غزة / سما / اكد أمين سر هيئة الوفاق الفلسطيني د. جميل سلامة في حوار مع وكالة "سما" ان الانقسام الفلسطيني في واقعه صناعة فلسطينية بامتياز وعلاجه في الأساس فلسطيني أيضاً موضحا ان التعصب التنظيمي وإعلام الكراهية آفة خطيرة تنخر جسد الوحدة الوطنية. وقال ان المصالحة تحتاج لجهد دؤوب ومتواصل وليس عملاً موسمياً واستعراضياً ونفاقاً إعلامياً فيما اعتبر ان تسطيح الخلافات وعدم الإخلاص وغياب آليات عملية وراء فشل جهود المصالحة. وتابع "التحولات في المنطقة درس قاسي لطرفي الانقسام وشعبنا سيقول كلمته منوها الى ان "استحقاق أيلول وطلب عضوية الأمم المتحدة خطوة متأخرة لتصويب مسار أوسلو الطويل والخاطئ". وفيما يلي نص الحوار الذي اجرته وكالة "سما" مع الدكتور جميل سلامة : س1: هيئة الوفاق الفلسطيني اسم جديد متداول علي الساحة الفلسطينية, فهل يمكن تقديم بطاقة لها؟ج1: هيئة الوفاق الاسم الحركي لإرادة شعبنا الفلسطيني وأغلبيته الصامتة المتمثلة في تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية وانجاز الشراكة بين كافة القوى السياسية، وجاءت استجابة صادقة لهذه الإرادة وتجسيد لها علي أرض الواقع, فشعبنا أثخنته جروح الانقسام الدامي وأحبطته المحاولات المتكررة لتحقيقها دون نتائج عملية وملموسة علي الأرض, لذلك تداعي نفر من الأخوة الخيرين والمخلصين من أبناء شعبنا يحدوهم شعور عميق بالمسئولية والحس الوطني للتصدي لمعضلة الانقسام المستمر منذ أربع سنوات وآثاره المدمرة وإنجاز المصالحة والوفاق الوطني وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني ليضم تحت مظلته الجميع دون استثناء, وهذا النفر المكون من شخصيات وازنة وحكيمة من الفصائل الفلسطينية المختلفة سيما حركتي فتح وحماس والمستقلين وغيرهم من مكونات شعبنا تبلور في جسم جديد أسميناه علي بركة الله "هيئة الوفاق الفلسطيني" للاضطلاع بهذا الواجب الوطني لتحقيق الإنجاز التاريخي الذي ينشده شعبنا ويتوق إليه كل المنافحين عن قضينا والداعمين لنا من أبناء أمتنا العربية والإسلامية ومناصرينا في العالم بأسره. س2: ما هي أهم الإنجازات التي حققتموها منذ تأسيسكم حتى الآن؟ وهل أنتم متفائلون بنجاحكم في مهمتكم التي فشلت فيها قوى إقليمية ودولية؟ج2: أبدأ بالإجابة بالشق الثاني من سؤالكم فنحن جئنا لإدراكنا أن الانقسام الفلسطيني في واقعه صناعة فلسطينية بامتياز وبالتالي علاجه في الاساس فلسطيني أيضاً, فأهل مكة أدرى بشعابها رغم إدراكنا لتعقيدات الملف الفلسطيني محلياً وإقليمياً ودولياً, ونحن عندما اختطينا هذا النهج نملك بعد التوكل علي الله سبحانه وتعالي والتسلح بدعم كل شعبنا لرسالتنا إرادة فولاذية لإنجاز أهدافنا ولا نعرف لغة اليأس والإحباط مصداقاً لقوله تعالي (أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الضالون) "صدق الله العظيم", فيا أخي امتلاك إرادة النجاح قطع لنصف الطريق فنحن متفائلون إن شاء الله تعالى بتحقيق أهداف شعبنا وفي مقدمها إنجاز الوحدة الوطنية والشراكة السياسية التي يُجمع عليها شعبنا.أما أهم إنجازاتنا ففي مقدمتها إنشاء الهيئة بشخصيتها الاعتبارية المستقلة بغض النظر عن الخلفيات السياسية والاجتماعية لأعضائها وبقيادتها الجماعية وانتظام عملها وقد حققنا العديد من الخطوات كإفشاء ونشر ثقافة المصالحة والوفاق الوطني وأهمية تعميمها لدى كافة الشرائح السياسية والاجتماعية في شبعنا والتأثير من خلال وسائل الإعلام وبرامجها المختلفة في نبذ خطابات الفتنة وإعلام الكراهية الذي أضحى مع التعصب التنظيمي آفة خطيرة تنخر جسد الوحدة الوطنية, كما نظمنا العديد من اللقاءات الشعبية الجماهيرية لإنزال هذه الثقافة والروح في الميدان وكم تلمسنا تعطش الجماهير لخطابنا ورسالتنا وشاركنا بقوة في الحراك الشعبي والشبابي المطالب بإنهاء الانقسام وتحقيق الربيع الفلسطيني, ونظمنا عدد من ورش العمل واللقاءات بهذا الخصوص وقد التقينا بقيادات الفصائل سيما حركتي فتح وحماس لكسر الحواجز النفسية للالتقاء علي كلمة سواء, كما قدمنا خطة للمصالحة المجتمعية وإنهاء ذيول وآثار الانقسام الدامي، وخطة أخرى لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتكون النظام السياسي الأم والجامع لشعبنا، علاوة علي بذل الجهد لحل المشاكل المعيشية للمواطنين مثل جوازات السفر والكهرباء والمنع من السفر والاعتقالات السياسية، والآن بدأنا في التحرك علي الصعيد الإقليمي والدولي فلنا زيارة قريبة مرتقبة إن شاء الله للمغرب للإطلاع ودراسة التجربة المغربية لإنجاز المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية المتمثلة في هيئة الإنصاف والمصالحة وهي تعالج ذيول أكثر من أربعة عقود من الاحتقان السياسي والاجتماعي في المغرب الشقيق, وهذا يعزز الخبرة المهنية لنا للاستفادة من تجارب الغير من الأشقاء والأصدقاء فكما يقول المثل الصيني "أبدأ من حيث انتهي غيرك" ولدينا مخططات لزيارة نماذج أخرى في إيرلندا الشمالية وجنوب أفريقيا ولبنان والسودان علاوةً علي اللقاء بالقوى الإقليمية ذات التأثير في الملف الفلسطيني كمصر وتركيا والأردن وقطر وإيران ويبقي حلمنا الأساسي إنجاز المصالحة الوطنية الشاملة, وكما ضربنا مثالاً في المقاومة والجهاد لدي شعوب الأرض نسأل الله تعالى التوفيق لإنجاز شيئاً مناظراً في الوحدة والوفاق الوطني. س3: برأيك ما هي أبرز المعوقات التي تعترض مسيرتكم وتحقيق أهدافكم؟ج3: بطبيعة الحال يا أخي شأن كل عمل كبير طريقة غير معبدة بالورود والرياحين سيما عندما يتعلق الأمر بملف معقد وشائك كقضيتنا، فالمعوقات كثيرة ومتعددة سواء علي المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي, فمحلياً تسطيح الخلافات وعدم الإخلاص وغياب آليات عملية وراء فشل جهود المصالحة علاوة علي النرجسية الشخصية والفئوية التي أصبحت تاريخياً فيروساً فلسطينياً أوصلنا إلي الطريق المسدود وإلي حكومتين لشعب واحد تحت الاحتلال في مشهد مضحك مبكي في آن واحد إلي جانب أن جهود المصالحة المحلية أضحت متقطعة وموسمية فالمصالحة الحقيقية تحتاج لجهد دؤوب ومتواصل وليس عملاً موسمياً واستعراضياً ونفاقاً إعلامياً أو حتى مشاريع زعماتية وطموحات حرام لبعض الأشخاص والأطراف هنا وهناك.أما إقليمياً فلا شك أن بعض القوى هدفها دعم وحدة الشعب الفلسطيني وبعضها الأخر يراها خطراً عليها للإبقاء علي إمساكها بتلابيب القضية وتوظيفها كورقة لخدمة أجنداتها السياسية الخاصة, أما دولياً فالعقبة الكأداء الموقف الأمريكي المشين تاريخياً والقبيح في كل مرحلة وآخره الخطاب الظالم للرئيس الأمريكي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مقابل الخطاب المظلوم لشعبنا الذي عبر عنه الرئيس أبو مازن وقبله تصريحات أوباما نفسه الفجة والحمقاء بأن المصالحة بين فتح وحماس عقبة في طريق السلام وهو بخطابه الغبي يريد لنا تحقيق مصالحة مع العدو الإسرائيلي ونتجاهل مصالحتنا الوطنية الداخلية ونحن نقول له أن شعبنا بفتحه وبحماسه وباقي فصائله ومكوناته صفاً واحداً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي المتنكر لحقوقنا وأن وحدة الموقف الفلسطيني و تلبية حقوقنا المشروعة المفتاح الحقيقي للسلام في الشرق الأوسط والمنطقة برمتها.ولكن كما يقول شاعرنا العربي "علي قدر أهل العزم تأتي العزائم" فنحن بتوكلنا علي الله وإخلاصنا النوايا له سبحانه والتصاقنا بشعبنا وانبثاقنا من آلامه وآماله سنتغلب علي هذه العقبات والمصاعب وسنذللها لنصنع الفجر القادم لشعبنا لا محالة.والهيئة تعمل وفق رؤية واضحة وتسعى لحل مفاصل الخلاف وتقديم حلولاً إبداعية لمعالجة كل ذلك بعيداً عن صخب الإعلام. س4: الربيع العربي يعصف بالمنطقة العربية, فماذا عن الربيع الفلسطيني؟ج4: يا أخي يقول المفكر الإصلاحي عبد الرحمن الكواكبي "إن الاستبداد آفة أنظمة الحكم تاريخياً وأن النظام الدستوري الحل الناجع لها" وبالتالي الربيع العربي ثمرة طبيعية لحالة الاحتقان في الشارع العربي لعقودٍ عديدة من استبداد أنظمة سياسية وحكام لم يكن لهم من همٍ سوى حماية عروشهم وتجذيرها وتوريثها لأبنائهم حتى أصبحنا نسمع عن جمهوريات ملكية وراثية، حكام أذلوا شعوبهم وأهانوا أمتهم وكرسوا التخلف والتبعية ووصاية الأجنبي فكان الانفجار حتمياً عملاً بالقاعدة الفيزيائية لكل فعل رد فعل (Action and Reaction) وهذا الانفجار إن شاء الله سيزهر حرية وديمقراطية وحكماً رشيداً وكرامة للمواطن العربي والشعوب العربية وامتلاك العرب والمسلمين لإرادتهم وهويتهم واستقلالهم الحقيقي سياسياً واقتصادياً، وهذه التحولات في المنطقة درس قاسي لطرفي الانقسام الحالي في بلادنا, وربيعنا الفلسطيني المرجو هو ربيع إنجاز الوحدة الوطنية ووحدة التمثيل الفلسطيني والمرجعية الوطنية الواحدة وتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة، ومن ثم الانطلاق لإكمال مشروعنا التحرري الوطني وصولاً إلي السيادة والاستقلال بإذنه تعالى, وأؤكد أن شعبنا أمام استمرار الانقسام ومأسسته بذرائع ومبررات مختلفة وواهية وغير مقبولة سيقول كلمته وسينزل إلي الشارع بقوة كما نزل من قبل وكما نزلت الشعوب العربية ليفرض إرادته علي صناديد الانقسام من دعاة الممالك الشخصية والحزبية وممن يفتقدون صواب الرؤيا وبوصلة المصلحة الوطنية العليا وأولويات شعبنا. س5: الثورات العربية التي أشرت إليها تفاوتت بين السلمية وبين العنف المسلح, فأي نموذج تدعون الشعب الفلسطيني لإتباعه؟ج5: نحن لسنا أعداء يا أخي نحن شعب واحد أزاغ الشيطان بيننا ودبت الفتنة في أوساطنا سيما بين الحركتين المركزيتين في فلسطين فتح وحماس, فالأولى هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الممثل الشرعي لشعبنا وهي قائدة النضال الفلسطيني تاريخياً, والثانية حماس حركة فلسطينية جهادية أبدعت في العمل المقاوم والعمل السياسي والاجتماعي العام وفازت بالأغلبية المطلقة بثقة شعبنا في الانتخابات التشريعية عام 2006م, نحن فشلنا للأسف الشديد في إدارة خلافاتنا السياسية والإدارية والاجتماعية ووصلنا إلي الصدام المسلح المعروف بأحداث حزيران 2007م الدرامية في مشهد مؤلم أساء لنا ولطهارة قضيتنا ولنضالنا العريق ولدماء الشهداء وتضحيات شعبنا علي مر الأجيال وظهرنا أمام العالم كمتصارعين علي مائدة سلطة فارغة وتحت الاحتلال والأخطر أبرزتنا شعباً قاصراً يحتاج لوصي عليه ولا يستحق دولة أو كيان سياسي وهو ذات مدخل الانتداب علي فلسطين الذي أقرته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى وانتصار دول الحلفاء لتمكين الحركة الصهيونية من إقامة وطن قومي لشعبها في ديارنا, فهل يعقل أن نلجأ للعنف المسلح مرة أخرى, إننا في هيئة الوفاق ومعنا كل الخيرين الصادقين من أبناء شعبنا نرى أن البندقية الفلسطينية ليس لها إلا اتجاه واحد وهو صدر الاحتلال الغاصب وأن لا بديل عن الحوار والوفاق الداخلي إلا الحوار والوفاق وما قصدته في معرض جوابي علي سؤالكم السالف هو نزول الشعب الفلسطيني إلي الشارع والاعتصام في الساحات العامة سلمياً لفرض إرادته علي الفرقاء الفلسطينيين والضغط عليهم وإجبارهم علي النزول عند رغبة الجماهير بتحقيق الوحدة وإنجاز الوفاق الوطني وإقصاء أصوات النشاز من دعاة الفتنة والتناحر والاقتتال الداخلي والتي تصب أولاً وأخيراً في مصلحة الاحتلال وأعداء شعبنا سواء بحسن نية أو سوئها فمن عبد الله علي جهل فكأنما عصاه.س6: تحدثت عن النرجسية الشخصية والفئوية كمعوق وطني, فماذا عن الخلافات داخل هيئتكم حول رئاستها يبدو أن فاقد الشيء لا يعطيه؟ ج6: لا يا أخي هذا ظلم للهيئة ولرسالتها النبيلة وبهتان بحقها, والإعلام المهني يجب أن يتبين الحقيقة بعيداً عن اللغة الممجوجة وثرثرات البعض هنا وهناك, فلا شيء من ذلك أبداً وهي إدعاءات ومزاعم واهية، فللهيئة جسم قيادي يعتبر مثابة مكتب تنفيذي لها يضم رئيس الهيئة ونوابه وأمين السر وأمين الصندوق, ومنذ تأسيس الهيئة اتفق المؤسسون وأنا واحد منهم علي مبدأ القيادة الجماعية والفريق الواحد لنضرب مثلاً ونموذجاً يُحتذى في الشراكة الوطنية وعلى تدوير مواقع المسئولية لتجديد الهمة وتفجير الطاقات وتكامل الجهود، والأمر يتم عندنا بالتوافق كهيئة وفاق وقد توافق المؤسسون عند تأسيس الهيئة علي الأخ الدكتور/ كمال الشرافي كرئيس لها وهو شخصية وطنية محترمة ومستشار الرئيس أبي مازن لحقوق الإنسان والمجتمع المدني ووزير وعضو مجلس تشريعي سابق وقد أبدى قبل ذلك أكثر من مرة رغبة في تدوير الموقع وهو ما تم مؤخراً حيث تم التوافق علي الأخ الأستاذ/ طلال عوكل وهو كاتب وإعلامي فلسطيني معروف وشخصية تحظي باحترام وتقدير كافة الأطراف, وسيخلفه لاحقاً غيره ... وهكذا دواليك, فهل تسمي هذه الديمقراطية والتوافقية خلافات فإذا كانت كذلك فنعم بها, وأطمئنك أننا لسنا دعاة سلطة وجاه، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة والوفاق والمشورة والديمقراطية معاً الحصن الحصين والدرع الحامي لمسيرة الوحدة الوطنية لأي شعب يتوق للحرية والعدالة والتنمية.س7: ألا تعتقد أن وتيرة التفاؤل العالية لديك مبالغ فيها وغير واقعية في ظل التناقض بين مشروعي فتح وحماس وانتكاس جهود المصالحة المتتالية؟ ج7: علي العكس تماماً أنا متفائل جداً ووتيرة التفاؤل لدي وأخواني الزملاء في الهيئة متصاعدة فتفاءلوا بالخير تجدوه كما أخبرنا رسولنا عليه الصلاة والسلام, والأمر ليس تمنيات ولكنه تفاؤل مبني علي فهم واقعي لساحتنا الوطنية التي نعيش فيها على مدار اليوم و الساعة وإلمامُ بتفاصيل المحيط الإقليمي والدولي, فشعبنا المتخم خذلانا عبر مسيرته يدرك تمام الإدراك أن قوته الحقيقية في وحدته الوطنية وتماسك نسيجه الاجتماعي وأن حالة التشظي والانقسام القائمة سلبت الكثير من رصيده لدى الأشقاء والأصدقاء وأدت إلي تراجع قضيته ولم يجن من ورائها إلا حصاداً مراً من الآلام والعذابات التي عصفت به وبكيانه وبالتالي المصائب تجمع المصابينا وإننا نمر اليوم بحالة مراجعة وتقييم لمسيرة السنوات العجاف من الانقسام التي خسر فيها الجميع والوطن والفصائل ولم يكسب منها أحد, المطلوب اليوم تقويم المسيرة باعتذار جميع الفرقاء للشعب والوطن وفتح صفحة جديدة من الوحدة والشراكة الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني علي أسس شراكة حقيقية بعيداً عن الديكورية والابتذال والنزعات الشخصية والفئوية والارتباطات والأجندات الخارجية, أعتقد أن الجميع اليوم اكتوى بنار الانقسام وأدرك أن المحصلة خاسرة وأن المكسب والنجاة في قارب الوطن والشعب الواحد.ولماذا التشاؤم أيضاً وإن ما حدث فلسطينياً بسيطاً ومحدوداً مقارنة بما حدث في تجارب شعوب أخرى التهمت أزماتهم الداخلية وحروبهم الأهلية عشرات بل مئات الآلاف من الضحايا من قتلى وجرحى ومعاقين ومهجرين ولاجئين علاوة علي تدمير بنياتهم التحتية ومرافقهم العامة والخاصة في لبنان والسودان والسلفادور وليبيريا وجنوب إفريقيا وأنغولا ورواندا والجزائر وإيرلندا ويوغسلافيا السابقة وأفغانستان ودول أوروبا سابقاً ... الخ. والعديد من هذه الدول انتهى الحال بالفرقاء وأمراء الحروب فيها إلي الوفاق الوطني ونموذج الشراكة السياسية, فما حدث عندنا - دون تهوينه ومع التشديد على قداسة وحرمة دماء الإنسان- أسفر عن عدة مئات من الضحايا والجرحى و المهجرين وشيء مماثل من الخسائر في الممتلكات وهو ما يمكن معالجتها من خلال خطة وفاق ومصالحة مجتمعية شاملة فضلاً عن أن شعبنا معروف بتسامحه وعضه علي جراحه وسموه علي آلامه لصالح الوطن المقدس وتميزه بوحدة نسيجه الاجتماعي، فالسواد الأعظم من شعبنا مسلمي الديانة - مع تقديرنا لإخواننا شركاء الوطن والحضارة والهوية من المسيحيين الفلسطينيين- عرب القومية سنيي المذهب وعرب اللغة، فهنالك تجانس مجتمعي مقارنة مع شعوب أخرى تعاني من فسيفساء عرقية ودينية ومذهبية ورغم ذلك تجاوزت أزماتها وضربت مثلاً رائداً في الوحدة الوطنية والعيش المشترك كلبنان مثلاً رغم المنغصات بين الفينة و الأخرى.أما الحديث عن تناقض بين مشروعي فتح وحماس فأظن أن المبالغة تنطبق علي ذلك, فأعتقد أن المشروعين السياسيين الآن متقاربان إلى حد بعيد فكلا الفصيلين يؤمن بالحل المرحلي وكلتا الحركتين ذات مشروع وطني وإن كانت حماس جزءاً من التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين ومفهوم الدولة الإسلامية العالمية فهذا لا ينفي عنها الطابع الوطني, ففتح ومنظمة التحرير جزء من الجامعة العربية شأنها في ذلك شأن الدول العربية الأخرى وانخراطها في الجامعة العربية لا ينفي عنها الصفة الوطنية وكذلك عضوية الدول الإسلامية في منظمة التعاون الإسلامي أوالتجمعات الإقليمية الأخرى وأيضاً عضوية دول العالم في منظمة الأمم المتحدة, فالعولمة التي تجتاح العالم اليوم ثقافياً وإعلامياً عجزت عن تذويب خصوصية الشعوب والدول وهوياتها الذاتية والوطنية, فلا تعارض بين الهوية الوطنية والهوية العربية والإسلامية وحتى العالمية, وبالتالي أرى التوافق علي برنامج وطني فلسطيني أمرغيرعسير وإذا يسر الله لنا الإرادة وصدق النوايا وتغليب مصلحة الوطن والشعب علي سواها فأهل مكة أدرى بشعابها ورب همة أحيت أمة، ولا خيار أمامنا إلا النجاح فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم والوطن ينادينا فلنلبي النداء. س8: تجليات الانقسام الفلسطيني تتعمق ولم تقتصر علي الساحة الوطنية فحسب بل امتدت إلي الأمم المتحدة عشية استحقاق أيلول, كيف تنظر لذلك ؟ج8: أري في خطوة ما يعرف باستحقاق أيلول الخاصة بطلب العضوية الكاملة لفلسطين في منظومة الأمم المتحدة محاولة لتصويب مسار أوسلو الطويل والخاطئ وهي خطوة صائبة وأن جاءت متأخرة وذكرتني بخطاب الرئيس الشهيد ياسر عرفات – رحمه الله – وخطابه الشهير "جئتكم ببندقية الثائر وغصن الزيتون فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي" والرئيس أبو مازن كان موفقاً في خطابه في هذا المحفل الدولي الكبيرالذي لا يملك أحد إلا أن يساند هذه الخطوة ويدعمها باعتبارها دعماً لشعبنا وقضيتنا العادلة وليست رصيداً لشخص أو فصيل, بيد أن الرئيس أبي مازن لم يكن موفقا في التفرد بهذه الخطوة دون التنسيق الوطني الواسع سيما مع حركة حماس ذات الأغلبية النيابية وكذلك حركة الجهاد وباقي فصائل العمل الوطني, فالتشاور الإعلامي والهاتفي العابر ولرفع العتب لا يسمن ولا يغني من جوع, وخطوة وطنية بهذا الحجم تحتاج إلي تنسيق حقيقي وفعلي بين أعضاء البيت الفلسطيني الكبير, وأنا واثق إنها لو تمت ستثمر وفاقاً وتوافقا حولها سيما أن الأمر يتعلق بالخارج (الأمم المتحدة) وليس في الداخل حيث الملفات الداخلية الشائكة, وفي تقديري شرعية القرار الفلسطيني ناقصة بدون التوافق الوطني الشامل وحماس جزء مفصلي ورئيسي فيه ولا يمكن القفز عليه و كان يمكن لهذا التوافق لو تم أن يقدم إجابات شافية وواضحة للتوجسات والتخوفات في تداعيات هذه الخطوة علي حقوق اللاجئين في العودة وفقا للقرار الأممي 194 ومستقبل منظمة التحرير وشرعية تمثيلها إلي جانب تعزيز شراكة القرار حتى لا تحدث ردة فعل علي سياسة الإقصاء والتهميش, وكنت أتمني أن أري الأخ خالد مشعل علي يمين أبي مازن والأخ رمضان شلح علي يساره الى جانب ممثلي الفصائل الأخرى وهو يدخل المنظمة الأممية لنظهر أمام العالم بنياناً مرصوصاً وصفاً واحداً, وأعتقد أن هذه الخطوة قد تم تجاوزها بيد أن المطلوب اليوم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ليدخله الشركاء الجدد شركاء الوطن ومسيرة التحرر الوطني وإعادة تشكيل مطبخ القرار السياسي الوطني وهذا من أولي أولويات الوفاق الوطني الذي ننشده و شعبنا. س9: أود سؤالك عن برنامجكم للمرحلة القادمة وأهم معالمه؟ج9: أعتقد أن تركة الانقسام ثقيلة و تزداد مع كل تأخير لإنهائه, فللأسف تمأسس هذا الانقسام حتى أصبحنا بصدد شبه نظامين سياسيين مختلفين في قطاع غزة والضفة الغربية في مشهد تراجيدي مبكي علي حالنا الذي وصلنا إليه فهنالك حكومتان لجزء من الشعب في منطقتين منفصلتين جغرافيا وتحت الاحتلال وهو مشهد حريٌ بالفرقاء الحياء و الخجل منه أمام شعبهم والعالم والإسراع لإنهائه, فالبناء الحقيقي للحكومات يكون بعد إنجاز التحرير الشامل و امتلاك السيادة الحقيقية علي الشعب و الوطن.و نحن في هيئة الوفاق وبدعم وهِمة كافة المخلصين من أبناء شعبنا نسعى لخطة عمل متكاملة لإنهاء الانقسام ومعالجة أثاره وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وبناء نظامه السياسي علي أساس الشرعية الشعبية والشراكة الوطنية والتوافق الوطني علي المرجعيات والآليات وفق محددات واضحة, و تتكون عناصر هذه الخطة أو البرنامج مما يلي:أولا: القيام بحملة إعلامية جماهيرية واسعة في شتي وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة و المسموعة والمرئية ٍسواء كانت عامة أو خاصة وفي المدارس والجامعات والدواوين العائلية .... الخ للترويج لأهمية المصالحة والوفاق الوطني كمخرج واحد وحيد للأزمة الفلسطينية وشرح أهميتها للمستقبل الفلسطيني برمته أفراداً وفصائل لتبني المشروع من الكل الفلسطيني.ثانيا: الشروع ببناء الثقة بين الفرقاء سيما ساسة وقواعد حركتي فتح وحماس بإعتبار الثقة المتبادلة أهم عناصر نجاح أي مصالحة وذلك من خلال كسر الحواجز النفسية واللقاءات المباشرة علي كل المستويات وأهمية الإنصات لنبض الشارع التواق للمصالحة والوفاق.ثالثا: وضع آليات تفصيلية لإنجاز المصالحة الاجتماعية باعتبارها بيت الثعابين التي تشكل أهم تجليات حالة الاحتقان في النسيج الاجتماعي الوطني من خلال تشكيل (الهيئة القضائية المستقلة للمصالحة الاجتماعية) لمعالجة كافة ملفات الأزمة من ضحايا القتل والإصابات والإعاقات والمهجرين للخارج والأضرار المادية والمعنوية والاستيلاء علي الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والمشاكل العائلية والاجتماعية الناجمة عن كل ذلك.رابعا: فتح ورش عمل وأيام دراسية مركزة تضم خبراء مهنيين وسياسيين من الفصائل ومكونات الشعب الأخرى للتفكير في آليات توحيد الحكومتين ودمج موظفيهما المدنيين والعسكريين وبمعني أخر وحدة الكادر الحكومي الفلسطيني من خلال آليات وطينة مهنية وتوافقية.خامساً: الدخول الفعلي في إعادة بناء منظمة تحرير كعنوان لشعبنا ونظامه السياسي من خلال وضع مرجعية دستورية توافقية جديدة للمنظمة وإعادة تشكيل المجلس الوطني من خلال الانتخابات حيثما أُتيحت وصيغ توافقية حقيقية, ومن ثم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة والتوافق علي برنامج سياسي متكامل يعالج قضايا المقاومة والتفاوض والتنمية, وفي تقديري هكذا برنامج متكامل من شأن العمل به وتطبيقه الوصول إلي فلسطين جديدة نضاهي بها الغير و نحظى بثقة شعبنا واحترام العالم بأسره. س 10: هل من كلمة أخيرة؟أدعو الله من قلب صادق أن يوفقنا جميعا كفلسطينيين نخباً سياسية و مواطنين لإعادة توحيد صفوفنا وتنظيم أولوياتنا وأن يجمعنا علي قلب رجل واحد لبناء الإنسان الفلسطيني ثروتنا الحقيقية وأغلى ما نملك من أجل إنجاز مشروعنا في التحرير ولاستقلال الذي طال للأسف الشديد و نخشى أن يُحرم جيلنا من رؤيته كما حُرم منه أباؤنا و أجدادنا فالوحدة قوة والفرقة هوان, ونسأله تعالي أيضا أن يُبصرنا بالمنافقين في أوساطنا ذوي الأجندات الخاصة والمشبوهة الذين عاثوا فساداً في قضيتنا في كل زمان ومكان والذين عثروا مسيرتنا تاريخياً, وهم سرطان كل مرحلة وأن تتحقق المصالحة التاريخية بما يُشفي صدور شعبنا المظلوم ويرسم البسمة علي شفاه إخواننا وأنصارنا من العرب والمسلمين والإنسانية جمعاء العاشقين لقضيتنا وعدالتها، إنه سميع قريب مُجيب الدعوات.