النتائج التي سبق ذكرها وسيُلزم بالبقاء ، بقرار الغالبية في مجلس الشورى الذين يصرون على بقائه في رئاسة المكتب السياسي ،وهنا فان التقديرات والتحليلات التي تشير الى بقاء مشعل رئيساً للمكتب السياسي في الدورة القادمة بإجماع أقوى من مجلس الشورى هي الأقرب للصواب ،،،، الأمر الذي سيمنحه القوة لاتخاذ قرارات مصيرية وتاريخية في المستقبل .