خبر : دلالات مقتل عبد الفتاح يونس ...بقلم: زياد ابوشاويش

السبت 30 يوليو 2011 09:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دلالات مقتل عبد الفتاح يونس ...بقلم: زياد ابوشاويش



عندما أعلن عبد الفتاح يونس انضمامه للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا لقيادة ما سمي في حينه بالثورة الليبية شعر الكثيرون ممن يعرفون الواقع الليبي بالدهشة من هذه الخطوة بسبب موقع ومكانة الرجل في تركيبة النظام الليبي الذي يقوده معمر القذافي وكونه الرتبة العسكرية الأعلى من الجيش التي تبادر بالانضمام للتمرد، وبسبب من رتبته تلك جرى تسميته قائداً عاماً لقوات "الثورة". جاءت خطوة يونس بالانشقاق عن الجيش الرسمي للانضمام للتمرد موجعة للعقيد القذافي الذي عمل بكل طاقته على منع يونس من الانضمام بشكل نهائي للطرف الآخر لكن الزمن لم يسعفه وانتشر الخبر، فكان انضمام العديد من الضباط برتب مختلفة للتمرد والإعلان عن المشاركة في القتال ضد نظام العقيد القذافي. وحتى بعد اتضاح الخطوة النوعية من يونس بقيادة مقاتلي المجلس الانتقالي بقي النظام الليبي ولأيام عديدة يتحدث عن عودة يونس لموقعه في السلطة القديمة التي لا تزال تمسك بالقسم الأكبر من ليبيا تحت سيطرتها وخاصة فيما يرتبط بالعاصمة والجنوب، وهي مناطق يتركز فيها سكان ليبيا بنسبة تزيد عن النصف كثيرا. منذ أكثر من يومين هناك معلومات تتحدث عن تطور ما يقوده عبد الفتاح يونس شخصياً، وتتوالى الأخبار حول أحاديث يبثها العقيد معمر القذافي حول عبد الفتاح يونس ويقول فيها للمقربين: انتظروا أخباراً سارة من عبد الفتاح يونس، في الوقت الذي كان المعني يقود فرقة الصاعقة لاقتحام البريقة والصلاة فيها اليوم الجمعة كما أعلن بعض مرافقيه بعد مقتله. بالنسبة لي لم يكن خبر اغتيال الرجل على يد من يفترض أنهم حلفاؤه مفاجئأ بسبب التركيبة المعروفة للمجلس والمكتب التنفيذي الذي يتبعه، وربما سيتضح خلال أيام أو ساعات خفايا الحدث الدراماتيكي لكن المؤكد أن خلافاً حاداً يقع اليوم بين المكتب والمجلس لأسباب متعددة من بينها وعلى رأسها الصراع على السلطة والقرار. يقولون: الثورة تأكل أبناءها....لكن ما جرى لم يكن تحت هذا العنوان، وقبيلة العبيدات التي ينتمي إليها يونس هي من القبائل الكبرى في ليبيا، ورغم إعلانها الولاء للمستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي إلا أن كلام ابن شقيق عبد الفتاح يونس بالخصوص لا يعبر في الحقيقة عن دواخل الموقف الحقيقي للقبيلة قبل وبعد اغتيال يونس كون القبيلة من أشد مناصري العقيد القذافي أو هكذا كانت لفترة قريبة، ومنها خرج العديد من زعماء ليبيا في زمن ثورة الفاتح عرف منهم رئيس الوزراء الأسبق عبدالعاطي العبيدي. المعلومات المتوفرة حول ملابسات عملية القتل تقول أن المكتب التنفيذي ونتيجة لمعلومات لديه تتعلق بخيانة أو بانحراف ما للرجل قامت بإرسال فريق من المقاتلين الذين يأتمرون بتعليماتها باستدعاء الرجل وإلقاء القبض عليه واقتياده لبنغازي من على مشارف البريقة قبيل المعركة الفاصلة حول المدينة مباشرة، وأن هذا الفريق نفذ الأمر رغم معرفته بأن الرجل هو القائد العام لقوات "الثورة" وأن اعتقاله سيكون صعباً وخروجاً عن الأعراف العسكرية المعروفة. في المعلومات كذلك أن هذا الفريق نجح في اختراق كل الحواجز للوصول ليونس وبالتالي تنفيذ القرار الذي يقضي باصطحابه للخلف ومن ثم لبنغازي، ثم فجأة وبدون سبب واضح حتى الآن جرى إعدام الرجل واثنين من مرافقيه بإطلاق النار عليه، ولم يكتفي الفريق بذلك بل قام بإحراقه أيضاً. وفي المعلومات أخيراً أنه وفي الأثناء علم مصطفى عبد الجليل بقرار التحفظ على يونس بعد اعتقاله فأصدر أمراً متأخراً بالإفراج عنه وعدم المس به، لكن سبق السيف العذل كما يقال في المثل العربي القديم. بنظرة متفحصة لكل المعلومات والسياق الذي أوردناه تتضح بعض دلالات الحدث على النحو التالي: أولاً: أن هناك خلافاً كبيراً بين المجلس الانتقالي الليبي وبين أداته التنفيذية أو ما يسمى المكتب التنفيذي وأن قصة عبد الفتاح يونس هي أحد وجوه الخلاف وليست كله. ثانياً: أن النظام الليبي بقيادة القذافي لا زال يملك خيارات في القسم الشرقي من البلاد رغم انتهاء ولايته عليه بالمعنى الواقعي وأن قسماً من المتمردين لا يوالي التمرد بشكل حقيقي. ثالثاً: أنه برغم ارتماء المجلس الانتقالي وقيادته وعلى رأسهم مصطفى عبد الجليل وأتباعه في أحضان حلف الأطلسي وقبولهم تدمير بلدهم تحت غطاء ومبرر حماية المدنيين إلا أنهم لا يحظون بإجماع المعارضة الليبية أو احترامها كما يزعمون ويرددون. رابعاً: إن السماح لكل من هب ودب أن يتواجد فوق الأرض الليبية من الجهة الشرقية وخاصة رجال المخابرات من الدول الغربية وبعض الدول العربية التابعة لأمريكا والمعروفة بعلاقتها بالعدو الصهيوني، هذا السماح ترك المنطقة الشرقية عرضة لكل أنواع الاختراق وبالتالي استدراج المجموعات المختلفة ممن يسمون أنفسهم ثوار إلى الفتنة والاقتتال الداخلي وسنرى قريبا نتائج هذه السياسة العميلة من جانب المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي. خامساً: اتضاح حقيقة الحرية والثورة التي ينادي بها هذا الفريق في مواجهة الحكومة الرسمية في طرابلس والتي مهما قيل في ديكتاتوريتها وظلم القذافي وأبنائه للشعب الليبي، تبقى أفضل حالاً من جلب المستعمر وحلف الأطلسي لتدمير البلاد وقتل العباد، والأنكى قتل بعضهم بعضا. سادساً: إن من يشرع استدعاء الأجنبي لنصرته ضد أشقائه عليه أن يعرف أن موقفه هذا يسوغ تشريع أي قانون وفي أي اتجاه كان، ومن بين تلك القوانين إهدار دم من يستعين بالأجنبي، وكلنا نتذكر كيف أعلن عبد الفتاح يونس قبل عدة أشهر أن استدعاء حلف النيتو لضرب ليبيا بحجة حماية المدنيين هو أمر مشروع بل وضرورة وطنية، وها هو يدفع اليوم ثمن موقفه ذاك. ليبيا تحت القصف والموت منذ أشهر طويلة وحان الوقت لوقف هذا النزف وهذا الدمار، ولن يحدث ذلك إلا بحوار وطني شامل يناقش كل شيء وفي مقدمته رحيل القذافي وطبيعة التحول والعملية الانتقالية، لكن الأهم الآن هو وقف القتال. Zead51@hotmail.com