ما لم تحدث مفاجآت مثيرة سيصل خلال الأيام القادمة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى قطاع غزة فى زيارة هي الأولى من نوعها وحجمها ودلالاتها وما قد تحمله من أبعاد فى مختلف الاتجاهات والأبعاد , وهي ما يمكن ان يطلاق عليها مصطلح ’ الزيارة التاريخية’ بما سيتمخض عنها من نتائج فى حال نجاحها ونجاح صاحبها فى طرح الأفكار والنصائح التى يحملها لقيادة حماس وحكومتها فى قطاع غزة , فهذه الزيارة لم تأتي مصادفة أو زيارة بروتوكولية ودعم فحسب ولكنها تحمل رسائل عدة ترتبط بطبيعة الشخص الضيف , ولديه مهمات لابد من القيام بها ويحمل أفكارا تستحق النقاش حولها , وهذه الأفكار تم تسريب بعضا منها ولم تعد خافية على المراقبين والمتابعين للدور التركي المتصاعد في المنطقة, ولاشك أن تلك الأفكار ستكون ضمن ترتيبات الزيارة كما لابد من تحقيق ولو جزء منها تكريما لمكانة وحضور الضيف الكبير . رجب طيب أردوغان وفريقه التركي فى حزب العدالة والتنمية - الحاكم - يحظى باحترام وتقدير كبير فى أوساط واسعة لدى الحركة الإسلامية العالمية وفي فلسطين بشكل خاص , وهناك البعض من مفكري وقادة حركة حماس أعلنوا بشكل واضح ومباشر مدى إعجابهم بفكر وممارسة وأداء حزب العدالة والتنمية وأن نجاح الحزب فى تجاوز الكثير من العقبات التى واجهها خلال ممارسته سواء فى العلاقات التركية الداخلية أوالخارجية وتقديم نموذج رائع فى توطيد أواصر العلاقة بين العلمانية والفكر الإسلامي بما أطلقت عليه فى مقال سابق ’ العلمانية المتدينة ’ يدفع هؤلاء للنداء بتقليد والاقتداء بسياسة الحزب ونقل تجربته الى العالم العربي والإسلامي ومن هؤلاء الدكتور أحمد يوسف وقادة آخرين فى عدة مقالات تم نشرها , ولعل الفوز الأخير لحزب العدالة والتنمية فى تركيا ليكون الحزب الأول منذ تعزيز الديمقراطية التركية الذي يفوز فى ثلاث انتخابات متتالية بالأغلبية بالرغم من حجم التحديات والعقبات التي واجهها الحزب على الساحة الداخلية والخارجية أعطى الحزب قوة دافعة أكثر وإعجاب منقطع النظير تجاوز الأحزاب الإسلامية الى الكثير من الأحزاب الديمقراطية والليبرالية العربية بل وهناك من يدعو الى ضرورة تأسيس حزبا علي شاكلة حزب العدالة والتنمية ليكون المخرج من الجمود الفكري والتنظيمي الحالي , وهذا يعطي قوة تأثير كبيرة لشخص رئيس الحزب أردوغان . ومن خلال تصريحات أردوغان المتتالية فى مناقشة القضايا التى تمر فى المنطقة العربية يدرك الجميع بأن هناك سياسة تركية متصاعدة للعب دور محوري ومركزي فى القضايا العربية وخاصة ما يتعلق بالوضع فى فلسطين ومصر وسوريا والعراق والسودان وغيرها , وهناك من يعتبر أن هذا الحضور الكبير والنوعي للقيادة التركية شكل منافسا وتحديا للدور الإيراني حيث شكل البديل المقبول سياسيا ومذهبيا وشكل بوابة محترمة لتحقيق العديد من الأهداف ومنها الدعم السياسي والمادي وقناة الاتصال مع الغرب بكافة توجهاته والاستفادة من موقع تركيا فى السياسة الدولية كأقصر وأفضل قناة لفهم واستقبال وإرسال ردود الأفعال والمواقف حول كافة القضايا الدقيقة وخاصة المتعلقة بالتطورات السياسية الجارية من الصراع العربي الإسرائيلي وعملية التسوية والمفاوضات وكذلك المتغيرات الإقليمية فى الشارع العربي . وتزداد أهمية شخص أردوغان فى هذه المرحلة كونها تأتي في وقت يشهد فيه صعود نجم الحركات الإسلامية فى العالم العربي بعد مرحلة ’ الربيع العربي ’ والتجاوب الغربي مع هذا المتغير الأساسي وقبول المجتمع الدولي بمبدأ التفاوض وقبول مشاركة تلك الحركات فى الحكم ورسم سياسة المنطقة ولكن على نمط النموذج التركي , وهنا تزداد أهمية التحرك الخارجي لشخص رئيس الوزراء التركي فى هذه المرحلة بسبب التوافق والانسجام والقبول المتبادل فى تحقيق رزمة من المصالح المتكاملة والتي تشمل – الحفاظ على الحد الأدني من الرؤية الإسلامية وتحقيق القبول الدولي وعدم الصدام مع المنظومة الغربية وتجاوز مرحلة التناقض التى سادت خلال المراحل السابقة والتى حرمت فى كثير من الأحيان وصول الحركات الإسلامية للحكم فى بلدانها , والاستفادة من المتغيرات الإقليمية والتعرف عن قرب على التجربة التركية ودراستها بشكل جدي وفاعل للوصول الى تحقيق ذات النجاح , ولعل من المهم الإشارة أن القيادات الفكرية الإسلامية – المعتدلة – ستستخدم العلاقة مع تركيا لمواجهة بعض القيادات الإسلامية – المتشددة – الرافضة للاقتداء بالنموذج التركي باعتباره أقرب الى الفكر العلماني منه الى الفكر الإسلامي , وهكذا سيكون هناك دورا مهما لرئيس الوزراء التركي فى مساندة معجبيه ضد مناوئيه داخل الحركات الإسلامية . ولكن الحضور التركي فى الشأن الفلسطيني كان دائم الحضور قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم وتركيا من أوائل الدول التى دعمت القضية الفلسطينية بالرغم من علاقاتها الاستراتيجية مع الكيان الإسرائيلي , ولكن هذا الدور أخذ بعدا أكثر عمقا بعد وصول حزب العدالة والتنمية وتعزز دور تركيا الإقليمي أكثر , ومع وصول حركة حماس الى الحكم بعد فوزها فى الانتخابات التشريعية أصبحت أكثر حاجة للتعرف على التجربة التركية لوجود مساحة أكبر فى الثقافة العامة , واليوم تزداد هذه المكانة بعد توقيع اتفاق المصالحة , ونجاح تركيا بقيادة أردوغان على حفظ المسافة بين أقطاب السلطة المتخاصمين , فهو من جانب حافظ على العلاقات الرسمية مع الرئيس محمود عباس بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية وحركة فتح باعتبار أن فكر وممارسة حزب العدالة والتنمية سياسيا أقرب الى ليبرالية حركة فتح وفكرها الأساسي , وكذلك حافظ على علاقات منسجمة تماما مع حركة حماس وكذلك مع المحيط الخاص بالملف الفلسطيني وخاصة مصر وقطر وسوريا والسعودية , وأصبحت تركيا لا تشكل أي استفزازا لأي طرف فى تدخلها فى الملف الفلسطيني . يأتي أردوغان الى قطاع غزة للاستماع والإطلاع على أوضاع قطاع غزة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لشرح الأبعاد الدولية لكل تحرك فلسطيني وأهمها أهمية تحرك الرئيس محمود عباس تجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة وأن تركيا أحد الداعمين الأساسيين لهذا التوجه , وكذلك ملف المصالحة التى يطمح أردوغان على لعب دور أساسي فيه والنجاح فى تحقيق اختراق مهم لتحقيق جملة أهداف لتعزيز موقعه وتاثيره فى المنطقة وليكون هذا الإنجاز بوابته الكبرى فى المنطقة فى إنجاح مشروعه الكبير , وكذلك تقديم النصح فى كيفية التعامل مع الملفات الساخنة وخاصة المتعلقة بالكيان الإسرائيلي ووضع الآليات اللازمة لعملية تفاوض جديدة قد تمكن مشاركة أطراف إسلامية فيها فى حال تحققها للوصول الى سلام حقيقي يضمن حقوق كافة الأطراف خاصة وأن أردوغان لعب فى السابق دورا متقدما فى المفاوضات الإسرائيلية السورية ولديهم تجربة متقدمة فى هذا الجانب مستندة الى قوة علاقته مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية وفى مقدمتها الولايات المتحدة . أردوغان سيصل الى غزة فلا نملك بكل اعتزاز إلا أن نقول له ’ أهلا وسهلا ’ على جزء من أرض فلسطين فى قطاع غزة الصامد الذي اختلطت مياه بحره بدماء المتضامنين الأتراك من على سفينة مرمرة التركية التى ستبقى شاهدا على ظلم وإجرام الاحتلال الإسرائيلي , أهل غزة سيستقبلون ضيفهم بكل حب وترحاب وكلهم أمل أن يكون لديهم نموذجا ناجحا فى الحكم مثل نموذج حزب العدالة والتنمية فى تركيا , يتم من خلاله احترام خيار الشعب وحفظ كرامة أبنائه وصون حقوقه . ولكن هل ستسمح إسرائيل بأن تكون الزيارة ناجحة أم ستسبق ذلك التاريخ بافتعال أزمة أو تصعيد عسكري بدأت ملامحه ليست بعيدة هذه الأيام ؟