خبر : فلسطين :كيف ولماذا تحوّلت المصالحة إلى عملية؟..ماجد عزام

الخميس 14 يوليو 2011 04:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
فلسطين :كيف ولماذا تحوّلت المصالحة إلى عملية؟..ماجد عزام



ساد الإحباط صفوف الشعب الفلسطيني، أو قطاعات واسعة منه، نتيجة تعثّر وحتى جمود المصالحة؛ بعد الخلاف العميق بين حماس وفتح فيما يتعلق بالتوافق على اختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية. وهي الخطوة التي تمثل المدخل الضروري والحتمي لتنفيذ الاتفاق الذي وقّع في القاهرة أوائل أيار مايو الماضي .يمكن فهم هذا الإحباط في سياق الرغبة  الشعبية العارمة في إنهاء الانقسام،  وتجاوز تداعياته المؤذية على كافة المستويات والأبعاد.  إلا أنني أعتقد  أنه يعود أساساً إلى عدم التنبّه إلى حقيقة أن المصالحة لا يمكن تنفيذها بشكل فوري وعاجل، وأنها تحوّلت  إلى عملية تحتاج إلى خارطة طريق وجدول زمني طويل نسبياً؛ كي يمكن تطبيقها بأمانة ونزاهة  على أرض الواقع .يمكن ببساطة عرض الأدلة التي تؤكّد أن المصالحة تحوّلت إلى عملية مركّبة ومعقّدة بعض الشيء: أولها، أن الوثيقة نفسها التي وقّعت في القاهرة تمّت صياغتها في تشرين أول أكتوبر 2009، أي منذ سنتين تقريباً. وهي تتضمّن خريطة طريق يمتدّ تنفيذها لعام، ويفترض أن تتوّج بإجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاث -التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني- في أيار مايو القادم. كما أن الوثيقة تتحدّث عن تطبيق إعلان القاهرة الصادر في آذار مارس 2005 ،فيما يتعلق بكيفية وآلية إعادة بناء منظّمة التحرير. وفي الجانب السياسي، تشير أيضاً إلى وثيقة الوفاق الوطني التي  تمّ التوصّل إليها في حزيران يونيو 2006، أي منذ خمس سنوات تقريباً .هذا فيما يتعلّق بالشكل، أما فيما يخصّ المضمون  والأسباب والحيثيات التي أدّت إلى تحوّل المصالحة إلى عملية، فيمكن الإشارة إلى أسباب  داخلية وأخرى تتعلّق بالصراع، أو بالأحرى، التسوية مع إسرائيل ،وثالثة ارتبطت بالظروف الاقليمية والوساطات التي قامت بها القاهرة وواشنطن للتوصّل إلى تسوية ما للقضية الفلسطينية .في السياق الداخلي، تحوّلت المصالحة إلى عملية للمرة الأولى أوائل العام 2005، أي بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، كانعكاس للرغبة المشتركة لدى فتح وحماس في ترتيب البيت الداخلي الذي تركه الشهيد مهشماً ،محطماً، مبعثراً، كما لمواجهة الفوضى الأمنية العارمة،  وحالة الفلتان التي سادت خلال الانتفاضة الثانية، وازدادت حدّة بعد حصار أبي  عمار في العام 2003. يمكن الإشارة كذلك إلى ميل الرئيس أبي مازن لنيل الشرعية الديموقراطية والشعبية والجماهيرية للرئاسة،  كما لمواصلة نهجه السياسي(المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات)، الذي رآه الأنسب من أجل استرجاع الحقوق الفلسطينية .أما حماس فبحثت من جهتها عمّا أسمته آنذاك الشرعية الديموقراطية، بعدما حازت الشرعية الجهادية خلال سنوات الانتفاضة . المعطيات السابقة وجدت ترجمة أو تعبيراً عنها في وثيقة أو إعلان القاهرة مارس آذار 2005 الذي  تضمّن بين ثناياه فكرة العملية، أو خريطة الطريق  والجدول الزمني لترتيب البيت الوطني، وحلّ الخلافات بالطرق السلمية والديموقراطية.  علماً أنه تضمّن ثلاث نقاط أساسية: الهدنة مع إسرائيل التي أنهت الانتفاضة الثانية بشكل فعلي،إضافة إلى خطة شارون للانفصال الأحادي وفك الارتباط مع الفلسطينيين، والانتخابات التشريعية والبلدية ،وتشكيل الهيئة العليا لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديموقراطية شفافة ونزيهة.إضافة إلى العامل الفلسطيني الداخلي وتعقيداته، ارتبطت عملية المصالحة بعملية التسوية مع إسرائيل. وفي الحقيقة، تناسبت  طوال الوقت عكسياً معها ،وهذا ما يفسّر تجميدها طوال السنوات الماضية، على أمل أن تحقّق العملية الأخرى اختراقاً ما يسمح بالتوصّل إلى اتفاق سلام نهائي، على أن يتمّ النظر بعد ذلك في إنجاز المصالحة  ببساطة، تمّ  إعطاء الأولوية لعملية التسوية على حساب عملية المصالحة، وانطلقت هذه الأخيرة أو وضعت، بالأحرى ،عربتها على السكة من جديد أساساً؛ بسبب جمود التسوية ووصولها إلى حائط مسدود، إضافة طبعاً إلى الربيع العربي والثورات المتنقلة من ميدان تحرير إلى آخر والتي أجبرت فتح وحماس، رغم الإنكار، على إعادة الحسابات من جديد وإعطاء الأولوية للمصالحة على أي اعتبارات أخرى .في السياق الإقليمي، استخدم الجنرال عمر سليمات، ذات مرة ،مصطلح عملية المصالحة، بعد  انطلاق عملية أنابوليس،خريف 2007، التي كانت جزءاً لا يتجزأ من عملية التسوية. كما تم استخدام المصطلح بعد وصول باراك أوباما إلى السلطة أوائل العام 2009 ،وكان الهدف صيانة عملية المصالحة والسهر عليها لضمان ألا تؤثر الخلافات الفلسطينية الداخلية، كما للحيلولة دون انفجار الأوضاع في قطاع غزة بشكل يؤثر سلباً على العملية الأساس،التسوية .إذاً، بناءً على المعطيات السابقة، تحوّلت المصالحة شكلاً ومضموناً إلى عملية أو سيرورة ستشهد العثرات والنجاحات، غير أنها ستظلّ دائماً على السكة، أقلّه إلى حين اتضاح آفاق المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة المستقلة، ضمن حدود حزيران يونيو 67. كما أنها ستتأثر باتجاهات الثورات العربية  المتنقلة، غير أن العلاقة الأساس ستظلّ مع مصر الجديدة التي تعتبر المصالحة -كما القضية الفلسطينية- جزءاً جوهرياً من سياستها الخارجية، وبدونها ،لا يمكن المضي قدماً في المعركة السياسية والديبلوماسية وحتى الميدانية من أجل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وتحديداً الدولة المستقلة كاملة السيادة ضمن حدود حزيران يونيو 1967..