كان من الرائع العودة إلى لبنان في الأيام القليلة الماضية، ورؤية الصحافة الحرة نسبيا والمجتمع المدني الممتلىء بالحيوية. ولكن في الوقت نفسه، لم ألحظ تغييرا كبيرا في النظام السياسي هناك - فالنظام يسمح بأن يتم تمثيل جميع طوائفه، ولكن ذلك يتم من خلال الاجداد والاحفاد الذين ينحدرون من عائلات بعينها، مما يخلق حالة من الإحباط. ترى، ما هو تأثير التغييرات الكبيرة والتقلبات في المنطقة على هذا البلد وشعبه؟ عندما نظرت في وجوه أكثر من ألف خريج في الجامعة الاميركية في بيروت، إمتلأ قلبي بالأمل. فهم يفهمون بعمق، ما يدور من حولهم ويرحبون بالتغييرات التي تشهدها المنطقة. وبدى إصرارهم في الوصول إلى غاياتهم واضحا، وكذلك حماسهم للتغلب على التحديات القادمة في ظل مناخ جديد من الحرية والكرامة الإنسانية. وتأثرت كثيرا عندما لمست عن قرب حقيقة أن تضحيات أشقائهم وشقيقاتهم في مختلف أرجاء العالم العربي، الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم طلباً للعدالة واحترام حقوق الإنسان الأساسية، باتت مصدر إلهام لهم. وتؤكد أحداث الربيع العربي أن الشعوب في كل مكان تتطلع إلى الحرية، وإلى جعل صوتها مسموعاً وإلى المشاركة في إتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. وهذا يظهر أن هذه القيم ليست "غربية" فحسب وانما قيما عالمية نصبوا إليها جميعا كبشر. لا للمزيد من إزدواج المعايير لفترة طويلة، إدعت الكثير من الأنظمة الاستبدادية بأن قيما مثل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان ’غربية’. واكتفت الكثير من الحكومات الغربية الساعية للحفاظ على ’الاستقرار’ القومي والإقليمي بالكلمات الرنانة الجوفاء حول دعم مُثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين غضت طرفها عن الانتهاكات التي قامت بها حكومات وقادة الدول التي تتمتع بعلاقات طيبة معها. ومن الواضح أن مثل هذا الاستثناء هو أمر معيب في جوهره. وأن الشعوب مصرة على عدم قبول استمرار الوضع على ماهو عليه. وفي يناير/كانون ثاني الماضي، وبعد ستة أسابيع من المظاهرات الشعبية، شهدنا ما لم يعتقد الكثير من التونسيين بأنهم سيشهدونه على الإطلاق: رحيل الرئيس بن علي. وفي الشهر التالي، تنحى الرئيس المصري حسني مبارك بعد خروج المصريين من جميع الأطياف والطبقات، من الرجال والنساء، الأغنياء منهم والفقراء إلى الشوارع مطالبين بإنهاء عصر الديكتاتورية والقمع. إنتشرت هذه المظاهرات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيد أنها لم تحقق التغيير الذي تريده الشعوب. وفي ليبيا والبحرين وسوريا واليمن، فقد الآلاف أرواحهم بسبب رد فعل تلك الدول العنيف على المطالب المشروعة لمواطنيها. الشجاعة ورفض الصمت يعكس رفض المتظاهرين الصمت، على الرغم من ردود الأفعال العنيفة التي يواجهونها، ظهور قوة مدنية فاعلة تتقدم بخطى واثقة في كثير من البلدان العربية. وفي مصر، لم تنته الثورة بسقوط حسني مبارك. فلا زالت مجموعات الشباب والنقابات والصحفيون ، ومؤسسات المجتمع المدني تكافح لمحاسبة حكام المرحلة الإنتقالية العسكريين. وأحد الامثلة على ذلك، هي الضجة الكبيرة التي سببتها محاكمة مدون عسكريا ومن ثم سجنه إثر إنتقاده للحكام العسكريين. ويمارس المتظاهرون الآن الضغط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين ولمعرفة مصير أكثر من خمسة آلاف مصري مفقودين، يُعتقد أن جهاز أمن الدولة احتجزهم دون محاكمة، منذ بدء الاضطرابات. ينبغي على المجتمع الدولي مساعدة حركات المجتمع المدني النامية وبإمكانه أن يفعل ذلك. إن اتباع نهج التدخل قد يأتي بنتائج عكسية، بيد أنه بوسع البلدان الأخرى المساعدة في حماية شرعية تلك الحركات من خلال إلزام جميع الحكومات باتباع المعايير العالمية التي يتوقعها مواطنوها منها. التضامن العالمي إستحوذت الانتفاضات الشعبية في العالم العربي على اهتمام الكثيرين وألهمتهم لدرجة كبيرة. وتحدثت شقيقتنا في مجموعة الحكماء، أونج سان سيو كي، عن تأثير الربيع العربي على الحركة المؤيدة للديمقراطية في بورما قائلة: "هل نغبط المصريين والتونسيين؟ نعم... ولكن الأهم من الغبطة هو التضامن معهم وبتجديد إلتزامنا بقضيتنا، والتي هي قضية جميع النساء والرجال الذين يقدرون كرامة الإنسان وحريته." وفي مصر، ألهمت وفاة رجل أعمال شاب على أيد قوات أمن الدولة آلاف المصريين للتظاهر بإسمه مرددين: "كلنا خالد سعيد". وتتضاعف روح التضامن تلك عندما يشاهد الناس في جميع أنحاء العالم هذه الاحداث وقت وقوعها ويرددون دعوات المتظاهرين المطالبة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويعود الفضل الاكبر للانترنت والإعلام الاجتماعي. ولا تساعد تلك الأدوات الشعوب في تنظيم تحركات المجتمع المدني وتبادل الخبرات وحسب، وإنما تؤكد على حقيقة أننا عندما نطالب بحقوقنا الأساسية، فنحن ليس وحيدين. فنحن محقون في مساءلة حكوماتنا وفي سعينا لبناء مجتمعات حرة تشمل وتفيد الجميع ، وليس فقط للقلة المحظوظة. وبغض النظر عما سيحدث في الشهور والسنوات القادمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أظهر الربيع العربي أن القيم العالمية ليست مفهوما مجردا، فهي تحدث تأثيرا حقيقيا وعمليا في حياة الشعوب. والأهم من ذلك هو أن المتظاهرين عكسوا أن تلك القيم عالمية بحق. وأنها تعود لكل شخص منا وتستحق أن نحارب من أجلها وأن نعتز بها.