الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد أنهى مؤخرا زيارة استغرقت يومين الى لبنان (14 – 15 تشرين الاول 2010). في اثناء هذه الزيارة التقى بكبار الحكم في لبنان وكذا مع زعماء حزب الله. وكانت هذه هي الزيارة الاولى لرئيس ايراني الى لبنان منذ 2005. في هذه الزيارة وقعت حكومتا لبنان وايران على 17 اتفاقا للتعاون يضمن تعزيز علاقات الدولتين في مواضيع متنوعة، كالطاقة، سياسة الغاز والوقود، التجارة، الزراعة والمشاريع المشتركة. رغم أن احمدي نجاد كان حذرا جدا في اقواله حين وصف قراره بالسفر الى لبنان كمظاهرة رغبة في تعزيز "العلاقات الدبلوماسية الطيبة" السائدة بين الدولتين، ستكون لزيارته آثار سياسية وجغرافية – استراتيجية تتجاوز التعاون المؤسساتي بين الدولتين. أولا، وجود احمدي نجاد في لبنان يأتي للتشديد على المصلحة المتواصلة لايران في اداء دور رائد في السياسة اللبنانية الداخلية، ولا سيما من خلال دعمها للحركة الشيعية اللبنانية حزب الله، ولكن أيضا من خلال تعميق نفوذها المباشر على لبنان. وفي هذا السياق، منحت الزيارة الى جنوب لبنان الرئيس فرصة للعودة لضمان دعمه لحزب الله، ومدح "صمود" المنظمة حيال اسرائيل وحيال باقي "الدول العدوانية" التي ادعى بشأنها بانها تحاول السيطرة على المنطقة. الدعم الكامل من ايران لحزب الله – محور مركزي في السياسة الخارجية الايرانية منذ تأسيس المنظمة – يتلقى معنى حاسما اكثر بكثير في ضوء التوقيت الذي اختير لهذه الزيارة. فقد وصل احمدي نجاد الى لبنان قبل اسابيع قليلة فقط من النشر المرتقب لنتائج المحكمة الخاصة للامم المتحدة حول لبنان، والتي كلفت بالتحقيق في ملابسات اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في شهر شباط 2005. ومع مرور خمس سنوات من التحقيق تخطط المحكمة في هذه الايام لنشر استنتاجاتها الاولية، والتي ستربط ظاهرا أصحاب مناصب في حزب الله، بمن فيهم كبار المسؤولين في المنظمة، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق. في الاشهر الاخيرة تغيرت ردود فعل حزب الله على هذه الاتهامات بين المعركة الغاضبة ضد المحكمة، وبين دفع الحكومة اللبنانية الى الغاء تفويضها والغاء نتائجها بجرة قلم. اضافة الى ذلك، قلل الامين العام للمنظمة حسن نصرالله من أهمية كل صلة تحتمل بين منظمته وبين اغتيال رئيس الوزراء الاسبق، في ظل اشارته الى أن كل صلة من هذا القبيل ستتناول، في اقصى الاحوال، "اعضاء عديمي المعنى" لا تقيم منظمته معهم أي علاقات. ولكن، دون صلة بالمعركة المكثفة هذه الدائرة ضد محكمة الامم المتحدة، فان مجرد اقامة الصلة بين حزب الله واغتيال الحريري من شأنها أن تحمل آثارا ثقيلة الوزن على شعبية وشرعية المنظمة في الداخل، وصلة من هذا القبيل يحتمل اذا ما انكشفت، ان تصعد بشكل كاسح المواجهة بين حزب الله وتحالف الاغلبية في 14 اذار. هذا التطور من شأنه أن يؤدي الى موجة جديدة من عدم الاستقرار الداخلي، مع امكانية لخلق أزمة سياسية شالة والى انهيار حكومة الوحدة او حتى اندلاع العنف المتجدد للاعمال العدائية بين الطوائف. في هذا السياق يجب أن نرى حضور أحمدي نجاد في لبنان ودعمه المعلن لحزب الله، الى جانب التشكيك العلني من جانبه لنتائج المحكمة الدولية كرسالة قوية تطلق باتجاه حكومة 14 اذار، في أن عليها أن تمتنع عن أي ربط علني بين حليف طهران المحلي، في كل ما يتعلق باغتيال رئيس الوزراء الحريري. فضلا عن ذلك، فان السعودية وسوريا كانتا اللاعبين الاقليميين الاكثر انخراطا حتى الان في محاولة ايجاد حل وسط في مسألة المحكمة الخاصة من الامم المتحدة، والزيارة الايرانية تأتي ايضا لمنح وزن اضافي لموقف طهران من هذه المسألة، في ظل الغاء النظرية التي ادعت حتى الان بان النفوذ الايراني في لبنان يوجد في حالة تراجع. الولايات المتحدة فسرت هي ايضا، أغلب الظن زيارة الرئيس الايراني وملاحظاته بالشكل المشار اليه اعلاه، وذلك لانه بعد بضعة ايام فقط من مغادرة احمدي نجاد كان هذا جيفري بلتمن مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط هو الذي زيار بيروت، في ظل تشديده على أهمية محكمة الامم المتحدة ودعوته لبنان الى احترام التفويض ونتائجه. من جهة اخرى وهو يرى أمام ناظريه تصاعد النفوذ الايراني في لبنان، كرر أحمدي نجاد اقتراحه لتدريب الجيش اللبناني وتزويده بالوسائل القتالية، الخطوة التي حظيت بالدعم العلني من جانب نصرالله. في خطاب ألقاه في 9 تشرين الاول 2010 اشار نصرالله فقال: "الاخوة في ايران مستعدون للتعاون في المشاريع وتمويل المشاريع من أجل المساعدة في عملية تسلح الجيش اللبناني... لدينا نقص في المعدات وفي السلاح، توجد، إذن، امة تحب لبنان وتعلن بانها مستعدة للمساعدة". رغم رفض حكومة لبنان تلقي مساعدة عسكرية ايرانية، يبدو أن اقتراح احمدي نجاد لمساعدة الجيش اللبناني في ظل الحلول مع الوقت محل المساعدات العسكرية التي تأتي اليه من البلدان الغربية، يشكل مثالا ملموسا آخر على نوايا طهران في مواصلة كونها لاعب أساس في الساحة اللبنانية الداخلية.ليس أقل اهمية هو أن هذه الرسالة – الاستعداد لمساعدة لبنان – تعزز فكرة أن ايران معنية بان تفسر هذه الزيارة كعلامة على دخول لبنان الى "محور المقاومة"، الذي يضم في هذا الوقت ايران وسوريا. من ناحية الساحة اللبنانية الداخلية من شأن هذه الفكرة أن تشكل مصدرا لعدم الاستقرار والخلاف الشديد، حين تتبناها بحماسة قوات المعارضة بقيادة حزب الله، ومن جهة اخرى يرفضها معظم التحالف الحاكم لجماعة 14 اذار. اعضاء هذا التحالف نشروا رسالة عشية وصول احمدي نجاد الى لبنان اتهموا فيها ايران بالتدخل المبالغ فيه في الشؤون الداخلية اللبنانية، وحملوا الذنب لزعيم الجمهورية الاسلامية مع التأكيد على أنه يزور لبنان انطلاقا من نهج "القائد الاعلى الذي يزور خط الجبهة لديه". وبالاجمال، رغم النبرة المتصالحة والدبلوماسية التي اتخذها الرئيس الايراني في اثناء محادثاته مع اعضاء الحكومة في لبنان، فان تصريحاته ونهجه – حين توجه الى حليفه المحلي، منظمة حزب الله – اظهرت جدول أعمال مختلف، أقل تنوعا. وعليه، فحين عبر عن تأييده لحزب الله في ظل انتقاد تحقيق الامم المتحدة المتواصل، تطلع احمدي نجاد للضغط على الحكومة لتفادي خيار اتخاذ خطوات ضد حزب الله. من خلال دعمها لحزب الله، أوضحت ايران ايضا مصلحتها المستمرة في اداء دور مركزي في الساحة اللبنانية، الى جانب أملها في ان تتمكن من زيادة قوتها ونفوذها في هذه الدولة الشرق أوسطية.