خرج الحزب الحاكم، الليكود، من حركة حيروت التي هي بنت المنظمة العسكرية الوطنية التي رفضت بمحاربتها للبريطانيين قبول طاعة الأكثرية ألا وهي "الاستيطان المنظم" وذراعها المسلحة "الهاغاناة". وقد أسموا اعضاءها "منشقين" وقد تم اقصاءهم وضربهم وتسليمهم الى البريطانيين وكان فيهم قتلى ايضا.كان الاختلاف على الطريقة وذاك أنه كيف يضطرون البريطانيين الى ازالة منع اليهود من الهجرة الى البلاد واستيطانها؟ وقد أيدت "المؤسسات الوطنية" ضبط النفس. وقامت مسيرات ومظاهرات واستوطنوا المنطقة الضيقة التي أباحها الكتاب الابيض لهم ونظموا هجرة غير مشروعة لعشرات الآلاف وأعدوا ارض الاستيطان للحرب المتوقعة مع العرب. وقد اختصت الايتسل وليحي بقتال ضئيل ومدني وطاردهما البريطانيون "والاستيطان المنظم" ايضا.بمنظار تاريخي فان دراما "الخروج من اوروبا" ("اكسودوس")، مثلا زعزعت الرأي العام في العالم، لكن البريطانيين يعترفون بأن المحاربة بسلاح "المنشقين" الذين فجروا مقر قيادتهم الرئيس في فندق "الملك داود"، واخترقوا سجن عكا، وحطموا طائرات وقطارات واضطروهم الى إبقاء 100 ألف جندي هنا – هي التي دفعتهم الى الخارج.قال شعار الايتسل "هكذا فقط". ان الشعوب لا تتحرر إلا بقوة السلاح بخلاف قيادة الأكثرية التي خشيت ان تظهر بمظهر "الارهابيين" ودعت الى الحذر والمسؤولية.من الواضح اليوم ان ما كان يبدو في حينه حربا أهلية عمل في الواقع عملا مفيدا. ان الاتجاهين المتناقضين معا كانا يستطيعان الاتيان بالنتيجة المأمولة.بدل البريطانيين يستعمل الامريكيون علينا اليوم ضغطا مشابها مضادا لاستيطان اليهود في القدس التاريخية ويهودا والسامرة هذه المرة، فبدل "الكتاب الابيض" يقتبسون من ميثاق جنيف الذي يُحرم نقل سكان محتلين الى ارض محتلة وكأننا محتلون داخل بيتنا ويعتمدون على "خريطة الطريق" التي اضطر شارون الى التوقيع عليها.ومرة اخرى ينشق الشعب: فالمؤسسة الحكومية تخشى عزلة دولية وفي المقابل يحقق "المستوطنون" ما يؤمنون به من جهة وطنية ويرفضون كل إملاء اجنبي يسد أمام اليهود اراضي من ارض اسرائيل مرة اخرى.كان شارون هو الذي دعا الى "الجري واحتلال التلال" والاحتلال يعني ان يكون بغير اجراءات قانونية أصبحت غير ممكنة، وبغير رخص وتوقيعات لم يكن من الممكن اعطاؤها بعد. وباختصار، نقض "الكتاب الابيض" الجديد ومعه أوامر الادارة العسكرية.عاد "المنشقون" تحت اسم جديد الآن هو "شباب التلال". وما أشد السخرية في ان حكومة الليكود وارثة "المنشقين" تطارد الآن هؤلاء الشباب وأنه يوجد مس بالأجسام واخراج اطفال من أسرتهم في برد قارس وهدم بيوت وممتلكات وارهاب قانوني على هيئة "أوامر إبعاد"، واتهامات باطلة ودعاوى قضائية على مطرودين لدفع نفقات اجلائهم.يضاف الى تساؤل كيف أصبح "منشق" مطارِدا، النظر الى تحولات الأزمان: ففي منظار تاريخي يبدو التصادم الشديد بين المنظمات الذي كان أكثر من مرة عنيفا ونازفا وكان مصحوبا دائما بمظاهر كراهية واحتقار يبدو اليوم مثل قوتين سلّم بعضهما لبعض. ومثل لعبة "الشرطي الخيّر" و"الشرطي الشرير" اللذين يعتبر عملهما المتناقض في ظاهر الامر ضروريا لانجاح التحقيق.لن يبعد اليوم الذي يصبح فيه الاستيطان ورأس حربته "شباب التلال" متبوئا مكانه باعتباره أعاد للأمة اراضي ميراثها وأمّن من داخل هذه الارض الساق المكشوفة لدولة الغور والساحل. سيُفرد التاريخ المكان المناسب ايضا للمؤسسة الرسمية التي منحت عن حذر ومسؤولية للنشطاء قاعدة انقضاضهم.ومع كل ذلك بقيت معلقة في الهواء غير محلولة صرخة لماذا يوجد الكثير جدا من الكراهية وهدم الذات داخل شعب واحد وبين إخوة في المصير والهدف؟.