"يمكن خداع جزء من الجمهور طوال الوقت أو كل الجمهور بعض الوقت، لكن لا يمكن خداع كل الجمهور طوال الوقت"، هذا ما قاله قبل نحو من 150 سنة ابراهام لنكولن، وهو أحد أهم الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة. لكن يبدو انه عندنا اليوم ساسة يعتقدون خلاف ذلك. فهم على ثقة من أنهم يستطيعون خداع كل الجمهور طوال الوقت وأن يُفيدوا من ذلك إفادة جيدة. ومنهم شيلي يحيموفيتش التي انتخبت مؤخرا رئيسة حزب العمل. فهي على ثقة من أن الجمهور ليس له ذاكرة ولا فهم ولهذا تستطيع ان تخدعه خداعا كبيرا. قبل اربعة اشهر حينما كان احتجاج الكوتج في مهده ولم يكن واضحا هل ينجح ألبتة، عارضت يحيموفيتش الاحتجاج. وكتبت في مدونتها: "أنا أقل حماسة لاحتجاج الكوتج"، وأضافت تفسيرا فحواه ان خفض سعر جبن الكوتج سيضر بعمال "تنوفا" لأنه في الوقت الذي ينخفض فيه السعر سيخفض مديرو "تنوفا" أجور العمال. أنظروا الى أين يمكن أن يصل عدم الفهم في النظرية الاقتصادية، لأنه لو قُبل موقفها لاضطر جميع العمال في الجهاز الاقتصادي وهم ثلاثة ملايين شخص، ومنهم من يتلقى الحد الأدنى من الاجور، الى الاستمرار في دفع 7.3 شيكل عن جبن الكوتج (بدل 5.6 شواقل اليوم)، ولكان أصحاب شركة الاحتكار ("ايبكس") يظلون يجرفون أرباحا ضخمة. قد لا يحصل عمال "تنوفا" "غير المظلومين في أجورهم" على زيادة أجرة هذا العام في أعقاب خفض أسعار منتوجات الحليب، لكن من الواضح ان الذين سيتضررون حقا بخفض الأسعار صندوق الاستثمارات "ايبكس" الذي سيستطيع جذب قدر أقل من الأرباح، والمديرون الكبار في "تنوفا" الذين لن يحظوا بزيادات سمينة. اذا كان الامر كذلك فمن الذي تدافع عنه يحيموفيتش في الحقيقة؟ هل تدافع عن أصحاب المال وعن المديرين الكبار؟. الآن، ولشدة الحرج، غيرت الاتجاه وحاولت أن تصحح فقالت: "انتصر العقل السديد، يمكن خفض الاسعار لمصلحة المستهلك" مؤملة أن ينسى الجمهور كلامها الاول. وهناك تفسير آخر لتغيير موقفها: فقبل اربعة اشهر بحثت يحيموفيتش عن تأييد الكيبوتسات وعمال "تنوفا" في الانتخابات التمهيدية، وأصبحت الآن بعد الانتخابات. ان موقفها المخطيء في شأن جبن الكوتج مثل فقط. لأن يحيموفيتش تعارض بشدة واحدة من التوصيات الأهم في تقرير تريختنبرغ الذي قُبل هذا الاسبوع في الحكومة وهي: فتح الاقتصاد للاستيراد بخفض الضريبة الجمركية على منتوجات الصناعة والالكترونيات والاغذية، بقصد خفض الاسعار. الحديث عن خطوة مهمة ينبغي تأميل ان تُمضى في الكنيست، لكن يحيموفيتش تقول ان خفض الضريبة الجمركية "سيدمر الصناعة والزراعة". يبدو أنها لا تعلم أننا مررنا بمسيرة مشابهة في التسعينيات. فآنذاك خفضوا الضريبة الجمركية كثيرا، وتعرضت الصناعة الاسرائيلية لمنافسة الاستيراد. عارض اتحاد ارباب الصناعة ذلك الاجراء بالزعم المعروف وهو انه سيسبب اغلاق مصانع وبطالة. لكن هذا لم يحدث بل زادت المصانع نجوعا وزادت نسبة العمل وتطور الاقتصاد وحسّنت الصناعة الاسرائيلية نوعية الادارة وارتفعت درجة من جهة تكنولوجية. وعقب التعرض (للمنافسة) انتقلت الصناعة الى منتوجات ذات قيمة مضافة أعلى وهو شيء مكّن من رفع أجور العمال. تمتع الجمهور كله بذلك الاجراء لأن المنتوجات التي عُرضت للاستيراد – الملابس والاحذية ومنتوجات الكهرباء والالعاب والاثاث وأدوات المنزل وأدوات الطعام وأدوات الفراش ومنتوجات الغسل وغيرها – انخفض سعرها في العقد الاخير بنسبة 20 – 40 في المائة وزادت الكمية المستهلكة منها بعشرات الدرجات المئوية وهو ما رفع مستوى العيش ومستوى العمل في الجهاز الاقتصادي، بل اعترف شرغا باروش رئيس أرباب الصناعة منذ وقت غير بعيد بأن التعرض كان اجراءا صحيحا دفع الصناعة الى الأمام. تعارض يحيموفيتش ايضا خفض الضريبة الجمركية الضخمة المفروضة على المنتوجات الغذائية المعلبة والطازجة. وهي ترفض أن تفهم ان الجمهور كله يدفع بسبب ذلك أسعارا أكبر بضعفين من الأسعار في اوروبا والولايات المتحدة عن منتوجات أساسية كاللحم والدجاج والاسماك وزيت الزيتون ورب البندورة وعلب التونا والثوم الطازج والزبد والعسل وغيرها. لماذا ندفع ضريبة جمركية تبلغ 190 في المائة على استيراد اللحم أو 255 في المائة على استيراد العسل؟. اذا انتصرت غوغائية يحيموفيتش في الكنيست فسيتبين لنا جميعا ان لنكولن اخطأ وأنه يمكن خداع الجمهور كله طوال الوقت.