خبر : فساد.. بلا فاسدين ...هاني حبيب

الأحد 10 يوليو 2011 12:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
فساد.. بلا فاسدين  ...هاني حبيب



"سوف نتابع الموضوع حسب الأصول".. هذا ما أعلن عنه رئيس هيئة مكافحة الفساد في السلطة الوطنية الفلسطينية رفيق النتشة، أما الموضوع فهو كما هو واضح "الفساد". وبالعودة إلى تصريحات مشابهة، نجد أن مثل هذا التصريح لا جديد فيه، نظراً لتكرار الحديث عن ملفات الفساد التي ستتابع، ومسألة الفساد، لم تعد مجرد انطباع سائد ولغو حديث، ولعل تشكيل مثل هذه الهيئة الخاصة بمكافحة الفساد، هي الرد على كل مَن يحاول التقليل من وجودها كظاهرة، رغم أن هناك مَن يرى أن "الفساد" لا يستشري إلاّ في ظل نظم سياسية تقوم على المؤسسات، أي ما لدينا هو "سرقة" أو "مجرد سوء إدارة أو كسب غير مشروع"، وبمنأى عن هذه النظرية التي لا طائل من الجدل حولها، فإن تعامل السلطة الفلسطينية منذ وجدت حتى الآن، لم يبلغ المستوى المطلوب، بل إن هناك تقاعساً عن مكافحة الفساد بالشكل الذي يمكن معه تراجع هذه الظاهرة، وكلنا يعلم كيف تعاملت السلطة الوطنية، وأقصد قيادتها الأولى، مع ملفات الفساد التي صدرت عن المجلس التشريعي، وكذلك التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية، فالحديث عن هذه الظاهرة وتناولها من قبل الرأي العام، وتحميل المؤسسة العليا مسؤولية عدم علاجها، ليس مجرد انطباع، ولكنه حقيقة راسخة.ولعلّ أحد مظاهر الفساد هذه، أن حديثاً متكرراً عن ملفات "تروح وتجيء" حول وزراء، ومسؤولين، وأن لجاناً شُكلت، وطلبات برفع الحصانة رُفعت، ثم لا شيء، إلا لتعود من جديد نفس المسألة إلى الظهور، ربما لتأكيد وجود مثل هذه الهيئة المعنية بمكافحة الفساد.يقول رفيق النتشة في مقابلة أجرتها مع "صوت فلسطين"، إن هناك عدداً من الوزراء تم رفع الحصانة عنهم تمهيداً للتحقيق بشأن شبهة فساد، ليشير رئيس الحكومة فيما بعد، الى أنه لم يتقدم أحد، من رئاسة الوزراء لرفع الحصانة عن أي وزير (!)، وليتبيّن أيضاً، وأيضاً، أنه ليس هناك حاجة قانونية لرفع الحصانة عن أي وزير، لأن الوزراء لا يتمتعون بمثل هذه الحصانة طبقاً لنصوص القانون الأساسي (المادة 75)، فرئيس السلطة مخول بتحويل رئيس الحكومة للتحقيق في حال وجود شبهة، بينما هذا الأخير مخوّل بتحويل أي وزير للتحقيق لنفس الهدف، ويتبيّن من القانون الأساسي، أنه لم يلحظ وجود "هيئة مكافحة الفساد"، بل يشير إلى "النائب العام أو مَن يمثله"، أي أن هناك "سوء فهم"، حتى لا نقول غير ذلك، بقانون الأساس، خاصة المتعلقة بهذه المسألة.ويتم تداول أسماء بعينها، بين وقت وآخر، هي محل شبهة الفساد هذه، الأسماء تتغير وتتعدّل بعض الشيء، ورغم تكرار الحديث عن تحويل أسماء إلى التحقيق والطلب برفع الحصانة عنها، إلا أنه لم تأت هذه التصريحات المتكررة على ذكر أي اسم بعينه، ربما عملاً بالقانون الأردني الذي يمنع نشر معلومات بهذا الشأن، وإذا كنّا قد خرجنا عن قانوننا الأساسي فيما يتعلق بالحصانة، فلماذا لا نخرق قانوناً ليس قانوننا، إذا ما خلصت النوايا وتوفرت الإرادة بمعالجة هذه المسألة، التي كلما زاد الحديث عنها، زاد غموضها!!وهناك مَن يطالب بوقف "الوزراء المعنيين"، وهذه مغالطة كبيرة، إذ إنه من الصحيح، وفقاً لأحكام القانون الأساسي، أن يوقف الوزير عن مهام منصبه، ولكن "فور صدور قرار الاتهام"، وحسب علمنا أنه لم يصدر مثل هذا القرار، وربما لن يصدر أبداً.وإذا علمنا، ولمجرد التذكير، أن هذه الحكومة، مقالة، ربما يخفف من غلواء هؤلاء المطالبين برفع الحصانة أو بوقف الوزراء عن العمل، مع أن كلا الأمرين غير قانونيين، كما أشرنا، وكأنما هذه المطالبات، لا تزيد على كونها الرد الداخلي، من جهات بعينها على تقارير الشفافية التي حازت عليها الحكومة من قبل هيئات ومنظمات دولية معروفة بالدقة والموضوعية، وللتشكيك في قدرة الحكومة على معالجة الملفات المعقدة والعديدة، أو كأنما لا هدف لها سوى التشكيك بمصداقية الحكومة في ظل الوضع المالي الصعب الذي تمر فيه السلطة الوطنية الفلسطينية.. فهل هذا التوقيت بتكرار إشاعة الحديث عن ملفات الفساد بريء من "فساد" من نوع آخر؟!إنني مع الرأي الذي يقول، إن هناك "ظاهرة فساد" ليست جديدة، وأن الأمر لا يرتبط بوجود "دولة مؤسسات"، لأن عدم وجود مثل هذه المؤسسات، هو الفساد الكبير، والأمر قد لا يحتاج إلى مؤسسات تُعنى بمكافحة الفساد، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية لمكافحته، إذ إن القوانين السارية كقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، كافية لردع الفاسدين والإمساك بهم ومحاكمتهم أصولياً، وقد فشلنا في السابق في دحر ظاهرة الفساد، كما نفشل الآن، ليس لأننا بحاجة إلى هيئة مكافحة فساد، ولكن لعدم توفر إرادة فاعلة وصادقة لبلوغ هذا الهدف، الذي من الممكن، في حال تحققه، الإطاحة برؤوس كبيرة، نافذة وفاعلة، وخارجة على القانون!!وفي الغالب الأعم، فإن الحديث عن الفساد مقصور على بضعة وزراء، مع أننا ندرك أن هذه الظاهرة أوسع من ذلك بكثير، وأقدم من تشكيل هذه الوزارة والوزارة السابقة لها، إنها تطال النظام السياسي بكل تفرعاته السياسية والمالية والإدارية، وفصائله العاملة وغير العاملة، الرسمية وغير الرسمية، فلماذا لا تطال هذه الأحاديث عن الملفات سوى وزراء في الحكومة؟!إننا لسنا مع الصمت على هذه الظاهرة، لكننا بالمقابل لسنا مع فتح ملفات كيدية لحسابات رخيصة وثأرية، وعوضاً عن الحديث الممل عن وزراء فاسدين، دعونا نقدم أحدهم للمحاكمة، وأقول أحدهم، دون أن أقصد وزيراً أو غفيراً، أي متهم بالفساد، يجب أن يتم التحقيق معه والإعلان عن اسمه وشبهته على الملأ، بدلاً من التستر وراء أسماء وهمية، يستظل وراءها كل مَن ليس لديه أي دليل سوى المهاترة وبث الشائعات، ولماذا لا نفتح مثل هذه الملفات، إذا وجدت حقاً، أمام الرأي العام، من خلال وسائل الإعلام، بدلاً من الإغراق في التصريحات الغامضة وافتعال قضايا وهمية لا تسندها حجة أو برهان.لقد آن الأوان للمطالبة بوقف كل هذه المهاترات نهائياً، والاستعاضة عن ذلك بفتح ملفات حقيقية، واتخاذ خطوات قانونية جدية، في هذه الحالة فقط يمكن الحديث عن جدية بتناول هذا الملف. أما غير ذلك، فإن الفساد يطال كل مَن يروج بلا دليل ولا إجراء، لمثل هذه الملفات الوهمية!! Hanihabib272@hotmail.com  www.hanihabib.net