إسرائيل الغائب الحاضر في مؤتمر باريس د. جمال الفاضي

الثلاثاء 17 يناير 2017 12:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



نقتبس مما قاله الكاتب السياسي "ناصر اليافاوي" إن الإدراك هو العدسة الكامنة في عقولنا التي نفهم من خلالها حقائق الحياة، وما يجري فيها من أحداث، وعلي أساسها، تتحدد خطاباتنا، وانحيازاتنا السلوكية والفكرية تجاه معطيات دون أخري في المجالين الخاص أو العام، وأنه لا ينشأ هذا الإدراك الجمعي، من تلقاء ذاته، بل إن هناك مصادر مختلفة تتدخل في تشكيله وصياغته، اهمها الاستماع من وإلى الآخرين والتعرف على انماط تفكيرهم ، ومعرفة طبيعة الذاكرة التاريخية الجماعية للشعوب ، والتأمل في خبراتهم الشخصية.

ولأن الإدراك أعلى درجة من المعرفة، فهذه المقدمة المقتبسة، تجعلنا نبدو وكأن عقولنا قد أظلت طريقها عند الحديث عن مؤتمر باريس الذي راينا فيه مخرجاً لهمومنا وآلامنا، أصبحنا لا ندرك ما يدور حولنا وأصبحت عقولنا ترفض الوقوف عند حقيقة رسمتها عشرات السنين وعشرات ومئات المؤتمرات، ولم نعد راغبين أو قادرين على رفض ما يكرر لنا التاريخ من مواقف وأفعال للأطراف الدولية المتعاطية مع قضيتنا الفلسطينية.

فهل نملك الإدراك الكافي على المستوى الفردي وعلى المستوى الجمعي، للتأكد من ان مؤتمراً هنا وهناك لم يعد كاف للوصول لحقوقنا، فها هو مؤتمر باريس الذي بدا الحديث عنه منذ عام 2014 كمؤتمر دولي للسلام لن يتعدى ما سوف يخرج به من بيان ناتج عن محاولات تفكير  وكعصف فكري بحلول وليس بقرارات ذات طبيعة إلزامية، وقد اكد مؤتمر باريس على جملة من الحقائق وهي:

الأولى/ أن اسرائيل وبالرغم من عدم حضورها، كانت هي اللاعب الأكثر تأثير على مجريات المؤتمر وبيانه الختامي، وأن ما حمله هذا البيان لا يتجاوز الإرادة الإسرائيلية في التعاطي مع الشأن الفلسطيني.

الثانية/ أن إسرائيل نجحت بفرض رؤيتها على الدولة المنظمة للمؤتمر، وعلى كل الأطراف الدولية المشاركة بالمؤتمر، فلم بعد المؤتمر يحمل الصفة الدولية، ولم تقدم قراراته كقرارات ملزمة يتبناها مجلس الأمن، ولم تتعدى التوصية، مع التأكيد على أن ما يحدد أي حل هو المفاوضات الثنائية فقط، وهي رغبة وإرادة إسرائيلية لطالما أكدت عليها في كل الأوقات وفي كل الأماكن.

الثالثة/ أن إسرائيل مارست الإرهاب الفكري ضد المشاركين، وربما حالة من تأنيب الضمير بعد قرار 2334، وقيامها بحملة اعلامية ودبلوماسية حتى لا يخرج المؤتمر بأي قرارات ذات وزن وتأثير على الموقف الإسرائيلي من عملية السلام.

الرابعة/ أن المجتمع الدولي وبالرغم من النوايا الطيبة التي يحملها تجاه حل عادل للفلسطينيين، لازال متردداً وربما غير جاد في استخدام أدوات ضغط حقيقية تلزم الجانب الإسرائيلي في التعاطي مع القرارات الدولية.

الخامسة/ أن المؤتمر وبالرغم من مشاركة 70 دولة ومؤسسة لم يملك الإرادة القادرة على فرض حلول بناءة يمكن أن تشكل اختراق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

السادسة/ أن المؤتمر ترك الباب موارباً لتدخل الإدارة الأمريكية الجديدة، ولم يغلق الباب امامها للتدخل كراعي تاريخي لعملية السلام الشرق أوسطية.

السابعة/ أن المؤتمر لم يتطرق وهو في حالة بحث عن آليات حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى حقيقة ثابتة أن إسرائيل دولة احتلال وان الفلسطينيين هم أصحاب الأرض المحتلة، وأن دعوته توصياته جاءت بناءً على وجود نزاع بين طرفين متساويين.

الثامنة/ أن المؤتمر لم يتطرق من هنا أو من هناك إلى وجود قانون دولي يجب على إسرائيل احترامه، سواء فيما يتعلق بالاستيطان، وتغيير معالم الأرض المحتلة، أو فيما يتعلق بالسكان وتهجيرهم جراء جدار الفصل العنصري، أو مدينة القدس التي ينطبق عليها القرارات والقوانين التي تمنع ضمها لدولة الاحتلال.

نعم اجتهدت فلسطين، ونجحت الدبلوماسية الفلسطينية في ظل وضع دولي وإقليمي غاية في الصعوبة في إيجاد تجمع دولي يشكل محطة يفكر ويجتهد من أجل إيجاد حل فلسطين وأرضها وشعبها، ولكن ومن منطق الإدراك إلى متى سيبقى المجتمع الدولي يمارس هواية التعاطف معنا، وتفهم حاجتنا، والإحساس بمعاناتنا، دون فعل جدي، إلى متى سنبقى نراكم محطات نجمع بها نقاط تعاطف وتفهم، فيما الأرض تنهب وتسرق وتصادر كل يوم، هل سيكون المؤتمر القادم أياً كان اسمه قادر على جمع نقاط لأرض لم تعد موجودة، وإلى متى سيبقى المجتمع الدولي يدعو الطرفين في بياناته وتصريحاته بأهمية الحفاظ على حل الدولتين فيما إسرائيل هي وحدها المعطل والرافض لكل أسس عملية تسوية، وهي دولة الاحتلال وهي من تقوم بتغيير الحقائق على الأرض.