خبر : مبارك في القفص : يمهل ولا يهمل ...بقلم: زياد ابوشاويش

الأحد 07 أغسطس 2011 02:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مبارك في القفص : يمهل ولا يهمل ...بقلم: زياد ابوشاويش



قبل بضعة أشهر كان مجرد تصور خلع مبارك عن كرسي الحكم من الأمور الصعبة وشبه المستحيلة، وحتى في أكثر التوقعات تفاؤلاً لم نسمع عن إمكانية وضع المذكور في قفص الاتهام ليحاكم بتهمة قتل المحتجين على حكمه والمتظلمين من تعسفه وجوره على العباد من أبناء مصر الطيبين والمحبين لبلدهم، والذين عرف عنهم احترامهم لحكامهم وطاعتهم لهم إن كانوا شبه منصفين لرعيتهم وليس عادلين كل العدل كما تقتضي أسس الحكم واستمراره. إن المحاكمة التي بدأت يوم الثالث من آب (أغسطس) الموافق يوم الثالث من رمضان تعتبر الحدث الأبرز بعد ثورة مصر العظيمة، وهي بكل المقاييس تمثل نموذجاً حضارياً لإعمال القانون في حدود إرادة الشعب وما يطلبه من القضاء المعروف تاريخياً بنزاهته في مصر. الشعب المصري المعروف بصبره واحترامه لكباره ومسؤوليه يعفو ويسامح إلا في هدر كرامته وبيع وطنه للأجنبي، ومن هنا كان إلحاح الناس على محاكمة مبارك علناً يعبر بدقة عن المعايير أو المقاييس التي يرى بها المصريون متى يجب أن يوضع أمثاله في قفص الاتهام ليقتصوا منه على ما ارتكب من جرائم بحق مصر العربية وليس فقط لقتله المتظاهرين أو السماح بقتلهم كما ورد في لائحة الاتهام المقدمة من النيابة العامة، ولا حتى قصة التربح وأكل المال العام بالباطل في ذات إطار التهمة المشار إليها. الرئيس المخلوع محمد حسني السيد مبارك أساء لبلده وازدراها بطريقة لا يمكن قبولها، وعمل على إخفاء معالم جريمته عبر موجات الكذب الإعلامي الرخيص والمنافق لمؤسسات مملوكة للشعب كما هو مفترض والتي تحتكرها الدولة ومؤسسة الرئاسة التي تحولت إلى مؤسسة عائلية كالشركات الخاصة ومكاتب السمسرة المعروفة جيداً للمصريين. إن كل الرياء والمداهنة التي اتسمت بها شعارات التضليل لتسويغ حكم مبارك وتبرير جرائمه ضد الشعب المصري ووضع مصر رهينة السياسة الأمريكية والإسرائيلية لم تجديه نفعاً حين انكشفت الحقيقة للناس وبات القاصي والداني يعرفون بموضوعة الدور المهين لمصر الكبيرة وللقاهرة التي كانت على مر التاريخ مقصداً للثوار والمظلومين، كيف تحولت على يد حاكمها المستبد والجاهل إلى مجرد خادم لطموحات العدو الأمريكي-الصهيوني الذي أبدى قادته الحزن الشديد على سقوط مبارك ومحاكمته. إن الرجعية العربية وفي طليعتها السعودية ودول الخليج سعت بكل قوة لمنع محاكمة مبارك لأسباب بات يعرفها الجميع، وهذا يدل على مكانة الرجل الكبيرة في سلم العملاء والجواسيس الذين برعوا في خدمة أسيادهم الأمريكان والغرب عموماً. إن حكمة التاريخ في تعامل المصريين مع حكامهم وفي صيرورة التقدم الاجتماعي والسياسي بمصر كان لابد أن تنبه هذا الفاسد إلى ما ينتظره إن استمر في سلوك ذات الدرب الذي أوصل بلده حد الفقر والفاقة وانتظار المعونات الأمريكية، كما أوصله إلى أقل حجم ومكانة ودور يمكن أن تصله مصر الحضارة في الوطن العربي وفي العالم، كما أن ذات الدرس كان يجب أن يشرح لهذا الغبي خطورة الوضع المهين لمثقفي مصر وعقولها وطبقتها المتوسطة بسبب سياسته الرعناء في بيع القطاع العام و قبول شروط البنك الدولي وسياسة أمريكا المفروضة على مصر، الأمر الذي همش دور هؤلاء وأضاف المزيد من عوامل التحفز والغضب التي انفجرت في الخامس والعشرين من يناير (كانون ثاني) مطلع العام الحالي. يمهل ولا يهمل كلمة تقال لتحفيز المؤمنين على طاعة خالقهم والابتعاد عن فعل الشر، وهي من صفات الله عز وجل في التعامل مع الكافرين والمنحرفين وصناع الشر، لكنها هنا تعني بالإضافة لذلك شعب مصر الأبي الذي كما أسلفنا يصبر ويتسامح حتى يرى أن هؤلاء الحكام يستخفون به وبمصلحة وطنهم (الأمر الذي قام به المخلوع)، ففي حينها يتقدم بشجاعة وثبات لأخذ زمام المبادرة ووقف العبث بمقدراته ومستقبله، وهذا ما حدث حين قامت جموع الشعب وفي طليعتهم شباب مصر بتغيير الواقع السيئ وخلع الحاكم المستبد وإحالته للقصاص العادل. إن صورة حسني مبارك في قفص الاتهام تمثل درساً كبيراً لكل حاكم لا يحترم إرادة شعبه ولكل ظالم لا يعرف حدود الحق من الباطل فيخلط كل شيء ويفصل القانون على مقاسه كما فعل مبارك وزبانيته وأنجاله. الدرس شاهده كل المواطنين المصريين والعرب في كل مكان، بل تابعه عن كثب عدد كبير من شعوب العالم باهتمام بالغ كما ورد في الأخبار التي كان أبرزها حدث المحاكمة التاريخية لنظام أفسد الحياة بكل تجلياتها في بلد عظيم كمصر. لقد انطوى ببدء المحاكمة علناً حقبة رديئة من تاريخ مصر لينفتح الأفق على تغير نوعي يحمل لشعب مصر والأمة العربية الكثير من الآمال والطموح بمستقبل زاهر وباستعادة مصر لمكانتها قائداً للأمة ومنافحاً عن حقها في أرضها ونفطها ومياهها، كما بوحدة الفعل العربي باتجاه العصرنة والتقدم واستعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين والجولان ولبنان وكل أرض عربية تم احتلالها أو استباحتها على مدى العقود الأربعة الماضية لحكم مبارك وسلفه السادات. نبارك لمصر ولشعبها هذا الانجاز الهام على طريق إكمال أهداف الثورة وتحقيق الحلم. Zead51@hotmail.com