حقا يستحيل وصفها , كأنها حورية من حوريات الجنة ,تسلب العقول, من تقع عيناه عليها لا ينظر لغيرها من شدة جمالها, تلك الفتاه البريئة طويلة القامة , رشيقة الجسم , ذات العينين الخضراوين, والشعر الاشقر اللامع كسلاسل الذهب, والبشرة البيضاء الصافية تشبه قطعة الثلج الأبيض, كلامها الموزون يخرج من فمها كالشهد المنقى, مثل الكروان بصوته الجميل........ من هنا كانت البداية......... ذهبت الى بيتها البسيط الملئ بالطمأنينة والهدوء, الكائن فى مدينة غزة, شاهدت غرفتها المزخرفة والجدران المزينة بالمطرزات الجميلة التى تحبكها بيدها السليمة الناعمة, والتى تعبر بها عن تراث شعبنا الفلسطينى الاصيل , بالإضافة الى عدة انواع من العلاج الخاصة بها, وكرسيها المتحرك بجوار سريرها قابلت وجها المتفائل للدنيا المتبسم لمن حولها البشوش, ولكن إنصدمت عندما سمعت قصتها الحزينة ذات الاحداث المثيرة المدهشة للأذان السامعة , بدأت ربا تسرد لى مسلسل ذكرياتها المرير وفى عيناها دمعة أمل لغد, فعندما كانت فى السابعة عشر من عمرها أصيبت بحمى شوكية أدت بها الى شلل رباعى, لم تستطع تحريك جسمها سوى رأسها, ولكن الصدمة الأكبر أنه لم تكن سبب الشلل هو الحمة الشوكية بل كان " غلطة طبيب " عندما اخذت جرعة من العلاج مكون من 11 إبرة ليس لهم علاقة بالحمى فهذا ما أدى بها الى ما عليه الان, والذى اقرت بأنها سامحته بخطأه. وكبرت ربا وتعرضت لحادث أخر فى المصعد أدى بها الى كسور فى عدة مناطق فى جسمها تعانى منها إلى هذه اللحظات, منها هشاشة فى العظام , ولم تصمت على وضعها وبلا جدوى, ذهبت الى مشفى "هــداسا" فى اسرائيل لتأخد التدريبات اللازمة والعلاج الطبيعى .قالت ربا ان دور الاطباء فى المشفى كان جدا فعال مع حالتها , بدأت بالتحسن حتى تحول الشلل الرباعى الى نصفى, وبقيت مستمرة فى علاجها لمدة تسعة اشهر ثم عادت لمنزلها بغزة لفترة وجيزة و استراحة لها , ولكن سرعان ما تجهز نفسها للعودة ثانية لـــــ "هـــداسا". اندلعت الانتفاضة الاولى عام 1987م وأغلقت الطرقات وفرضت سياسة منع التجول, ولم يبق أمل لعودتها مجددا لكى تستكمل العلاج , فلم يسمح لها بالعودة مطلقا, فهذا ما جعلها تستكمل علاجها الطبيعى فى غزة ,وللأسف كان يعطيها نتيجة جدا ضعيفة فى التحسن وبقيت لفترة طويلة على حالها حتى توفى أباها المعيل لها فى كل المصاريف . كان ابوها يعد من أغنياء غزة ,سبب وفاته هى إصابته بأمراض مزمنة( كالضغط والسكر) نتيجة تحسره على إبنته وعلى وضعها فكانت النتيجة المؤسفة أنها أصبحت تعتمد على نفسها حتى فى مصاريف علاجها لان اخوتها ال6عاطلين عن العمل من بعد خسارة لهم فى تجارتهم , ففى هذه الفترة تحطمت نفسيتها وأصبحت أكثر سوءا , وبالرغم من نفسيتها المحطمة فإن عزيمتها القوية وإيمانها الاقوى دفعها لـتأخد تدريبات فى مراكز تأهيل المعوقين لتستعيد نشاطها وتصبح عنصرا فعال فى مجتمع المعوقين, فلم تبق فترة طويلة فى المراكز لأنها شعرت أنهم يستغلونها فى عملها ولم تجد نفعا منهم, كانوا يشترون منها قطع التطريز بثمن بخس ويقومون ببيعه بثمن أغلى من الثمن المتفق عليه , فلم تشعر بأنها تأخد حقوقها كاملة,بالإضافة الى المعاملة السيئة التى كانت تعامل بها . تجلس الان ربا التى تبلغ من العمر 37 عاما على كرسيها المتحرك تمسك بيدها الابرة والخيط الحريرى المعتادة عليهم كل يوم ..هذا ما تستطيع ان تقوم به لتحمل اعباء نفسها , وتقضية وقتها وتغذية موهبتها . " لا اشعر نفسى بأننى معوقة" , راضية بما كتبه الله لى " ," لو عندك زيادة يارب عن الى انا فيه زيد عليا ", باتت هذه الكلمات تتردد من فمها وهذا اكبر دليل على انها جدا مؤمنة بما كتبه الله لها , وراضية بنصيبها , فهى الان تتمتع بنفس قوية وعزيمة واصرار على تحدى الواقع تخرج مع صديقاتها حتى انها سعيدة بشعبيتها الكبيرة, شاكرة فضل امها عليها ومساعدتها لها فى كل احتياجاتها , مع انها ما زالت تتحدث مع كل قطعة تطريز تحبكها تسترجع شريط حياتها الحزين منتظرة يوم جديد وماذا سيحدث لها بعد ذلك . تعبت على نفسها كثيرا حتى اصبحت اكثر حماسا للعمل ولصقل موهبتها ايضا فالذى تنتجه من تطريز وحياكة توفر به العلاج وتقضى به احتياجتها الشخصية.بقدرتها وقوتها وتفاؤلها للدنيا وظلها الخفيف استطاعت ان تثبت للمجتمع ان عقلها يصنع المعجزات حتى لا تمد يد لاحد والا تجعل احد ينظر اليه نظره الشفقة والحزن . تطلب ربا من الذى عليه المسؤليه تجاه المعوقين بتوفير اماكن لعرض منتوجاهم واعمالهم بها كى يشعروا بأنهم شريحة هامة فى المجتمع .