خبر : الصيام و الصحة النفسية ... بقلم: محمد على الزير

الثلاثاء 09 أغسطس 2011 02:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
الصيام و الصحة النفسية ... بقلم: محمد على الزير



 لعل أهم ما يميز شهر رمضان عن بقية العام هو الصيام الذي يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار، بالإضافة إلى الجو الروحاني الخاص الذي يميز هذا الشهر من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة، وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار، وهذه المشاركة بحد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية على المرضي النفسيين الذين يعانون من العزلة ويشعرون أن إصابتهم بالاضطراب النفسي قد وضعت حاجزاً بينهم وبين المحيطين بهم في الأسرة والمجتمع.. وشهر رمضان بما يتضمنه من نظام شامل يلقي بظلاله على الجميع حين يصومون خلال النهار، وتتميز سلوكياتهم عموماً بالالتزام بالعبادات، ومحاولات التقرب إلى الله، وتعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث على الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة التي تمثل معاناة للمرضى النفسيين، فيسهم هذا التغيير الإيجابي في حدوث تحسن في حياتهم النفسية.  وللصوم آثار إيجابية في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة ضعف في كل مرضى النفس،كما إن الصوم هو تقرب إلى الله يمنح أملاً في الثواب ويساعد على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي، كما أن الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والممارسات الأخرى خلال النهار يسهم في مضاعفة قدرة المريض على الاحتمال، مما يقوى مواجهته ومقاومته للأعراض المرضية... ولهذه الأسباب فإننا في الصحة النفسية ننصح المرضى بالصيام في رمضان، ونلاحظ أن ذلك يؤدى إلى تحسن حالتهم النفسية. صيام المرضى النفسيين:  الاكتئاب النفسي هو مرض العصر الحالي، وتبلغ نسبة الإصابة به 7% من سكان العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وأهم أعراض الاكتئاب الشعور باليأس والعزلة وتراجع الإرادة والشعور بالذنب والتفكير في الانتحار، والصوم بما يمنحه للصائم من التأمل في ثواب الله يجدد الرجاء لديه في الخروج من دائرة اليأس، كما أن المشاركة مع الآخرين في الصيام والعبادات والأعمال الصالحة خلال رمضان يتضمن نهاية العزلة التي يفرضها الاكتئاب علي المريض، وممارسة العبادات مثل الانتظام في ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذا الشهر تتضمن التوبة وتقاوم مشاعر الإثم وتبعد الأذهان عن التفكير في إيذاء النفس بعد أن يشعر الشخص بقبول النفس والتفاؤل والأمل في مواجهة أعراض الاكتئاب. أما القلق فإنه سمة من سمات عصرنا الحالي، وتقدر حالات القلق عند المرضى بنسبة 30-40% في بعض المجتمعات، والقلق ينشأ من الانشغال بهموم الحياة وتوقع الأسوأ والخوف على المال والأبناء والصحة. وشعور الاطمئنان المصاحب لصيام رمضان وذكر الله بصورة متزايدة خلال رمضان فيه أيضاً راحة نفسية وطمأنينة تسهم في التخلص من مشاعر القلق والتوتر.  والوساوس القهرية يعاني منها عدد كبير من الناس علي عكس الانطباع بأنها حالات فردية نادرة، فالنسبة التي تقدرها الإحصائيات لحالات الوسواس القهري تصل إلى 3%، مما يعني ملايين الحالات في المجتمع، وتكون الوساوس في صورة تكرار بعض الأفعال بدافع الشك المرضي مثل وسواس النظافة الذي يتضمن تكرار الاغتسال للتخلص من وهم القذارة والتلوث، وهناك الأفكار الوسواسية حول أمور دينية أو جنسية أو أفكار سخيفة تتسلط على المرضى ولا يكون بوسعهم التخلص منها، ويسهم الصوم في تقوية إرادة هؤلاء المرضى، واستبدال اهتمامهم بهذه الأوهام ليحل محلها الانشغال بالعبادات وممارسة طقوس الصيام والصلوات والذكر مما يعطي دفعة داخلية تساعد المريض على التغلب على تسلط الوساوس المرضية. الصيام وقوة الإرادة:                                             إن قدوم شهر الصيام والاضطرار إلى الامتناع عن التدخين على مدى ساعات النهار هو فرصة للمدخنين الراغبين في الإقلاع لاتخاذ قرار التوقف نهائياً عن التدخين، ونلاحظ بالفعل أن نسبة نجاح الإقلاع عن التدخين في شهر رمضان أكبر من النسبة  المعتادة في الأوقات الأخرى والتي لا تزيد عن 20% بمعنى أن كل 10 من المدخنين يبدؤون في الإقلاع ينجح 2 فقط منهم ويعود 8 إلى التدخين مرة أخرى. وبالنسبة للإدمان- وهو إحدى المشكلات المستعصية التي تواجه الأطباء النفسيين، فإن تحقيق نتيجة ايجابية في علاج هذه الحالات يمكن أن تزيد فرصته مع صيام رمضان، فالصيام تقوية للإرادة المتدنية لدى المدمنين، وقبولهم تحدي الامتناع عن الطعام والشراب خلال نهار رمضان يسهم في تقوية إرادتهم ومقاومتهم لإلحاح تعاطي مواد الإدمان المختلفة، كما أن شهر رمضان يذكر الجميع بضرورة التوقف عن ممارسة الأعمال التي تتنافي مع روح الدين ويمنح فرصة للتوبة والرجوع إلى الله، وهي فرصة كبيرة للخروج من مأزق الإدمان لمن لديه الدافع إلى ذلك.. كلمة أخيرة.. أتوجه بها إليك عزيزي القارئ: فأمامنا جميعاً فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب كثيرة في هذا الشهر الكريم.. فالصيام وذكر الله في نهار رمضان، والتقرب إلى الله بالعبادات في هذا الشهر، من الأمور الايجابية التي تنعكس على الصحة النفسية للجميع.. والفرصة كبيرة أمام إخواننا ممن يعانون من الاضطرابات النفسية لتدعيم تحسن حالتهم ومساعدتهم في الخروج من المعاناة النفسية.. كما أن الفرصة الذهبية هي من نصيب إخواننا الذين هم أسرى لعادة التدخين التي تهدد صحتهم ويمكن أن تودي بحياتهم، وللذين وقعوا في مأزق الإدمان على المواد المخدرة.. كل هؤلاء يمكنهم في هذا الموسم بالذات الاستفادة من هذه الفرصة في شهر رمضان الذي استقبلناه ونعيش أيامه ولياليه في جو روحاني رائع.. ونتمنى أن يكون هذا الشهر مناسبة مباركة يتم فيها شروق أمل في نهاية المصاعب والمتاعب التي يعانى منها المسلمون في أنحاء العالم.. ونتجه إلى الله بالدعاء، ونرجو منه الإجابة.. أنه سميع مجيب.   - ماجستير علم نفس برنامج غزة للصحة النفسية المراجع: حياتنا النفسية— د. مصطفى الشربينى نظرات نفسية في الصيام د. محمد كمال الشريف الصيام والأمراض النفسية أ.د/ موسى مدني الخطيب