خبر : غزة على كف عفريت؟ ...د. سفيان ابو زايدة

الأربعاء 18 يناير 2012 09:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT
غزة على كف عفريت؟ ...د. سفيان ابو زايدة



التهديدات الاسرائيلية بالقيام بعملية عسكرية ضد قطاع غزة متواصلة و بشكل منتظم. يكاد لا يمر يوم دون الحديث من قبل جنرالات الجيش و القادة السياسيين الاسرائيليين عن ضرورة توجيه ضربة عسكرية ضد غزة.آخر هذه التصريحات كانت على لسان رئيس هيئة الاركان الجنرال بني غانتس حيث قال بأن العملية العسكرية اصبحت و شيكة. جاء هذا التصريح بعد يوم واحد فقط من حديث نتنياهو امام لجنة الخارجية و الامن في الكنيست الذي قال خلاله ان الفصائل الفلسطينية تمتلك في غزة ما يزيد عن العشرة آلاف صاروخ ومنها من يصل مداه الى اكثر من اربعين كيلو متر، واضاف  ان اي اتفاق مصالحة بين الفلسطينيين يجب ان يكون مشروطا بتنظيف هذة الاسلحة.الحديث الاسرائيلي عن استعداد الجيش و جاهزيته و ضرورة تنفيذ العملية العسكرية و اقتراب موعدها ليس بالضرورة ينبع من منطلق واحد و ان كانت تسعى الى تحقيق نفس الاهداف.  السؤال الذي يطرح نفسه هو  هل هناك حقا عملية عسكرية كبيرة تنتظر فقط اللحظة المناسبة او الذريعة الملائمة للبدء في تنفيذها؟ ام ان هذه التهديدات هب عبارة عن رسائل تهديد للفصائل الفلسطينية ، خاصة حماس، للحفاظ على حالة الهدوء النسبي لكي لا تضطر اسرائيل للتورط في عملية عسكرية آخرى على غرار "الرصاص المصبوب" قبل ثلاثة اعوام؟ليس هناك وجهة نظر واحدة سواء في اوساط الجيش او الاوساط السياسية لكيفية التعاطي مع الوضع في قطاع غزة الذي يشكل لهم حالة من الصداع الدائم. و هناك تسليم بأنه لا يوجد حل سحري او مثالي للتخلص من هذا الوضع.  مع ذلك، هناك عوامل قد تجعل من هذا التهديد يحمل طابع الجدية و هناك عوامل آخرى تجعل منه مجرد رسائل ترغب اسرائيل في ايصالها للفصائل الفلسطينية من اجل الحفاظ على الوضع القائم على الاقل في هذه المرحلة.لماذا يجب ان تأخذ التهديدات الاسرائيلية على محمل الجد؟ما هو حقيقي من كل هذه التصريحات التي تصدر عن جنرالات الجيش الاسرائيلي، و بحكم منطق الاشياء، ان الجيش  حقا يجهز نفسه لكل الخيارات، بما في ذلك خيار تنفيذ عملية عسكرية كبيرة، وهو ملزم ان يقدم للقيادة السياسية خيارات متعددة و سيناريوهات مختلفة و القيادة السياسية هي التي تقرر ما يناسبها استنادا الى رؤيتها الشمولية للوضع و التي تتجاوز الحسابات العسكرية و العملياتية.هناك من يعتقد في اسرائيل ان حالة الهدوء التي تسود قطاع غزة هي حالة مؤقتة جدا يتم استغلالها من قبل الفصائل الفلسطينية ، خاصة حماس و الجهاد، في بناء قوتهم العسكرية، و خلال الثلاث سنوات الماضية، خاصة بعد الاحداث في العالم العربي ، تطورت قوة هذه الفصائل من حيث الكم و النوع بشكل غير مسبوق. من الناحية العملية، الوضع الامني في غزة هو اخطر بكثير مما كان عليه قبل الحرب .هؤلاء يعتقدون ان اسرائيل يجب ان لا تبقى تحت رحمة التنظيمات الفلسطينية التي قد تنسف حالة الهدوء في اي لحظة و خلال ثواني يكون اكثر من مليون و نصف اسرائيلي تحت رحمة الصواريخ . استمرار هذا الوضع ايضا يتم استغلاله من قبل هذه الفصائل في مزيدا من التسلح و تعزيز القدرات العسكرية التي ستجعل مهمة الجيش الاسرائيلي اكثر صعوبة في المستقبل.و لكن، هذا لا يعطي المبرر لاسرائيل القيام بعملية عسكرية سيكون ضحاياها الحقيقون من المدنيين الفلسطينيين مهما حاولت  تجنب الاصابات في صفوفهم وذلك بحكم الكثافة السكانية العالية. الامر الوحيد الذي يمكن ان يجعل من التهديدات الاسرائيلية ذات معنى جدي و حقيقي يعتمد على ما قد يحدث مع ايران من تطورات. كلما كانت التهديدات ضد ايران جدية كلما كانت التهديدات ضد غزة جدية ايضا. حيث ان الافتراض بأنه في حال مهاجمة ايران سواء كان من قبل اسرائيل لوحدها او بمشاركة امريكية و دولية، الافتراض ان الفصائل الفلسطينية في غزة لن تقف مكتوفة الايدي، خاصة الجهاد الاسلامي. لذلك لم يكن محض صدفة ان يتحدث الاعلام الاسرائيلي بأن قوة الجهاد الاسلامي قد تجاوزت قوة حماس. الهدف من هذا القول هو تعزيز الرأي القائل انه حتى لو لم تشارك حماس في ردة الفعل، قوة الجهاد الاسلامي و امكانياته اصبحت على درجة كبيرة من الخطورة من حيث الكم و من حيث النوع.لماذا يجب ان لا تُأخذ التهديدات الاسرائيلية على محمل الجد؟اولا: ليس من السهل على اسرائيل من الناحية الدولية و الاقليمة اتخاذ قرار من هذا النوع. الوضع الان هو اسوء بكثير من الناحية الاسرائيلية لما كان عشية الحرب قبل ثلاث سنوات.ثانيا: حالة الهدوء النسبي غير المسبوق الذي تشهده الحدود الاسرائيلية مع غزة لا يعطي المبرر الكافي لاسرائيل لتبرير هجومها ليس فقط امام الراي العام الدولي، بل حتى الرأي العام الاسرائيلي. بعكس الوضع الذي سبق عملية الرصاص المصبوب حيث كانت الصواريخ تتطاير بشكل يومي على اسرائيل.ثالثا: الهدف الرئيسي من التهديدات المتكررة هو الضغط المتواصل على الفصائل الفلسطينية بالحفاظ على حالة الهدوء و الاستمرار في منع اطلاق الصواريخ حيث تحرص اسرائيل من خلال هذه التهديدات الحفاظ على قوة الردع التي تعتقد انها حققتها بعد عملية الاجتياح.رابعا: حديث جنرالات الجيش عن خطورة الوضع و ضرورة تنفيذ عملية عسكرية او شن حرب في احيان كثيرة يكون له علاقة في الصراع على موازنة الجيش. من منطلق التأثير على القادة السياسيين ووزارة المالية، يٌكثر قيادات الجيش من حديثهم عن المخاطر الامنية المحٌدقة في اسرائيل و عن ضرورة الاستعداد لمواجهة التحديات. خامسا: الحرب على غزة كان ايضا و ما زال مادة للمناكفات و المزايدات السياسية بين القيادات و الاحزاب السياسية. أحد شعارات نتنياهو قبل الانتخابات الاخيرة كان ضرورة انهاء حكم حماس في غزة. رائحة الانتخابات الحزبية و البرلمانية التي تفوح حديثا في اسرائيل تجعل من موضوع الحرب على غزة مادة اساسية لمناكفاتهم السياسية، هكذا كان في السابق و هكذا سيكون في مستقبل.سادسا: التقييم الاسرائيلي بشكل عام للحرب على غزة قبل ثلاث سنوات انها كانت حرب غير ضرورية و كان بالامكان تجنبها، هكذا ايضا هو التقييم للحرب على لبنان عام 2007. الاتجاه العام في اسرائيل ان لا مجال لخوض حروب غير ضرورية، خاصة ان من يبحث عن انتصار لن يجده في غزة. صور الاطفال و النساء التي ستنقلها الفضائيات لن تبقي معنى لاي انجاز عسكري يمكن لاسرائيل ان تفتخر او تتغنى به.خلاصة القول ان استمرار الوضع الحالي لا يسمح لاسرائيل بخوض حرب على غزة رغم التهديدات المتواصلة و على الرغم من جاهزية الجيش الاسرائيلي لتنفيذ هذا الهجوم اذا ما   طلب منه ذلك.امران قد يجعلان من التهديدات الاسرائيلية بشن حرب على غزة ذات مغزى حقيقي، الاول ان يتغير الوضع القائم من هدنة غير رسمية، على الاقل من جانب الفصائل الفلسطينية. و الامر الثاني ان تكون اسرائيل على وشك تنفيذ عملية عسكرية ضد ايران. في الحالة الاولى ستجد اسرائيل المبرر و الغطاء الذي تحتاجة، و في الحالة الثانية تكون العملية استباقية في ظل التقدير الاسرائيلي ان الجهاد في غزة و حزب الله في لبنان سيقفان الى جانب ايران في حال تعرضها الى هجوم.szaida212@yahoo.com