خبر : إياد..رواية القهر والفرح الفلسطيني.. تقرير: علا محمود

الخميس 20 أكتوبر 2011 12:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
إياد..رواية القهر والفرح الفلسطيني.. تقرير: علا محمود



غزة / سما / من علا محمود / ثلاثة وعشرون عاما قضاها الاسير المحرر "اياد ابو حسنه" المنحدر من قرية "بشيت" في فلسطين المحتلة في سجون الاحتلال، في تجربة هي الاقسى التي يواجهها الطفل "اياد" في حينه ابن الخامسة عشر ربيعا،والذي قام وزميل له بتنفيذ عملية ضد موقع عسكري اسرائيلي في منطقة كرم ابو سالم  عام 1988. غزة التي نادرا ما تفرح خرجت اليوم من حزنها الساكن فى مبانيها وشوارعها شبه المدمرة وفى جوع ابنائها وصبرهم على الحصار ، لتبتهج بانتصارها صباح يوم الثلاثاء الثامن عشر من اكتوبر الحالي رغم المعاناة والحصار والحسرة التي لا تزال تغص قلوب ساكنيها جراء بقاء آلاف الاسرى والاسيرات خلف قضبان السجان الاسرائيلي. إنه يوم مشهود فى تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عاشته غزة وهي تحتفي بأحد انجازات مقاومتها وصمودها المتمثل بنجاحها فى إجراء عملية تبادل الاسرى ...يوم احتفالي كبير يسجل في تاريخها الحديث. وقد اسمى الفلسطينيون هذا اليوم العظيم "بانفجارالفرح الغزي" حيث تعانقت دموع الغزيين مع حزنهم وفرحهم وحصارهم لتشكل نموذجا جديدا في سعيهم نحو الحرية والانعتاق من قيود السجن والحصار. حكاية اياد هي الرواية الفلسطينية بامتياز، هي حكاية اللجوء المتكرر والموت القادم في كل لحظة والأسر الابدي من كل احتمالات الحياة . "اياد" ابن عائلة لاجئة، من قرية بشيت الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل عام 1948، ليتم تشريدها الى قطاع غزة في مخيم فقير في جنوبه يسمى "رفح".إنها ضد سنن الحياة ان تفكر في موتك وقهرك منذ نعومة اظافرك ..يعايش اياد أبا تركه طفلا صغيرا، ليلتحق في صفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان ويفقد الأب احدى عينيه في واحدة من المعارك مع اسرائيل ولا يعرف اياد ان كان اباه حيا اوميتا الا في مرحلة متاخرة من طفولته وقبل اسره بعام او اقل، حيث تأكد له أن والده المقاتل لازال حيا رغم جراحه الجسدية والنفسية البليغة. تهدم جرافات الاحتلال بيت اياد في مخيم رفح وتنتقل العائلة الى الجزء المصري من مدينة رفح، قبل أن يفصل المدينتين سلك حدودي شائك يوضح العلامات التاريخية بين فلسطين ومصر، ليعايش الطفل لجوءا  جديدا يغنيه عن رواية اللجوء الاولى التي طالما سمعها من اخاديد الوجوه الغائرة في الحزن والقهر من اقربائه وجيرانه عن فلسطين الاولى وفلسطين النهاية. حملنا في وكالة "سما" انفسنا الى بيت"اياد" في رفح جنوب القطاع مزودين بمجموعة كبيرة من الاسئلة عن اياد وعن السر الذي جعل الاسير اللبناني الشهير "سمير القنطار" يتحدث عنه في اول مقابلة له بعد تحرره مباشرة ومطالبته العالم بالتدخل من اجل انقاذه من الموت المحقق. تتساوي الروايات والحكايات الفلسطينية في التفاصيل ولكن رواية اياد تختلف،  وتبدأ كما يقول في مارس عام 1988 عندما قام وزميل له بمهاجمة موقع عسكري في منطقة "كرم ابو سالم"جنوب قطاع غزة واصيب الاثنان حينها بجراح ونقلا الى مراكز التحقيق في داخل سجون الاحتلال. بعد فترة قصيرة يصدر الحكم على الفتى بالسجن 30عاما دون مراعاة لطفولته لتبدا مرحلة القتل والموت البطئ لاحلام عابرة قد تكون مرت في مخيلته عندما قرر العبور وتحقيق حلم العودة البرئ بطريقته الخاصة، من مخيم "رفح" في الجانب المصري، والمعروف باسم مخيم "كندا" إلى فلسطين المحتلة في ذلك اليوم المشهود،                                                       سنوات عجاف لا يرغب "اياد" في تمييز نفسه باحاديث عن معاناة الاسر وقسوة السجان ولكنه يستذكر زملاء القبور "العزل الانفرادي"..ابطال السجون امثال حسن سلامة ويحيي السنوار وغيرهم من الذين يعتبرهم عاشوا في ما اسماه"قبر داخل قبر". السنوات الثلاث الاخيرة من سجنه وعزله "كانت الاكثر دموية وقسوة في حياته" كما يصفها .. يقول إياد إنها كانت ثلاث عجاف قضاها وحيدا في قبر داخل قبر حسب تعبيره، ولكن زملاءه يؤكدون أنها كانت خمس سنوات.. "قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما او بعض يوم"، إنها حكاية الفلسطيني عندما "ينتفي الزمان والمكان ولا يمكنك إلا ان تعيش في احساس الزمن وقد يكون وهميا وقد يكون حقيقيا". "اياد" كما يصفه احد مسؤولي السجون الاسرائيلية كان عنيدا ولديه استعدادكبير للانتقام من اي سجان اسرائيلي وقد نفذ تهديده بمهاجمة احدهم واصابه اصابات متوسطة ما استدعى محكمة الاحتلال لان تضيف له سبع سنوات جديدة ليصبح الحكم الجديد 37 عاما.منذ تلك اللحظة الدامية بدأت رحلة الانتقام الكبرى لمصلحة السجون الاسرائيلية ضد من قام بكسر انف احد ضباط وحدة "نخشون" الاسرائيلية المتخصصة في قمع الاسرى الفلسطينيين سيئة الصيت والسمعة. يتفننون في تقييده بالسلاسل في اوضاع مختلفة ..عقوبات لا تنتهي والام متواصلة وقهر غير مسبوق وضرب واعتداءات شبه يومية وبالذات على راسه..انها محاولات لقتله حيا وليس سجنه فقط .حاول "اياد" الالتحاق بالجامعة العبرية خلال فترة سجنه كبقية زملائه وانهى احد "الكورسات" الا ان ادارة السجن قررت منعه من ذلك ايضا. في الثلاث سنوات الاخيرة او الخمس كما يؤكد"اصحاب السجن " كان "اياد" يكتب فصولها بدمه وقهره ولكنه يرفض الحديث عنها مجددا املا ان يضعها الله في ميزان حسناته ومستذكرا من كانوا معه من صناع المجد الفلسطيني القادم.                                                   مساومة على الانتحار يضيف اياد "عشرات المرات يساومني السجانون على قتلي ولكن دون رصاصات يريدون مني الانتحار .. يسألونني دائما ..لماذا لا تنتحر وتريح نفسك من هذا العناء فالكثيرون قاموا بذلك قبلك؟".. ويتابع "اخبرتهم باستعدادي لذلك ولكن برصاصهم، وكانوا يرفضون دائما، ووفروا لي كل اسباب الموت ووضعوا ادوات القتل امامي كي اتخلص من حياة وبقية امل أبقياني حيا ومتيقنا برحمة الله وفرجه".التفاصيل اليومية للمعاناة تحتاج الى اكثر من كتاب ورواية للحزن المتفجر من عيونه ونظراته الحادة ولكن يوميات التحرير الاخيرة تحتاج فعلا الى التنويه بها . يقول "اياد" انه لم يعرف بصفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحماس بسبب العقوبات التي فرضتها عليه ادارة السجون وسحب وسائل الاتصال والملابس والاغراض الشخصية منه الا قبل عدة ايام عندما سمع طفلة تتحدث في راديو محلي عن قريب لها من عائلة "ابو حسنه" سيتم اطلاق سراحه قريبا ضمن صفقة الاسرى.ويضيف "قبل يومين من التحرير اخذوني مقيدا، حافيا، بملابس رثة من العزل ووضعوني في زنزانة اخرى لا استطيع ان احدد مكانها وبدات الحرب النفسية مجددا". ويتابع "لم اكن اعرف اي شئ ولماذ اتوا بي الى هذه الزنزانة؟"..مضيفا "بدأوا يمارسون ضغوطا هائلة ..يتحدثون  تارة عن الافراج عني وكيف اشعر وتارة يخبرونني بان هناك حكم جديد سيضاف الى فترة سجني".ويقول "في الثلاثة ايام الاخيرة منعوني تماما من الخروج الى الحمام".. فيما كان العقاب المذهل، غير المعقول هو عدم حلاقة شعره  لمدة ثلاث سنوات متواصلة.إنها المرة الاولى التي يرى بها "إياد"ابن الـ 38 عاما اليوم، وجوها غير وجوه ساجنيه وقاتليه، هو طليق اليوم بجسده ولكن عقله وروحه لا زالتا معلقتين برفاق القبور "العزل" الذين ما فتأ يستذكرهم في كل لحظة فهم حاضرون في المكان والزمان تماما.وقد أبرمت صفقة تبادل الأسرى بين فصائل المقاومةالفلسطينية واسرائيل، وأطلق بموجبها سراح الجندي الاسرائيلي الذي كان أسيرا في قطاع غزة لحوالي خمس سنوات متتالية "جلعاد شاليط".. مقابل اطلاق سراح 1027 أسيراوأسيرة فلسطينيين على مرحلتين، حيث تم اطلاق سراح 477 أسيرا واسيرة فلسطينية ضمن المرحلة الاولى فيما سيتم اطلاق سراح 550 اسيرا فلسطينيا في المرحلة الثانية بعد شهرين.                                              انفجارات الفرح  النادرة تنفيذ الصفقة بدأ صباح يوم الثلاثاء، الثامن عشر من شهر اكتوبر الجاري، عندما سلمت حركة"حماس" الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط إلى الجانب المصري وعلى الفور بدأت الحافلات التي تقل الاسرى الفلسطينيين بالدخول الى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، فيمااصطفت مئات الشخصيات السياسية والاعتبارية والمواطنون في استقبال الاسرى المحررين في عرس بهيج.  الاحتفالات متواصلة حتى  بعد انتهاءالمهرجان المركزي الاحتفالي بعودة الاسرى حيث تطوف مئات العربات شوارع القطاع، مطلقة صافراتها في كل اتجاه فيما يطلق الاطفال وذويهم العابا نارية في سماء غزة تضئ ليلهاالمعتم جراء انقطاع التيار الكهربائي. مراسلة "سما" جالت في شوارع غزة المزدحمة بحاملي الاعلام وزغاريد النساء لتتعرف علي نوع الفرح الذي صنعه امثال "إياد".. على وجوه الغزيين والتقت بعدد من المواطنين الذين اعربوا عن فرحتهم الشديدة وابتهاجهم بهذاالانتصار الكبير الذي حققته سواعد المقاومة رغم الثمن الباهظ الذي دفعه سكان قطاع غزةعبر سقوط الاف الجرحى والشهداء في حرب اسرائيل الاخيرة على قطاع غزة. ويقول المواطن حسن احمد رمضان 34 عاما.. إنها لحظات تاريخية يعيشها الشعب الفلسطيني، مؤكدا ان هذا اليوم هو عيد ثالث للفلسطينيين بجانب عيدي الفطر والأضحى. واضاف "لا استطيع ان اصف مشاعري..هي مشاعر يتجاذبها ألم وفرح لرؤية اخواننا المعتقلين الذين امضوا زهرة شبابهم وعشرات السنين في المعتقلات الاسرائلية"، معربا عن أمله في تتمكن فصائل المقاومة الفلسطينية من اطلاق سراح كافة الاسرى في سجون الاحتلال. أما المواطن ماجد حمدان.. 56 عاما، فيصف  هذا اليوم بالعرس الفلسطيني المميز..استطاع فيه الشعب الفلسطيني ان ينتزع فرحته، مناشدا الجميع بالعمل على  اطلاق كافة الاسرى المتبقين في سجون الاحتلال. وأعرب حمدان عن أمله في أن تتحقق آمال الشعب الفلسطيني باطلاق سراح كافة الاسرى في سجون الاحتلال وبإقامة الدولة الفلسطينية أيضا وعاصمتها القدس الشريف. واضاف "نحن نؤكد ونشد على أيدي الأسرى البواسل المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال ونأمل بتلبية مطالبهم العادلة التي تكفلها لهم كل القوانين والمواثيق الدولية".                                                 أصحاب السجن أما امثال "اياد" من الاسرى فقد عبروا عن سروروهم بإطلاق سراحهم ولكنهم في نفس الوقت طالبوا بالعمل المستمر والجاد لاطلاق من تبقى من زملائهم في سجون الاحتلال الاسرائيلي. الاسير المبعد من جنين إلى غزة، أبو خالد قال لـ"سما" إنه يوم عظيم لكل الاسرى الفلسطينيين وإنه رغم ابعاده عن بلدته جنين إلاأنه لا يشعر بغربة في قطاع غزة، مشيرا إلى ان الاسرى المتبقين في سجون الاحتلال حملوه رسالة إلى الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه. وحول هذه الرسالة قال الاسير المحرر "لقد حملنا اخواننا في سجون الاحتلال رسالتين..الاولى تؤكد على انهم معتزون بالشعب الفلسطيني وبالمقاومة وشامخون بهم، ويقبلون جباههم ويبوسون الارض تحت اقدامهم، اماالرسالة الثانية، فقد طالبوا فيها المقاومة والفلسطينيين كافة بألا ينسوهم لأنهم عانوا كثيرا وهم صابرون بانتظار فرج الله بايدي المقاومة".الأسير المحرر ، يحيى السنوار طالب، فصائل المقاومة الفلسطينية بأن يأخذوا على عاتقهم تحرير باقي الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأكد السنوار أن الأسرى في سجون الاحتلال يتعرضون لهجمات صعبة وقاسية، مقدمًا شكره لكل من شارك في هذا الانجاز العظيم (صفقة تبادل الأسرى) ولمصر. وأشار السنوار إلى أن الاحتلال حاول أن يقهرالأسرى، إلا أن الاسرى حوَّلوا الزنازين إلى أكاديميات ومدارس تعد للمعركةالفاصلة.. لنصر عظيم حققه الشعب والمقاومة حسب تعبيره.                                            استثناء تسع أسيرات الفرحة بــ"إياد" وأصحاب السجن، كانت منقوصة والسبب يعود لرفض جيش الاحتلال اطلاق سراح تسع اسيرات فلسطينيات يقبعن في سجون الاحتلال ولم تشملهن الصفقة الأمر الذي لاقى استنكاراً واسعاً وامتعاضاً من مؤسسات حقوقية وأخرى معنية بشؤون الاسرى لما لهذا الموضوع من حساسية كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني وفي ظل التزام فصائلي تاريخي بإطلاق سراح الاسيرات الذي كان دوماً موازياً لكافة صفقات تبادل الاسرى مع الدولة العبرية. مئات السنين ضاعت من عمر "إياد" وصحبه، بحسابات مادية بسيطة، ولكنهم بصبرهم، أعطوا جرعة حياة وأملا جديدا في انتصار الكف على المخرز، طالما انتظره الفلسطينيون في زمن ندرة الفرح وتوالي القتل والقهر والتدمير، ويبقى  الهم الاكبر لدى معظمهم هو اطلاق سراح زملاء لهم فاق عددهم الثمانية آلاف أسير فلسطيني لازالت اسرائيل تحتجزهم في معتقلاتها في ظروف انسانية قاسية.