فوز حزب النهضة الاسلامي في الانتخابات الحرة الاولى للبرلمان التونسي (الجمعية الخاصة)، ليس مثابة أنباء مشجعة على نحو خاص للعلمانيين في تونس، في الغرب وفي دولة اسرائيل. ومع ذلك، يدور الحديث عن فوز أول في عهد الديمقراطية للحركة الاسلامية، في الدولة التي مثل جيرانها الذين اجتازوا الثورة، كان الاسلام السياسي مطارد فيها حتى وقت قصير مضى. أمس لم تكن النتائج النهائية قد نشرت بعد، ولكن كان يلوح أن النهضة فاز بـ 90 مقعدا من أصل 217 مقعدا بالاجمال. بعيدا خلفه، كان حزبان علمانيان هما CPR "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي فاز بنحو 35 مقعدا والتكتل "منتدى الديمقراطية للعمل والحريات" – مع 26 مقعدا. معدل التصويت في الانتخابات، اكثر من 80 في المائة، أثبت كم رغم أنصار "ثورة الياسمين" التأثير على الواقع المتجدد في دولتهم. ومع ذلك، رغم تعزز الاسلاميين المثير للانطباع، لا توجد أيضا اسباب للفزع، على الاقل حتى الان. فلا يدور الحديث عن حزب يتبنى ايديولوجيا اصولية، على نمط القاعدة، يدعو الى حرب ضد الكفار اليهود او المسيحيين، بل حزب يعد من التيار المعتدل في أوساط الجماعات والمنظمات الاسلامية السياسية. أيديولوجيا النهضة تذكر بايديولوجيا التيار الاصلاحي في "الاخوان المسلمين" او ايديولوجيا حزب العدالة والتنمية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. زعيمه، راشد الغنوشي، الذي أبعده الرئيس السابق زين العابدين بن علي، اوضح في اثناء الحملة الانتخابية بان ليس في نية حزبه فرض الاسلام. فمثلا، قال الغنوشي في الماضي انه اذا ما فاز حزبه في الانتخابات فانه لن يحاول اجبار النساء باعتمار الحجاب، ولكن بالمقابل لن يبقي الانظمة القديمة من عهد بن علي والتي منعت الحجاب. الغنوشي نفسه حرص ايضا على ان يدفع بمرشحة رائدة عن حزبه في احدى المحافظات، إمرأة لا تعتمر الحجاب، صيدلانية في مهنتها. كما أنه شدد على أنه سيحافظ على علاقات تونس السياسية الممتازة مع الغرب. سبب الفوز الكبير للنهضة لا يكمن فقط في قربه من الاسلام المتطرف، بل وأيضا لمجرد كونه المعارض التقليدي والمعروف للحكم السابق، ذا جهاز سياسي مرتب ومنظم، أبرز في حملته الانتخابية النية لمكافحة البطالة والفقر في الدولة. وهذه بالفعل مسألة ملحة للغاية بالنسبة لسكان تونس، بل أكثر حتى من الدين. مشكوك فيه أن تكون للنهضة حلول للوضع الاقتصادي الصعب في الدولة. ولكن هدفه بمجرد فوزه في هذه الانتخابات محدود هو ايضا: عليه أن يشكل حكومة مؤقتة والى جانب أعضاء البرلمان الاخرين أن يصيغ دستورا جديدا لتونس ويحدد موعدا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. فوز النهضة يبعث لدى غير قليل من الناس في تونس الاستياء. المواطنون العلمانيون الذين اعتادوا على أن يروا على مدى الـ 54 سنة الاخيرة في الاسلام المتطرف عدوا سيضطرون من الان فصاعدا الى مواجهة القوة الصاعدة للحركة الاسلامية. وأمس خرج نحو 200 منهم للتظاهر ضد النتائج البينة للانتخابات. أحد الاحزاب العلمانية، الحزب الديمقراطي التقدمي، ذي القوة غير ذات المغزى، أعلن بان ليس في نيته المشاركة في حكومة وحدة برئاسة النهضة. ولكن في نهاية المطاف يبدو ان الاحزاب العلمانية الاكبر ستتحالف مع الاسلاميين في محاولة لصياغة دستور جديد لتونس. الانجاز الاكبر للغنوشي ورجاله يثير مخاوف من أثر دومينو في الدول المجاورة ايضا. أو بتعابير اخرى، فوز "الاخوان المسلمين" في الانتخابات للبرلمان التي ستبدأ في الشهر القادم في مصر، وبالطبع تعزز الاسلام المتطرف في ليبيا. ومنذ أول أمس أعلن رئيس المجلس الوطني المؤقت في ليبيا، مصطفى عبدالجليل، بان الشريعة الاسلامية ستكون المصدر الرئيس للتشريع في الدولة. ولكن أكثر اثارة للقلق من هذا التصريح هي امكانية تدهور ليبيا الى حرب الكل ضد الكل. حاليا وان كانت تتركز الاعمال العدائية على ضرب مؤيدي معمر القذافي فقط الا ان اعدام اكثر من خمسين من رجاله بعد أن أُسروا وقيدوا، لا يشكل مؤشرا ايجابيا على مستقبل ليبيا.