المعركة مختلفة هذه المرة، وتدرك إسرائيل أن محطة أيلول هي محطة فارقة في تاريخ الصراع وتوازن الرواية التي غابت لعقود طويلة، وتدرك أن ما بعد أيلول لن يكون كما قبله وبكل التفاصيل لعدة أسباب أهمها ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وبكفاحهم الطويل وبأن العالم الذي اشترك طويلاً في مؤامرة الصمت يقول كلمته أخيراً، وهم عليهم أن يستمدوا من ذلك قوة الدفع اللازمة لفرض حقيقة الحضور الفلسطيني على الأرض من حديد مسلحاً هذه المرة بغطاء أممي يشرعن كفاحهم، وانكشاف إسرائيلي تفضحه رواية محتل اهترأت لكثر ما أصابها من ثقوب الكذب والاستيطان وسلوك محتل يرفض إلا أن تسير عكس عقارب التاريخ الذي سيقدم ضميره لواجب الامتحان الأخلاقي بعد حوالي شهرين.ولأنها كذلك فقد وضعت إسرائيل نفسها في حالة استنفار هكذا يمكن وصفها وهي تجهز لمعركة كسر العظم السياسي والتي تعتبرها الأشد منذ إقامتها، حيث تضعها أمام جملة من التحديات، معركة أيلول التي يسميها وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك "بمعركة نزع الشرعية عن إسرائيل" فالجهاز السياسي منشغل هذه الأسابيع بتفاصيل التحدي الأبرز، والجهاز الدبلوماسي وضع خطته مبكراً وأعلن حالة الطوارئ في كل السفارات في العالم طالباً منها وضع تصورها والبدء بتنفيذه في كل دولة على حدة والهدف إفشال حصول الفلسطينيين على أغلبية في تصويت الأمم المتحدة على طلب عضوية فلسطين فيها.الجيش الإسرائيلي يعتقد أن المعركة لن تنتهي في الأمم المتحدة، بل إن التصويت على طلب الفلسطينيين هناك سيكون صفارة انطلاق معركة ميدانية على الأرض وربما تكون الأقسى، مسلحة هذه المرة بثقة ربيع عربي أعطى للفلسطينيين نموذج انكسار القوة المسلحة أمام زحف الجماهير، ومسلحاً بإجماع دولي على حقه في التحرك نحو حقوقه التي استمدت شرعية جديدة حيث يسود الاعتقاد في المؤسسة العسكرية أن الفلسطينيين سيبدأون في التحرك على الأرض في أيلول على نمط العواصم العربية لهذا فقد بدأ الجيش الإسرائيلي بالتدريب على هذه المواجهة الجديدة المحتملة والتي يعتقد بوقوعها بعد مواجهته لتمرين الفلسطينيين في أحداث النكبة والنكسة وبعد تحذيرات إسرائيلية منذ أيار من مراكز التفكير في إسرائيل تقول إن الفلسطينيين سيستخدمون سلاح الكم لإغراق الدولة .ذروة الاستعدادات العسكرية تلك بلغت الأيام الأخيرة من شهر حزيران الماضي حيث أنهت قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، وهي القيادة التي تشرف على الضفة الغربية، ورشة عمل أركانية استغرقت يومين (27-28حزيران) شارك فيها كل الضباط من رتبة قائد سرية فما فوق في الوحدات النظامية والاحتياط التي ستعمل في الضفة حتى نهاية السنة الحالية وبلغت تلك الورشة من الأهمية بحيث حضرها قرابة ألف ضابط بالإضافة إلى رئيس الأركان بني غانتس وقائد المنطقة الوسطى في الجيش آفي مزراحي، وآيلان مالكا ضابط العمليات في قيادة الجيش وكذلك قائد الاستخبارات وقائد لواء الخليل غي حزوت وقائد لواء غولاني الذي استعرض تصدي الجيش بقيادته لمحاولتين لاقتحام الحدود في مجدل شمس يومي النكبة والنكسة.ما دار في تلك الورشة الهامة هو مجموعة محاضرات تلقاها ضباط الجيش في موضوع التصدي للتظاهرات وشاهدوا المعارض لوسائل تفريقها واستعراضات تفريق المظاهرات لقوات مشتركة من الجيش والشرطة وحرس الحدود، ومن هذه التحضيرات أنه لم يفت الجيش الإسرائيلي تدريب جهازه الإعلامي الذي سيقود معركة الجيش على جبهة مختلفة حيث ركزت المحاضرات التي ألقاها الناطق بلسانه يوافي مردخاي على الشكل الذي يجب أن يظهر فيه الجيش أمام وسائل الإعلام وذلك لتسهيل تمرير الرواية الإسرائيلية وتسهيل الدفاع عن جيش محتل سيواجهه جمهور أعزل.لا يمكن الوقوف على كل ما جاء في تلك الورشة العسكرية وهذا متروك لمراكز الأبحاث الفلسطينية التي تعنى بالشأن الإسرائيلي بقدر ما يمكن الإشارة إلى الأجواء النفسية التي سادت وشعور الجيش بقدرته على السيطرة التي سادت أثناء النقاش والتدريب والمحاضرات، ففي قيادة المنطقة الوسطى وهي مسؤولية مزراحي كانت هناك اعترافات مهمة بأن "ليس هناك حلول سحرية إذا ما تحرك الفلسطينيون بل تأكيد للوعي بما ينبغي عمله إذا ما تطورت الأمور بهذا الاتجاه في أيلول". واعتراف آخر من قيادة الجيش بقناعتها أن التطورات المحتملة ربما "تحمل سيناريوهات سنقف أمامها بشعور ببعض فقدان الحيلة" وضابط آخر كبير يقود الجيش في الضفة منذ فترة طويلة قال "مظاهرة كبيرة وغير عنيفة، لنقل أربعة آلاف أو أكثر يسيرون فقط نحو حاجزنا أو نحو مستوطنة لا يحيل لي أن بوسعنا أن نوقفهم، هذا العدد من الناس المصممين لا يمكنك أن تصدهم بغاز مسيل للدموع وعيارات مطاطية. وضابط آخر في الضفة يقول "إذا وقفنا أمام مظاهرات من نوع مصر وتونس فليس لنا ما نفعله".الاستنتاج الأبرز جاء على لسان أحد الضباط الذين شاركوا في ورشة الأركان تلك كان سياسياً حيث اعتبر أن المشكلة تحل بالوسائل السياسية وبقرار القيادة السياسية حيث أوضح أنه "إذا لم يكن تقدم في المسيرة السياسية فإن أفراد الشرطة الفلسطينية الذين يمنعون المظاهرات سيفقدون صبرهم" هذه هي الأجواء التي سادت في يومي التحضير لاحتمال الصدام في أيلول والذي يضعه الجيش الإسرائيلي كتاريخ للمواجهة، وليس صدفة أن يتم وضع هذا التاريخ بقدر ما أن المعركة ربما ستشهد اشتباكاً على أكثر من جبهة وربما أن الفلسطينيين سيتلقون دفعة معنوية كبيرة تجعل من تحركهم باتجاه حواجز الجيش والمستوطنات التي ستصبح بعد أيلول إن نجح التصويت لصالح الفلسطينيين تصبح مخالفة واضحة للقانون الدولي وجريمة حرب وتمثل اعتداء على دولة أخرى من حق الفلسطينيين أن يقتلعوها .المشكلة أن الجيش الإسرائيلي يعد العدة لمعركة ليست على الأجندة الوطنية حتى اللحظة على الأقل، وهو يدل الفلسطينيين على معركة هو نفسه يقول إن احتمال كسبه لها ضئيل جدا في ظل أجواء الإحباط التي سادت قيادة الأركان وضباط الضفة الغربية. ويقول أيضا إن كسب الفلسطينيين لهذا المعركة شبه مضمون بل ويزيد من انكشاف إسرائيل وجيشها، وكم هو مؤسف أن تدل إسرائيل الفلسطينيين على طريقهم، وأن تكتشف لهم أبرز عوامل قوتهم في ظل غياب ذلك عن النقاش الجماهيري الفلسطيني وغيابه عن أجندة الفصائل الفلسطينية، والتي تنشغل هذه الأيام كما اعتادت في السنوات الماضية على الصراع الداخلي وتقاسم السلطة وأزمة الحكومة وحصة رئاستها .حتى اللحظة لا يبدو فلسطينياً أن أيلول خارطة طريق كاملة لعمل يفترض أن يشكل التصويت في الأمم المتحدة نقطة انطلاقه، والخشية أن يكون خطة البداية والنهاية والتجربة الفلسطينية ملدوغة من العجز السابق، فلدى الفلسطينيين قرار محكمة دولية بإزالة الجدار انتهى الفعل الفلسطيني لحظة التصويت، وهناك قرار إدانة إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان لارتكابها جرائم حرب، وأيضا توقف الفعل الفلسطيني بعد التصويت، وكأن التجربة المريرة تقول إن هناك نجاحاً على مستوى الأداء في المؤسسات الدولية ترافقه حالة عجز عن الاستمرار ومقلق أن يلتحق المشروع السياسي الأبرز في أيلول القادم ضمن التجارب السابقة فهناك تاريخ من العجز وضياع الفرص وشلل الفعل الذي ربما يكون ناتجاً عن مؤسسات عاجزة عن حمل هذه الملفات الثقيلة، ولكن هذا لم يعد مقبولاً أكثر، الفلسطينيون أمام معركة قد تنفتح على أم المعارك ... سياسية دبلوماسية مواجهات هي الأكثر حشداً واعتصامات قد تطول ... أجساد البشر كما يعتقد جيش إسرائيل ستستكمل معركة التحرير والصدور العارية ستواجه الثكنات والمستوطنات، فهل يحضر الفلسطينيون لهذا الفعل الكفيل باستكمال مشروعهم التحريري حتى والانعتاق أم أن الجيش الإسرائيلي يخشى ما لا يفكر به الفلسطينيون، الأمر مدعاة لترتيب البرنامج ومع الجميع هذه المرة...!!!! Atallah.akram@hotmail.com