ربما يعتقد الكثيرون، أن ما نسميه استحقاق أيلول (سبتمبر) 2011 هو محض مناسبة سنذهب فيها الى الأمم المتحدة، لكي نتحصّل على الاعتراف بدولة فلسطين، في حدود الرابع من حزيران 1967 (مع تعديلات متفق عليها) فإما ننجح أو يحبطنا الأمريكيون. وفي الحقيقة، إن نجحنا بدعم الأسرة الدولية، في إقناع الإدارة الأمريكية، بأن هذه الخطوة سوف تساعد في تطبيق المبادىء التي أعلن عنها الرئيس أوباما لتحقيق التسوية في الشرق الأوسط، وبأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ستكون سبباً في دفع العملية السلمية؛ سنتحول الى مرحلة من النشاط التفاوضي والسياسي لبلورة اتفاق نهائي متوازن. أما في حال إصرار واشنطن على استخدام حق النقض في مجلس الأمن، ضد طلب فلسطين الانضمام للأمم المتحدة، كعضو فيها يقبل الالتزامات الواردة في ميثاقها؛ فلن يكون أمامنا سوى التوجه منكسرين، الى الجمعية العمومية، وفي جعبتنا إرشيف قرارات المنظمة الدولية نفسها، التي صدرت حول فلسطين، وفيها الحد الأدنى من الإقرار بالحقوق، لكي نستصدر قراراً بقبول بلدنا كدولة غير عضو، وهذه لا تخضع للفيتو الأمريكي، ولا تحتاج الى أكثر من النصف زائد واحد! فالجمعية العامة، ليست صاحبة حق في قبول طلب العضوية الكاملة من وراء مجلس الأمن. وكل ما تستطيع أن تفعله، بعد الموافقة بالتصويت على الطلب الفلسطيني؛ أن تصدر قراراً يطالب مجلس الأمن، بإعادة النظر في طلب فلسطين. عندئذٍ يظل الأفق مسدوداً في وجهنا، وبالتالي سنعود الى وضعية السلطة التي بلا صلاحيات، بل السلطة المحاصرة غالباً، وسنراوح في مكانناً على الأرض، وحيثما الاحتلال يقرر في كل شأن، فارضاً نفسه بقوة الاحتلال العسكري، كمصدر للسلطات العامة، والمتحكم في الوضع الأمني الاستراتيجي، وفي المنافذ، وهو الذي يقرر التوسع الاستيطاني اللاشرعي والمدان دولياً، ويجثم على صدر الاقتصاد الفلسطيني، ويقيد الأداء الوظيفي للبلديات، كلما كان هذا الأداء متقاطعاًً مع الوجود الاحتلالي الاستيطاني على الأرض! * * * الإدارة الأمريكية ليست مؤهلة لأن تنتصر لخطابها السياسي نفسه، ولا لمحددات موقفها حيال العملية السلمية التي تقول إنها راعيتها الأولى، ولا هي ـ بالطبع ـ مؤهلة لأن تأخذ بمقتضيات العدالة. وبصراحة، من العار على واشنطن، أن يكون من بين أسباب الموقف المعيب، الذي نرجح أن إدارة أوباما ستتخذه فتستخدم ’حق النقض’ ضد طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة؛ هو إدراكها التام، بأن حكومة نتنياهو ليست في وارد تلبية الاستحقاقات التالية على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. فالمتطرفون الحاكمون متمسكون بكل سمات الاحتلال وبكل تفصيلاته التي أضجرت حتى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها. وحكام إسرائيل لا يطيقون سمع حكاية التسوية ولا يريدونها. فعندما تكون فلسطين دولة عضو في الأمم المتحدة، ما تزال أرضها محتلة من قبل عضو آخر في هذه المنظمة الدولية؛ تتعزز التدابير الضاغطة على الاحتلال، ويتحول السياق الى مستوى آخر، فتصبح المفاوضات المتعلقة بالقدس واللاجئين والحدود والمياه، والأمن، والمستوطنات والأسرى؛ خاضعة لمعايير التسوية بين الدول المستقلة، بما فيها الخرائط وهيئات التحكيم الدولية والحقائق الجغرافية والتاريخية، ووثائقها، والقوانين المعمول بها عالمياً. لذا، كان الرئيس أوباما، وهو يفسر موقفه الرافض للطلب الفلسطيني بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؛ مضطراً للتحدث بمنطق متأثر بانكشاف نوايا إسرائيل. فهو يعرف أن حكومة نتنياهو ستكون سلبية ومجافية للقوانين كلها، وللإرادة الدولية، لذا لم يجد أوباما (وهو يتطلع لولاية ثانية) ما يقوله سوى أن الخطوة الفلسطينية تهدف الى عزل إسرائيل، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تعارضها بشدة! واللافت أن الكونغرس الأمريكي المزدحم بالجهلة في السياسة وفي التاريخ، لم يكتف بموقف الإدارة الذي هو وحده كفيل بهدم الجهود التي بذلها الأمريكيون للإبقاء على وضعية اللاتفاوض أو التفاوض العقيم. فقد طالبوا بوقف المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية لمجرد أنها حاولت. وبالطبع هم لا يعرفون أن إحباط الخطوة الفلسطينية من شأنه أن يُعيد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة الى نقطة الصفر، بتأثير إحباط المحاولة الفلسطينية، فما بالنا حين تفقد السلطة القدرة على تغطية مستحقات جهازها الوظيفي، فتنتهي بالنسبة لها، آخر الصلاحيات ذات الثقل الاجتماعي والاقتصادي في الواقع الفلسطيني! ليتنا والأسرة الدولية، نتمكن من إقناع الإدارة الأمريكية، بأن لا تتماشى مع نتنياهو لأن هذا الأخير مع حكومته، يمثلون عنصر أذى لإسرائيل نفسها، حسب تقييمات علماء الاجتماع السياسي في إسرائيل. فحين تتكيف الإدارة الأمريكية مع مواصفات حكومة نتنياهو، ولا تكترث بمحددات سياستها المعلنة، تكون سجلت على نفسها دون داعٍ، إخفاقاً معيباً ومدوياً تمتد آثاره وتداعياته في أرجاء المنطقة. وامريكا ليست في حاجة الى أستثارة غضب الجماهير والأجيال العربية مجددا، بخاصة وأننا في زمن التحولات الديموقراطية. فالواقع الفلسطيني لم يعد يحتمل: إما عضوية الدولة وإما الانهيار واللاسلطة. واظن أن الرئيس محمود عباس، يرى في مناسبة ايلول (سبتمبر) 2011 آخر الصولات السلمية الناعمة، التي تختزل هوى وحسابات ورغبات تيار قديم جديد، من المعتدلين في العالم العربي قاطبة! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com