خبر : مصالحة "نص نص" تعني أيلول معلول! ...رجب أبو سرية

الثلاثاء 26 يوليو 2011 08:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مصالحة "نص نص" تعني أيلول معلول! ...رجب أبو سرية



إذا كان العامة في بلادنا قد اعتادوا القول إن "أيلول ذيله مبلول"، فإن أيلول في الذاكرة الفلسطينية غارق في الدم، منذ أيلول 70 في الأردن إلى أيلول 92، تل الزعتر، وربما كان ذلك مبعثاً لا إرادياً لازدياد حالة التوجّس والقلق، وربما انعدام الثقة، مما يمكن أن ينجم في أيلول هذه السنة من بشائر تقلب "صورة" أيلول في الذاكرة الفلسطينية، حتى يصبح أيلولاً آخر، غير ذلك الذي عرفه الفلسطينيون في السنوات الماضية.قبل كل شيء، لا بدّ من النظر إلى أن "أيلول" هذا العام، إنما هو محطة مواجهة دبلوماسية/ سياسية طاحنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حضّر لها الجانب الفلسطيني على الصعيد الدبلوماسي بشكل جيد، حيث استنفر ومنذ وقت كل الطاقة الدبلوماسية، وآخر ذلك "حشد أكثر من 90 سفيراً فلسطينياً بعقد مؤتمر خاص لهم في تركيا، ثم وفّر الغطاء العربي، وأشرك تركيا في متابعة تفاصيل هذا الفعل، ربما بالنيابة عن المسلمين، وربما أيضاً، استثماراً لحيوية قيادتها، ومكانتها المقبولة لدى الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا، لخلق رأي عام أوروبي فعال، يقوم بإسناد التحرك الدبلوماسي لدفع الموقف الأوروبي، المتردد، إلى أن يكون أقرب لتأييد القرار الأممي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 67.ويبدو أن الهدف الفلسطيني المضاد للسعي الإسرائيلي بالمقابل، هو تحقيق نسبة أغلبية صريحة في الجمعية العامة، تصل إلى ثلثي أعضائها، البالغ 194 دولة، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 120 دولة حتى الآن، أبدت موافقتها على مشروع القرار، أي أن الصراع يدور حول إضافة نحو عشرين دولة جديدة، يبدو أن "المعركة" تدور حول أن يكون عدد منها من الدول الأوروبية، وخاصة الدول المركزية ـ فرنسا، بريطانيا ـ إسبانيا ـ هذا على اعتبار أن إيطاليا وألمانيا، صعبتا المنال، نظراً لما يمثله ذلك من ثقل سياسي.وما تصريحات الرئيس محمود عباس، حول أولوية المفاوضات، وأن السعي الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، يشكل قوة دفع لمفاوضات حقيقية تؤدي إلى حل الدولتين وإلى إنهاء الاحتلال، وليس للتفاوض حوله، إلاّ خطاب موجّه بالأساس للأوروبيين الذين سعوا جدياً لتجنب حرج أن يجدوا أنفسهم في موقف حاسم، بين أن يختاروا الانسجام مع مواقفهم وقناعاتهم بقبولهم بدولة فلسطينية على حدود 67، وبين أن يتخذوا القرار ضد تلك المواقف في الجمعية العامة.أما لماذا الجهد الفلسطيني منصبّ على "التصويت" في الجمعية العامة، فذلك لأنه ليس هناك أدنى شك، من أن مشروع القرار لن يمر في مجلس الأمن، بسبب "الفيتو" الأميركي، لذلك فإن جوهر السياسة الفلسطينية في هذا الموضوع يتمثل في "تجاوز" الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل.أفضل الاحتمالات بالنسبة للفلسطينيين، هي أن يخرج القرار الأممي من الجمعية العامة، حتى يكون "مرجعية تفاوضية" بعد أن عجز المسعى الفلسطيني في إطلاق مفاوضات تبدأ من الإقرار بأن هدفها حل الدولتين، وأن تستند إلى حدود 67، مع وقف الاستيطان، بسبب الرفض الإسرائيلي وعجز الأميركيين عن فرض ذلك على الإسرائيليين خلال عامين مضيا، وبذلك ستكون اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد سنوياً وبشكل دوري مناسبة "لإحراج" الأميركيين، حيث اعتاد رؤساؤهم على إلقاء كلمة بلادهم في المنظمة الدولية، وهذا العام سيجد باراك أوباما نفسه، في غاية الحرج، بعد أن كان وعد في العام الماضي، أن يشهد هذا العام ميلاد دولة فلسطين، وهو بدلاً من ذلك، يدفع بلاده إلى التصويت ضد ما كان قد وعد به من قبل! أي أنه في حال صدر هذا القرار عن الجمعية العامة، دون مجلس الأمن، فإن المعركة ستنفتح بعد ذلك على "تنفيذ" القرار على الأرض، حيث سيصر الفلسطينيون بقوة أكثر هذه المرة، على مفاوضات تستند للقرار، أو قد يلجأون إلى خيارات ميدانية ضاغطة على الاحتلال، في ظل ما سيكون القرار قد وفّره من شرعية متجددة للكفاح ضد هذا الاحتلال، حيث سيقاتل الفلسطينيون على الأرض من أجل تنفيذ القرار الأممي.يبدو حتى اللحظة أن فرص فوز الفلسطينيين في المعركة الدبلوماسية بهذه الحدود أكبر من فرصة الإسرائيليين على إحباطها، وفي الحقيقة فإن تاريخ الصراع يؤكد أن قوة الموقف الإسرائيلي كانت دائماً في مجلس الأمن، اعتماداً على "الفيتو" الأميركي، فيما قوة الفلسطينيين في الجمعية العامة، تستند إلى التأييد الدولي ـ بغالبيته الكاسحة ـ للحقوق الفلسطينية.لذلك، فإن ما لا بد من لحظه وتوقعه ومحاولة الاحتياط له، هو ما يمكن أن يقدم عليه الإسرائيليون من محاولة لقطع الطريق على الكفاح الدبلوماسي الفلسطيني ميدانياً، وهم شرعوا من خلال الإعلان عن طرح عطاءات الوحدات الاستيطانية في "بيتار عيليت" و"كارني شمرون"، وذلك في محاولة لجرّ الفلسطينيين إلى مواجهة ميدانية مبكرة، في الوقت ذاته، وإذا ما تأكد للإسرائيليين بأن هذه المحاولات ستفشل، ربما يذهبون إلى تسخين جبهة غزة لتحقيق هذه الغاية.مع امتلاك الفلسطينيين لزمام المبادرة على الصعيد الدبلوماسي، والذي حقق إنجازاً حتى الآن، يتمثل في رد الضغوط الدولية على الجانب الفلسطيني، لإجباره على قبول مفاوضات عبثية، دون وقف الاستيطان، بتوجيه الفعل على طريق الذهاب للأمم المتحدة، وهذا بالمناسبة هو الأصل في حل النزاعات، أي أن تلجأ الأطراف للمنظمة الدولية في حال عجزها عن حل مشاكلها بنفسها، لكن المنطق الأميركي ـ الإسرائيلي، هنا مقلوب كالعادة، إلاّ أن الفعل الفلسطيني كان يمكن ـ وما زال يمكنه ـ أن يكون أكثر فاعلية، لو تم التحضير والترتيب الداخلي على شكلٍ آخر.صحيح أن "امتلاك" أبو مازن لورقة المصالحة، قد أضفى حيوية على جهده الدبلوماسي، لكن ولأن المعركة هي معركة وطنية وفاصلة، يمكن الظفر بها دون وجل، ويمكن تحقيق نتائج أفضل، لو تم زج كل الطاقات الفلسطينية في أتونها، فالمصالحة على ما هي عليه، أي من حالة تراوح فيه مكانها ـ أو ما يمكن وصفه بأنها مصالحة "نص نص"، وفّرت القدرة للخارجية الفلسطينية للانشغال بالمعركة الخارجية، بدل القلق الداخلي والتوتر الداخلي، قبل عقد المصالحة، لكنها حتى الآن، لا تدفع بالطاقات كلها للقيام بإسناد الأداة الدبلوماسية في هذه المعركة.يمكن في حال إشراك قيادة السلطة للفصائل، وخاصة "حماس"، في إدارة المعركة الدبلوماسية أن يزيدها فاعلية، خاصة من خلال تحريك الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا، وربما لأجل ذلك وجد أبو مازن ضالته في تركيا لتقوّض هذا النقص، أو لتقوم بهذا الدور.كذلك، فإنه لا يمكن أن تحتفل المنظمة الدولية، أو العالم بقبول دولة فلسطينية محتلة أراضيها عضواً كامل العضوية فيها، فيما الشعب الفلسطيني نفسه ينتظر، أي لا بد من إسناد المحارب الدبلوماسي بفاعليات شعبية على الأرض، تشمل كل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة والقطاع، وحتى في مخيمات اللجوء، وفي صفوف الجاليات في أوروبا، وهذا بهدف تحقيق هدف مزدوج، شقه الأول، هو كسب المعركة في الأمم المتحدة لصالح القرار، والثاني، هو تسخين الواقع الميداني اللافظ للاحتلال، ذلك أنه في النهاية فان المقاومة الشعبية الميدانية هي التي ستضع حداً للاحتلال، وهذه المقاومة هي التي ستجسد قرار الاستقلال والدولة على الأرض، وهي ستكون مناسبة لعكس آليات المصالحة، لتبدأ من تحت ـ وبالمناسبة لماذا لا يتم توحيد الوزارات بعودة موظفي السلطة في غزة للعمل فيها، بدل انتظار خروج الدخان الأبيض من اجتماعات عزام الأحمد/ موسى أبو مرزوق؟، وبالتالي لفتح باب حقيقي للمصالحة، يكون الشعب فيه صاحب المبادرة وليس قادة الوفود، ومثلاً يمكن الشروع بتوحيد النقابات والاتحادات المنقسمة ـ مثل الكتّاب والفنّانين وما إلى ذلك.Rajab22@hotmail.com