غزة / أمينة الدحدوح / سما / أجسام ملفتة للأنظار، وأسرار مخفية في نفوسهم، وقدرات عظيمة تتجلى داخلهم، وصراع يتجهمهم، ونظرات قاتلة كالسهام تحيط بهم من أبناء جلدتهم، يأكل الشك أنفسهم مثل النار التي تأكل نفسها، يتساءلون هل هم من جنس البشر..؟، هل لهم حقوق مثلنا وأين هي ..؟، هم لم يختاروا قدرهم بأيديهم ولكن الله أراد اختبارهم ومن حولهم ... وقد جذبني إلى هذه الفئة قدراتهم المدفونة التي لا راعى لها وتندثر في الرياح بلا استثمار، إنهم يعيشون بيننا وفي وسطنا ولا نلقي لهم بالا، ألا وهم إخواننا الأقزام "قصار القامة".. تحدى وإرادة التقيت بالآنسة سوسن الخليلي(40عاما)، من سكان حي التفاح بغزة، وهى إحدى الأقزام التي تمتلك إرادة قوية وقدرات تتحدى بها من يدعون أنهم يمتلكون أجساما وافية، وكأنها تقول:" أنا لم أنظر لنفسي أنني معاقة ولا أسمى قصر قامتي إعاقة، ولكن نظرة المجتمع هي ما تسميني معاقة".فقصر قامتها لم يمنعها من إكمال دراستها في جميع المراحل وحصلت على درجة البكالوريوس في كلية الحقوق، بالإضافة إلى تدريبات مهنية أخرى، ولديها العديد من المواهب ككتابة الشعر والرسم.ورغم هذا النجاح وتحدى الإرادة تقول سوسن:" أجد الناس حولي كالسكاكين لا تتحرك إلا لكي تجرح"، مطالبة المسئولين والمجتمع أن يهتموا بفئتها ويعطوهم كافة حقوقهم كباقي شرائح المجتمع ودمجهم وتفعيل أدوارهم داخل المجتمع. مهزلة ومضحكة استوقفت المواطن محمد (30عاما) وسألته عن ردة فعله إذا شاهد أربعة أقزام في الشارع، فلاحظت استغرابه من سؤالي ثم أجاب ضاحكا:" بصير أضحك، وبروح أسلم عليهم، وأبدى إعجابي بهم، وأقول الحمد لله على النعمة اللي أنا فيها"، موضحا أن السبب في ذلك هي وسائل الإعلام التي دعمت فكرة الضحك عليهم وليس معهم. أما الطالبة هداية من جامعة القدس المفتوحة قالت باستهزاء:" بحطهم فوق بعض وبعملهم بني أدم"، معللة "أن ثقافة المجتمع لم تغرس فينا احترام وتقبل هذه الفئة من المجتمع". وقالت " أنها لا تتخيل أن ترافق قزمة يوما ما". أما غالية (40عاما) التي تعمل ربة منزل، فقد عبرت عن الحزن والآسي على هؤلاء الفئة من المجتمع، داعية من الله أن يلهمهم الصبر والثبات لمواصلة مسيرتهم في الحياة. صراع نفسي فضل أبوهين دكتور مختص في الشئون النفسية قال:" قصار القامة يعانون من مشاكل نفسية كبيرة، فالشكل الخارجي لا يمكن إخفاءه بعكس المشاعر والأحاسيس"، وبالتالي حينما لا يقبل من المجتمع ويسمى بمسميات مسيئة منها" قصير، قزم،.."، ملفتا إلى أن تلك التسميات ستكون جرحا غائرا له ولأولاده. وأوضح أبوهين أن نفسية قصار القامة غالبا ما تكون معرضة للقلق والتوتر وعدم الرضا عن الذات بسبب نظرة المجتمع الدونية لهم، مشيرا إلى أنه كلما كان الشخص مقبولا في المجتمع كلما كان أفضل حالا. وقال :"ان الأصعب من نظرة المجتمع، هو شعورهم بالحاجة لانتباه الغير إليهم والتشنج في محاولاتهم جذب الأنظار إليهم بأي طريقة مهما كانت"، لافتا إلى "أن العديد من الأقزام يتميز بقدرة خاصة علي "التهكم" والجعجعة حتي يثبتوا لأنفسهم أنهم "قادرون"بينما هم في الواقع مساكين ضعفاء. واجب المجتمع ودعا أبوهين إلى ضرورة تسليط الأضواء عليهم من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الداعمة لحقوق الإنسان لتفعيل دورهم في المجتمع وتقبل المجتمع لهم كأعضاء فاعلين، وتبديل الصورة السيئة التي دعمتها وسائل الإعلام من خلال تقديمهم في لقطات كوميدية ساخرة لتنتزع الضحكات من شفاه الجماهير وكأنهم كائنات غريبة على المجتمع. كما دعا إلى إنشاء جمعيات خاصة بهم لضمان حقوقهم وتقديم الإرشادات والمساعدات المعنوية والعينية، ودمجهم في المؤسسات العاملة في المجتمع حتى لا يبقوا كمخلوقات غريبة. وزارة الشئون الاجتماعية ومن جهته تحدث أ. مصطفي سمور مدير عام ذوى الاحتياجات الخاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية بغزة عن تلك الفئة فقال:"إنهم طبيعيون جدا وسبب قصرهم هو خلل في الغدة الدرقية أو النخامية"، منوها إلى أنه لم تتم أي دراسة عليهم من قبل الباحثين الاجتماعين في قطاع غزة أو حتى على مستوى البلاد، ونسبتهم قليلة ومع ذلك لا توجد إحصائية لهم. وذكر سمور أن قانون حقوق المعاق الفلسطيني الصادر عام 1999 لم يخصهم بالذكر بحجة أن البعض منهم لا تنقصه القدرة على مزاولة الأعمال الاعتيادية، مشيرا إلى يجب أن تقدم لهم خدمات كأي إنسان عادى يدمج في المجتمع بقدراته في المجال الأكاديمي والمهني. ولفت أن قانون العمل رقم4الذي ينص على توظيف 5% من الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تنطبق على فئة قصار القامة. وكانت قناة فلسطين الفضائية قد عرضت حلقة خاصة عن معاناة قصار القامة على برنامج" علي صوتك" الذي يعرض كل يوم أحد بالتعاون مع الهيئة الفلسطينية للإعلام وتفعيل دور الشباب"بيالارا" عام 2009، من خلال تسليط الأضواء على هذه الفئة وقيامهم بإجراء لقاءات مع الناس في شوارع رام الله والبيرة، لمعرفة مدى تقبل المجتمع لوجودهم بينهم، على أمل أن تتغير صورة المجتمع عنهم ولكن ما من أمل بتغير هذا النمط السائد. ومن الواضح أن نظرة المجتمع الفلسطينى لتلك الفئة مطلوب تطويرها ثقافيا وعمليا في إطار رؤية شاملة لتلك الفئة، حتى تشكل رافدا نوعيا مساندا لمسيرة المجتمع في التنمية وقبول الأخر.